أسباب ارتباط الإسلام السياسي بالأجندة الأمريكية
الجمل: حركة الصعود الإسلامي، أو ما يسميه الإسلاميون (بالصحوة الإسلامية)، شملت كافة أرجاء العالم، وذلك على النحو الذي جعل من هذا الصعود بمثابة ظاهرة اجتماعية عامة، تردد صداها في كافة الأرجاء وأثرت بقدر كبير داخل وخارج البلدان العربية والإسلامية.
• الإسلام وإشكاليات الجغرافيا السياسية- التاريخية:
يرتبط مفهوم العروبة بالإسلام، وهو ارتباط يرجع بشكل أساسي إلى دور الإسلام والمسلمين في نشر اللغة والثقافة العربية، ومع ذلك فمازال هناك فرق بين مفاهيم مثل: البلدان العربية، والعالم العربي، البلدان الإسلامية والعالم الإسلامي.. ولتوضيح ذلك نقول: إن البلدان العربية هي الـ22 قطراً عربياً المنضوية تحت لواء الجامعة العروبوي، أما العالم العربي فهو مفهوم واسع وأشمل يمتد من العاصمة الأندونيسية جاكرتا الواقعة في منطقة جنوب شرق آسيا ويمتد غرباً حتى السنغال وموريتانيا على ساحل المحيط الأطلنطي.
ومفهوم البلدان الإسلامية يشير إلى تلك البلدان التي تعتمد تطبيق نظام الحكم الإسلامي والتي تحمل تسميتها صفة إسلامية، أما مفهوم العالم الإسلامي فهو يشمل ما يمكن أن نطلق عليه ديار الإسلام التي يوجد فيها المسلمون، وتدخل في ذلك كل بلدان العالم التي يعيش ضمنها المسلمون سواء كانوا يشكلون أغلبية أو أقلية.
• الانتماء العربي- الإسلامي وإشكالية تقاطع الهوية:
ارتباط الإسلام بالعروبة، والعروبة بالإسلام، أدى إلى تلازم الصفة، ونشوء ما يعرف بالهوية العربية- الإسلامية، وبالذات في منطقة المركز التي تضم دول الجزيرة العربية وشرق المتوسط، وشمال افريقيا، ولكن بالنسبة لدول أخرى، لم يكتمل نمو الهوية على نسق نموذج الانتماء العربي- الإسلامي، فإيران بلد إسلامي ولكن بهوية فارسية، وباكستان بلد إسلامي ولكن بهوية أوروبية- باشتونية، ونيجيريا بلد إسلامي ولكن بهوية افريقية، وبرغم معرفة أغلبية كبيرة من سكان هذه البلدان باللغة العربية باعتبارها لغة القرآن والإسلامي، فإن نمو الهوية العربية- الإسلامية لم يكتمل نضجه، بسبب الكثير من العوامل والمحفزات التي دفعت هذه الشعوب إلى تبني الإسلام وعدم تبني العروبة التي تمثل لغة وثقافة الإسلام.
• الإسلام السياسي وديناميكيات الإيمان والقوة:
حاولت الكثير من عناصر النخبة الإسلامية بناء الكيانات التي تتبنى وتعتمد الإسلام السياسي، وبالذات في حقب الخمسينيات والستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ولكنها اصطدمت بصخرة العلم والفكر العلمي والعلمانية، ولم يستطع الخطاب السياسي لهذه الحركات تجاوز نطاق دائرة أعضائها الملتزم، وفي كثير من الأحيان كان (المسجد) لا يخدم توجهات جماعات الإسلام السياسي، وذلك بسبب تعدد الأفضليات والخيارات المتاحة التي تجد الأولوية، فكان معظم المسلمين يفضلون البقاء ضمن الأطر الطائفية الدينية العريقة، أو الانتماء إلى الطرق الصوفية التي كانت تجد رواجاً كبيراً في البلدان التي لا تتبنى فيها الدول التوجهات الإسلامية.
تسييس المفاهيم الإسلامية، وظهور الخطاب الإسلامي السياسي الحديث المتعلق بفلسفة الحكم الإسلامي المعاصر، تعود جذوره إلى فترة قريبة، وقد مهدت له كتابات سيد قطب (مصري)، أبو الأعلى المودودي (باكستاني)، سعيد حوى (سوري)، حسن الترابي (سوداني)، مصطفى النجار (مصري)، وحسن مكي (سوداني).
أتاحت حرب أفغانستان ضد التدخل السوفييتي فرصة تجسيد ثنائية النظر والعمل، أو الفكر والتطبيق، وقد استغلت الجماعات والتنظيمات الإسلامية هذه الفرصة ووظفتها على النحو الذي أدى إلى بلورة معطيات ما يعرف بـ(براكسيس) العلم الإسلامي، وبكلمات أخرى: اندمج الفكر النظري الإٍسلامي مع الواقع العملي الإسلامي في ميدان الحرب الافغانية.
تحولت العناصر الإسلامية التي كانت تقاتل على خلفية المنطق السلفي إلى عناصر إسلامية حركية تخطط من أجل خلق النموذج المطلوب وإقامة الخلافة الإسلامية الكبرى، وفقاً لأطروحات ثنائية الإيمان- القوة، أو القوة- الإيمان، التي يمكن استنباط معطياتها بكل سهولة من مبادئ (فقه التمكين)، (الحاكمية لله)، (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) و(الجهاد).. وغير ذلك من المفردات الاصطلاحية المتداولة بواسطة الحركات الأصولية الإسلامية المعاصرة.
• من ثنائية العلمانية وقبول الآخر إلى ثنائية القوة ورفض الآخر:
تحولت الحرب ضد السوفييت في أفغانستان لاحقاً إلى حرب ضد الآخر وبالذات في البلدان العربية والإسلامية التي عاد إليها ما يعرف بجماعات العرب الأفغان، (أي العرب الذين قاتلوا في أفغانستان)، وعلى هذا النحو نشأت منظومة من العنف تتكون من ثنائية العنف السياسي غير الرسمي الإسلاموي ضد العنف السياسي الرسمي من جانب الدولة، ولم يقف الأمر عند حدود التفجيرات والاغتيالات وغيرها من عمليات العنف السياسي الداخلي، وإنما أخذت طابعاً عابراً للحدود، وساعد في اشتعال الحريق مشروع الهيمنة الذي تتقاطع ضمنه المشروعات الإسرائيلية والأمريكية إزاء الدول العربية والإسلامية وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط.
كانت دول الشرق الأوسط في حقبة ما بعد الاستقلال تقوم على التعايش السلمي والحوار المتسامح مع الآخرين، ولكن بسبب الظلم والقهر الذي ظلت تمارسه كل من إسرائيل وأمريكا في المنطقة، تولد بالمقابل له ما يعرف بالعنف المضاد، وأمام الصلف الإسرائيلي- الأمريكي، وعلى خلفية فراغ القوة الذي نشأ في منطقة الشرق الأوسط وبقية بلدان العالم الثالث، صعدت حركات الإسلام السياسي، على النحو الذي أدى إلى بلورة كيانات إسلامية حركية تتميز بالشعبية والفعاليات العابرة للحدود، ومن أبرزها: حزب الله اللبناني (الشيعي)، حركة حماس (السنية) وتنظيم القاعدة (السني)، وإن كانت حركتا حزب الله وحماس تلتزمان بالدفاع عن قضايا إقليمية محددة ضمن الإطار الجغرافي الذي تعملان ضمنه، فإن تنظيم القاعدة يعمل على غرار النموذج المتعدد الجنسيات، العابر للحدود والقوميات، والذي يجسد بالكامل ثنائية القوة- رفض الآخر مستخدماً الجهاد المسلح من أجل تحقيق أهدافه ذات الطابع الشمولي، غير المرتبط بالجغرافيا.
وعموماً، الحكومات التي تورطت في المشروع الإسرائيلي- الأمريكي هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن نشوء وصعود حركات الإسلام السياسي، وهي حقيقة تؤكدها الخارطة السياسية للإسلام السياسي الحركي، فمصر والاردن والسعودية هي البلدان الاكثر تورطاً مع أمريكا وإسرائيل، وتبعاً لذلك فقد كانت هي الأوفر حظاً في نشوء وانتشار حركة الإسلام السياسي، والسلطة الفلسطينية التي تورطت مع أمريكا وإسرائيل، فكان تورطها سبباً كافياً لصعود حركتي حماس والجهاد الإسلامي.. وفي العراق فقد كان الغزو والاحتلال العسكري الأمريكي المدعوم إسرائيلياً، وتورط بعض الأطراف العراقية فيه سبباً مباشراً لصعود الحركات والميليشيات الأصولية الإسلامية.
وعلى هذا النحو تتبدى بوضوح العلاقة الجدلية الطردية المتبادلة بين متغير المشروع الأمريكي- الإسرائيلي، ومتغير الإسلام الحركي السياسي الأصولي.. وبكلمات أخرى: كلما حاول محور أمريكا- إسرائيل فرض أجندة مشروعه بالقوة تصاعدت بالمقابل حركية الإسلام السياسي، وتأخذ هذه العلاقة الطردية طابعاً خبيثاً، وذلك لأن معطيات خبرة الأداء السلوكي السياسي تقول بأنه كلما تصاعدت بالمقابل حركية الإسلام السياسي، حاول محور أمريكا- إسرائيل استخدام ذلك كذريعة لممارسة المزيد من القوة والقصر، وهكذا تستمر الحلقة، وتتزايد احتقانات أزمة المنطقة، ولا يوجد مخرج سوى خروج أمريكا وتخلي الإدارة الأمريكية عن السياسات التدخلية في الشرق الأوسط، وتسوية مشاكل المنطقة على أساس الاعتراف بالحقوق العادلة، أما المضي قدماً في التذرع بالحرب ضد الإرهاب (أو الإسلام السياسي) فسوف تترتب عليه مخاطر سوف يكون أقلها كارثياً بالنسبة لإسرائيل وأمريكا، وذلك لأن حركية الإسلام السياسي سوف تتطور وتتحول إلى تيار اجتماعي في المنطقة، وعندها سوف تكون الطامة الكبرى ليس لأمريكا أو إسرائيل أو دول الشرق الأوسط، وإنما لـ(الأمن والسلم الدوليين)، وسوف لن يجدي لا الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولا غيره في رد الأمور إلى نصابها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد