أفيوني: الشريعة بريئة من جرائم الشرف
هي إذاً البراءة للشريعة الإسلامية نلمسها وينطق بها كل عالم وفقيه بالشرع لما يسمى جرائم شرف.
هي البراءة الكاملة الواضحة وضوح الشمس من حركت اعلى الهرم في المؤسسة الدينية( المفتي العام) لبحث القضية مع وزير العدل لاعادة النظر في المواد الأربع في قانون العقوبات التي تبيح وتسن وتشجع على القتل.
وبانتظار إحداث تغيير أو تعديل أو حسم للنص القانوني« المشجع» للقتل بدافع الشرف...
نحن بانتظار تحرك موازي من الائمة وعلماء الدين كقادة رأي لتبيان وتوضيح النص الشرعي الذي لالبس فيه فيما يتعلق بجرائم القتل تحت غطاء ما يسمى الشرف.
قي وقت تحرك فيه الناشطون في المجتمع الأهلي بحملة قوية بدأت العام الماضي وانتهت في مجلس الشعب والآن مع تكرار عدة جرائم تجدد تحرك المجتمع الاهلي لايقاف مثل هذه الجرائم وتعديل المواد القانونية الخاضعة بذلك.
مرة أخرى نجد أنفسنا مضطرين لبحث القضية من الجانب الشرعي ليس لتوضيح رأي الشريعة الاسلامية« الواضح» فقط بل لايماننا بضرورة تحميل العبء لقادة الرأي من رجال وعلماء الدين والائمة والخطباء في الحد من جرائم مغطاة برداء الشرف.
وفي هذا الصدد التقينا الشيخ العلامة محمد عدنان افيوني لتبيان دور علماء الدين كجانب موازي لتحرك المجتمع الاهلي والمؤسسات الرسمية:
ہما رأيك بما يسمى جرائم الشرف. وما رأي الشريعة الاسلامية في جريمة القتل بدافع الشرف؟
ہہإن الشريعة الاسلامية الغراء قد نظمت علاقة الانسان بربه وعلاقته بغيره ضمن ضوابط وحدود الشريعة، ورتبت على كل فعل يصدر عنه مايناسبه من الثواب والعقاب سلباً وايجاباً. ولما كانت النفس البشرية أنفس وأكرم مافي هذه الحياة فقد كان الحفاظ عليها وصيانتها من الضرر والاذى والافناء من أول وأهم مقاصد الشريعة، وقد جاءت النصوص مؤكدة وجوب حمايتها والحفاظ عليها ومحذرة من المساس بها والعدوان عليها، بقول الله تعالى:( ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً»
ومن هنا فإن الشريعة عدت إزهاق الروح البشرية بالقتل بلاسبب جريمة عظمى ومعصية كبرى تستوجب القصاص، ورتبت عليها جزاءً أخروياً بالغ الخطورة ألا وهو الخلود في نار جهنم كما في قوله تعالى( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جنهم خالداًَ فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً»
ولقد بين النبي ے الأسباب الموجبة للقتل فقال:« لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة»، وكل قتل للنفس في غير هذه الصورة أو ما يقع في حيزها كالحرابة والصيالة والافساد في الارض وماجاءت به النصوص الاخرى فهو مستوجب للعقوبة الآنف ذكرها.
ومنه فلايوجد في الشريعة قتل مبرر بدافع الشرف لأن الحدود في الشريعة موصوفة بوقائع محدودة يقيمها الوالي أو القاضي. فإن كان هناك شبه فلا حد وإن لم يثبت الفعل فلا حد.
فإن حصل في بيت من البيوت ما يخرج عن مسار الشريعة والاخلاق فإن معالجته تتم وفق ضوابط الشرع وحسبما يستحق من العقوبة دنيوية أو أخروية.
وهكذا الفعل الشائن بين الرجل والمرأة فيما دون الزنى ـ مع شناعته وقبحه إلا أنه ـ لايستوجب حد الزنى، وعقوبة البكر الزاني لا تماثل عقوبة الثيب الزاني وهكذا... وما أذكره ليس تهويناً لأمر الفاحشة وإنما بياناً لحكم الشرع الحنيف في هذه المسألة المهمة والحساسة التي ينبغي أن نتعامل معها وفق تعاليم الشريعة لا وفق الانفعالات وردود الافعال، فإقامة الحد على جريمة الزنى لا يتم إلا وفق ضوابط صارمة بينتها الشريعة في محورين:
1 ـ إقامة البينة التامة على وقوع جريمة الزنى.
2 ـ إقامة الحد بعد الثبوت من قبل القاضي أو الحاكم لا من سواه تجنباً لسلسلة من الأخطاء لاتنتهي وإقامة البينة لاتتم إلا بعد التحقق والتحقق يكون بإحدى ثلاث:
1 ـ الاقرار من الزاني على نفسه بالزنى إقراراً صريحاً لا إكراه فيه، فالإقرار سيد الادلة، وله شرطان:
الاول: ان يكون عالماً بالتحريم، وأن لايكون مكرهاً على الزنى، ولا على الاقرار به فإن أكرهت المرأة على ذلك فلا حد عليها، والحد على الذي أكرهها لحديث النبي ے رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
الثاني: أن لايتراجع عن إقراره فإن تراجع يسقط الاقرار ويسقط الحد ومن أصر على إقراره يقام عليه الحد، وان انكر الشريك سقط عنه ولا يلزمه.
فإن أصر على إقراره يناقش مناقشة واسعة للتثبت من أن الواقعة واقعة زنى بالمعنى الحقيقي، وبالاصح أنه يناقش في محاولة لثنيه عن إقراره والرجوع فيه، رجاء أن يجد في التوبة الصادقة سبيلاً الى تطهير النفس من آثار الزنى بدل القتل وهذا مافعله النبي ے مع ماعز الاسلمي حين جاء مقراً على نفسه بالزنى، وقد اشتكى الى أبي بكر الصديق فقال له :زنيت فقال أبو بكر: هل ذكرت هذا لاحد غيري؟ قال لا.
فقال له أبو بكر: فتب الى الله واستتر بستر الله فإن الله يقبل التوبة من عباده. فلم تقره نفسه فجاء الى عمر بن الخطاب فقال له عمر مثل ماقال له أبو بكر فلم تقره نفسه فجاء الى رسول الله ے فأقر على نفسه بالزنى فقال يا رسول الله زنيت فطهرني، فأعرض عنه النبي ے فجاءه من جهة أخرى يقول زنيت فطهرني فأعرض عنه النبي ے ثلاث مرات رجاء أن يسكت ولكنه أصر فقال له النبي ے لعلك قبّلت، لعلك غمزت لعلك... لعلك.. وفي كل مرة يقول بل زنيت يا رسول الله فبعث النبي ے الى أهله يسألهم: أيشتكي أم به جنة؟ فقالوا يا رسول الله إنه لصحيح، فأمر فأقام عليه الحد.
2 ـ ظهور الحمل من الزنى دون وجود زواج أو عقد شرعي، فإن وجد عقد شرعي مستوف لاركانه وشروطه مع وجود الشهود والاثبات، فلا حد.
3 ـ شهادة أربعة شهود عدول( غير فاسقين ولامطعونين في شهادتهم) بأن يقروا جميعاً بشهادتهم مجتمعين على أنهم رأوا بالعين عملية الزنى تامة، فإن جاؤوا متفرقين لم تقبل شهادتهم واقيم عليهم حد ـ القذف، لقوله تعالى( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولاتقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون) سورة النور ـ الآية 4 وقد جاء تأكيد ذلك من فعل النبي ے لهلال بن أمية عندما اتهم زوجته بشريك بن سحماء عند رسول الله ے فقال له ے: البينة أو حد في ظهرك فقال هلال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلاً على امرأته يلتمس البينة؟ فجعل النبي ے يقول: البينة او حد في ظهرك. فنزلت آية الملاعنة.
ومنه فإن النبي ے لم يعذر الرجل فيما ادعاه وطالبه بالبينة او يقيم عليه الحد وهذا صريح بأن الادعاء على المرأة أياً كان موقفها زوجة أو اختاً أو بنتاً لايبيح عقابها إلا بالبينة وإلا فالقصاص والعقاب دون رحمة لمن خالف قانون الله عزوجل في هذه المسألة وكل عدوان بالقتل في غير ثبوت الزنى بإحدى الوسائل الثلاث يعتبر عدواناً على النفس في غير حق، ولاشك أن هذا الضبط الصارم من الشريعة لضوابط هذه المسألة يمنع ما يعتبره الكثيرون دلائل على وقوع الفاحشة ومبرراً لازهاق روح صاحبتها ولاشك أيضاً بعد الاطلاع على ضوابط الشريعة ان مجرد الشك أو اللقاء بين الرجل والمرأة في خلوة مع وجود الريبة( وان كان حراماً ومعصية كبيرة) لايعد مبرراً للقتل ولامخففاً من اثاره فإن قتل انسان امرأة لمجرد الشك أو عدم ثبوت الزنى فعليه القصاص.
ہ هل هناك نصوص قرآنية أو أحاديث نبوية أو اجتهادات توحي أو تقول بتبرير القتل بدافع الشرف أو تسهم بشكل أو آخر الى هذه النتائج؟ ہہإن ماورد من النصوص المستمدة من الكتاب والسنة لتحمل بين طياتها ما يدرأ المفاسد، ويحقق العدل ويمنع الظلم ولايكون ذلك إلا من خلال احكام منضبطة بأوصاف معينة محكمة، ولذلك فإننا لانجد نصوصاً في الشريعة تبيح القتل مبرراً بالانفعال تحت أي سبب من الاسباب ذلك أن الانفعال غير منضبط وهو بالتالي غير عادل.
ہ هل يجوز لأحد مهما كان أن ينصب نفسه« حاكماً» على الارواح مهما كانت قرابته ما رأي الشريعة بذلك؟
ہہلابد من التأكيد على ان تنفيذ القصاص او الحدود او العقوبات عند ثبوت مايستوجبها هو من اختصاص الوالي أو من يعينه الوالي دون سواه وذلك بعد إقامة الحجة البينة والادلة الدامغة، فإن قام احد ـ كائناً من كان ـ بقتل انسان بدعوى اقامة الحد عليه فإنه يقتل به قصاصاً، وقد ورد ان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يتجول يعس الناس ويتفقد أمرهم ليلاً فرأى رجلاً وامرأة على فاحشة فلما أصبح قال للناس أرأيتم لو أن اماماً رأى رجلاً، وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد، ماكنتم فاعلين؟ فقال علي بن أبي طالب : ليس لك ذلك، إذاً يقام عليك الحد، ان الله لم يأمن على هذا أقل من أربعة شهود ولم يثبت أن أحداً من الصحابة قد أقام الحد على أحد من أهله أو قرابته في أي نوع من أنواع الحدود وانما فوضوا ذلك الى النبي ے او للخليفة من بعده.
إن الشريعة عندما حصرت إقامة الحد من قبل الحاكم كانت تهدف الى تحقيق العدل ومنع الظلم لان حكمه لايكون إلا بعد التثبت والروية خلافاً للاحكام الانفعالية التي يصدرها الاهل أو القرابة
ہماهو دور علماء الدين في التصدي والتخفيف من مشكلة مايسمى بجرائم الشرف وماذا تقترحون بهذا الخصوص؟
ہہفي الحقيقة ان هذه المشكلة ذات شقين: الاول : جريمة القتل والثاني: السبب الذي ادى اليها. وعندما نريد التصدي لمايسمى جرائم الشرف لابد من معالجة الشقين معاً، فأما ما يتعلق بجريمة القتل فما من شك أن تغليظ العقوبة من جانب وتنوير المجتمع لنتائج وآثار الجرائم من جانب آخر له الدور الكبير في حسر المشكلة والقضاء عليها، وتغليظ العقوبة من اختصاص القضاء، واما تنوير المجتمع فمن مهام وواجبات العلماء والدعاة، وذلك من خلال تربية الوعي والاتزان وضرورة الاحتكام الى الشريعة فيما يطرأ من مشاكل الحياة، وبيان العقاب الاخروي الصارم لمن يقتل النفس التي حرم الله الا بالحق وأن الحق يقرره الشرع ويطبقه القانون كل ذلك من خلال الندوات والمحاضرات ومجالس العلم في المساجد والمعاهد ووسائل الاعلام المقروء والمرئي فإن تأثير العالم في الأمة لا يخفى فهو صوت ضميرها، وهو ملاذها وموضع ثقتها ومايصدر عنه من الآراء والتوجيهات يقع في موقع القبول عند الكثيرين من شرائح المجتمع.. ومن هنا يتأكد دور السادة العلماء في توعية الامة ودلالتها على الحق والخير وهم في ذلك في موضع مسؤولية أمام الله تعالى وأمام الناس.
وأما فيما يتعلق بالسبب الذي أدى اليها وهو صدور فعل شائن من المرأة أو تمرد على قيم الدين او الاخلاق أو الاسرة او المجتمع يقابل برد فعل أكبر منه واقسى. فأقول: ان العلاج الحقيقي للمشكلة يكمن في معالجة هذا الجانب، فمنع السبب يمنع الجريمة، والوقاية خير من العلاج واذا أردنا فعلاً ردع المجتمع وافراده عن سلوك سبيل الفاحشةوعن خرق ستور الشرف والاخلاق لن يكون بإيجاد الاعذار المبررة والمخففة لكل من يمارس القتل باسم الدفاع عن الشرف، وانما يكون بتنمية الوازع الايماني والاخلاقي لدى أفراد الامة.
فريال زهرة
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد