أكثر من 18 ألف سرقة أعضاء شمال سورية وأكثر من 100 ألف طفل سوري مهددون
قال رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق الدكتور حسين نوفل: إن الحرب الكونية التي تتعرض لها البلاد حولت المناطق الساخنة في سورية وخاصة المناطق الشمالية والشرقية، إلى «مورّد» لعصابات الاتجار بالأشخاص
انتشرت وتفاقمت كل أنواع الاتجار بالأشخاص وخاصة سرقة الأعضاء والدعارة، فكل أشكال الاتجار بالأشخاص الموجودة بالعالم باتت موجودة في مخيمات لجوء السوريين في تركيا ولبنان والأردن، وفي بعض المناطق الساخنة في الشمال والشرق والجنوب، كاشفاً عن وقوع أكثر من 18 ألف حالة سرقة أعضاء من «سوريين» في المناطق الشمالية معظمهم أطفال، مشيراً إلى أن أكثر من 100 ألف طفل سوري في مخيمات اللجوء في تركيا، معرضون للمصير عينه، وخاضعين لأنواع مختلفة من الاتجار، مبيناً أنه من المفترض أن تكون هذه المخيمات تحت حماية الأمم المتحدة، ولكن لا أحد يحمي أطفالنا هناك، مضيفاً: إن 80% من «المهجرين» في مخيمات اللجوء خارج الحدود هم من الأطفال والنساء، وأصبح كل هؤلاء متاجراً بهم بطريقة أو بأخرى، وخلال ثلاث سنوات من الأزمة باتت حالات الاتجار بالأشخاص تقدر بعشرات الآلاف.
وأضاف نوفل: الأزمة ولدت وفاقمت ظاهرة الاتجار بالأشخاص بكل أشكاله بشكل كبير، ما ترك وسيترك آثاراً سلبية شديدة على الصحة «الجسدية والنفسية والاجتماعية»، لأن تعريف الصحة بحسب منظمة الصحة العالمية هو تكامل الصحة الجسدية والنفسية والاجتماعية، وفي حالات الحروب يزداد الاتجار بالأشخاص، وتنتشر حالات إدمان الكحول والمخدرات، وكذلك الأمراض المعدية والدعارة والاغتصاب، وكل هذه أبواب واسعة للاتجار بالأشخاص، فالمدمن يضطر في كثير من الحالات لبيع جسده لتأمين الكحول أو المخدرات، أو حتى لتأمين لقمة العيش.
وتابع نوفل بالقول: من هنا نفهم التدمير الممنهج والواسع الذي تعرضت له البنى التحتية في محافظات مختلفة، وخاصة تدمير المشافي والمدارس وإخراجها من الخدمة، وهذا كله تم بمخططات مدروسة، لأن المقصود والمطلوب هو تدمير البشر عن طريق إبعادهم عن التعليم والصحة، ولأن إبعاد الناس عن الخدمات التعليمية والصحية هو عمل ممنهج للقضاء على مستقبلهم ونشر الجهل والأمراض بينهم، وبالتالي وقوعهم ضحايا سهلة المنال لعصابات الاتجار بالأشخاص، ومن هنا انتشرت حالات لا تعد ولا تحصى من «تشغيل الأطفال في بيع التبغ والمخدرات والكحول، ما يجعلهم عرضة لتعاطي وإدمان هذه السموم، وكذلك حالات تجنيد الأطفال و«تحميلهم» السلاح وتدريبهم على القتل والذبح، وتحويلهم إلى مجرمين، بعد تدمير مدارسهم وإبعادهم عن مقاعدها، معتبراً أن كل الأطفال في المناطق الساخنة معرضين لحالات الاتجار المختلفة، لأن الأطفال لا حول ولا قوة لهم، ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، وهم عرضة للاتجار تحت التهديد أو بالإغراء ببضعة قروش أو بقطعة حلوة.
وتابع نوفل بالقول: إن حالة الحرب التي تمر بها سورية أدت إلى تدهور معين في الحالة الاقتصادية والاجتماعية وكل هذا يؤدي إلى نقص الوعي في المجتمع، وزيادة الحاجة الاقتصادية للأشخاص، وبالتالي خضوعهم للاتجار، وقد تم تسجيل حالات لا تعد ولا تحصى من الاتجار بالأشخاص السوريين وخاصة الأطفال وسرقة أعضائهم في تركيا ولبنان، مع التهجير القسري الذي حدث في الكثير من الأحيان في المناطق الحدودية تحت تهديد الإرهاب والسلاح والقتل، وهناك عصابات ومافيات باتت ترعى «الاتجار» بكل أنواعه وأشكاله وخاصة بيع الأعضاء بيع الأجساد عن طريق الدعارة، وهذا يفسر حالات كثيرة تم فيها تزويج امرأة واحدة عدة مرات في فترة قصيرة، لأن هذه العصابات تتعامل مع المرأة على أنها سلعة يتم تأجيرها وكأنها سيارة أو شقة مفروشة.
وأشار نوفل إلى انتشار مافيات طبية في المناطق الساخنة وفي مخيمات اللجوء في تركيا ولبنان، باتت ترعى وتسهل سرقة أعضاء السوريين والاتجار بها، وقال: قبل الأزمة كان هناك أطباء سوريون متورطون بالاتجار بالأشخاص، وعادة موضوع الاتجار بالأشخاص وخاصة ما يتعلق بسرقة أو بيع الأعضاء، يحتاج إلى مافيات طبية، لأنه لا يمكن نقل الأعضاء من شخص مستعد لبيع أحد أعضائه إلا عن طريق هذه المافيات، وما تمتلكه من أجهزة طبية قادرة على تحديد صلاحية هذه الأعضاء، فالكلية مثلاً لا تشتريها أي جهة إذا كان صاحبها يعاني القصور الكلوي، وبالتالي لا بد من وجود هذه المافيات الطبية للتأكد من الوضع الصحي لـ«الضحية» ونقول هنا «مافيا» لأن الطبيب في هذه الحال يعلم أنه يفحص الضحية بهدف البيع، وبالتالي هو مشترك بالجريمة ويجب أن يعاقب عقوبة المجرم نفسه.
وأضاف نوفل: هذه المافيات الطبية التي تعمل يداً بيد مع عصابات الاتجار بالأشخاص تنتشر في «بلد المنشأ» التي تأتي منها الضحية، وفي بلد الشحن أو العبور التي يتم نقل الضحية عبرها إلى «بلد قطف الأعضاء»، وفي الدول الثلاث تقوم المافيات الطبية بفحص الضحية والتأكد من «سلامة أعضائها المطلوبة»، وبالتالي فإن انتشار ظاهرة سرقة الأعضاء في سورية خلال سنوات الحرب الأخيرة يحتم وجود مافيات طبية بغض النظر عن جنسية الأطباء المتورطين، وليس بالضرورة أن يكون هؤلاء الأطباء كلهم سوريون.
ولفت نوفل إلى أن بداية معالجة هذه الظواهر وما تركته من آثار وخاصة في المناطق الساخنة رهن بانتهاء الحرب التي تتعرض لها سورية، داعياً إلى تشكيل لجان طبية قديرة لضبط عملية التبرع بالأعضاء، للتأكد من صحة حالات التبرع وبعدها عن البيع أو الاتجار.
وقال نوفل: نعاني ضعفاً ونقصاً في مجال الطب الشرعي، فهناك مراكز غير مفعلة للطب الشرعي، مثل مركز مشفى المواساة، ولا يوجد لدينا عيادات للطب الشرعي، فقط لنا عيادات وزارة الصحة ولكن حتى هذه غير مفعلة إلا في المشافي، ومن هنا يمكن تفسير النقص الكبير في بيانات «الطب الشرعي» لعدم وجود عيادات مفعلة وكوادر مفعلة، فتغييب العيادات والمراكز المذكورة من المشكلات التي تسهم في عدم حماية الناس لأن وجود طب شرعي يمتلك وسائل تمكنه من عمله يوفر الحماية والثقة للناس، ومن هنا تبرز الحاجة الملحة إلى لجان أخلاقية وطبية شرعية حقيقية في كل مشفى، ولكن للأسف هذه اللجان غير موجودة إلا في كلية الطب وكلية طب الأسنان وكلية الصيدلة وهي حديثة العهد، وهذه مشكلة كبيرة لأن وجود هذه اللجان يعني قيامها بتحديد أي مشكلة طبية شرعية أو أخلاقية تتعلق بالأخلاق الطبية أو بالواجبات الطبية أو بحقوق المرضى، وبالتالي وضع حد للأخطاء وإنصاف المتضرر.
وأشار نوفل إلى شكل آخر من أشكال الاتجار بالأشخاص انتشر خلال سنوات الأزمة، وهو تهريب الأشخاص، لافتاً إلى أن تهريب الأشخاص يصبح إتجاراً إذا كانت الغاية منه استغلال هؤلاء الأشخاص.
ودعا نوفل إلى إيجاد آليات وعقوبات رادعة لأي طبيب يسلك طريق المافيات الطبية، مشيراً إلى ضرورة نشر ثقافة التبرع ومحاربة مبدأ بيع الأعضاء، وقال: «لسنا ضد التبرع بالأعضاء بالشروط التي تضعها القوانين والأخلاق الطبية لأنه يحل مشكلة كبيرة جداً في المجتمع ويسهم بتأمين التكاتف والتكافل الاجتماعي بين المواطنين، ولكننا ضد البيع لأنه مشكلة حقيقية تفتك بالمجتمع، فالاتجار بالأعضاء خطر حقيقي على الناس يعرضهم لأن يكونوا ضحايا» لافتاً إلى خطورة ظاهرة الإعلانات المنشورة في الشوارع لبيع كلية أو شراء كلية، معتبراً أن وجودها ينم عن وجود عصابات -حتى في المناطق الآمنة- تروج لسرقة أو بيع الأعضاء، بعيداً عن شروط التبرع بالأعضاء، موضحاً أن نقل أي عضو بشكل لا يخضع لشروط التبرع هو بيع، وأي شخص تجرى له عملية نقل أعضاء «كلية أو كبد أو غيرها» إذا لم يكن الشخص المنقول إليه أو المتبرع له من الأصول أو الفروع أو من الأقرباء فهذه الحالة هي على الأغلب عملية بيع أعضاء.
وبين نوفل أن ورشات العمل المتكررة التي تم عقدها مؤخراً تعمل على محورين الأول لمعالجة المشكلة والثاني للوقاية من توسعها وانتشارها، ولكن للأسف الظروف الحالية لا تمكننا من علاج المشكلة في المناطق الساخنة حيث يخضع مئات آلاف السوريين لمشيئة العصابات الإرهابية المسلحة التي تحلل لنفسها كل شيء، فتقتل بدم بارد وتغتصب وتتاجر بالبشر وأعضائهم، على حين تضم المناطق الآمنة مئات مراكز الإيواء وينعم السوريون باهتمام السلطات ويتلقون المعونة والدعم والعلاج والتوعية تحت حماية القانون.
باسم الحداد- محمد منار حميجو
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد