ألكسندر بروشورينكو...بطل من هذا الزمان
الجمل ـ *جون رايت ـ ترجمة رنده القاسم:
أنا لا أعرف أليكسندر بروشورينكو. لا أعلم شيئا عن خلفيته أو أحلامه أو ماذا كان يتمنى على المستقبل. و لكن الذي أعرفه أنه بطل لا يمكن أن ينسى أبدا، و أن القضية التي ضحى بحياته لأجلها قضية عادلة.
تاريخ الحرب و الصراع مفعم بأمثلة عن بطولات و شجاعة فردية تخدم في توضيح الرهانات الخطيرة التي أدت إلى المحصلة، و كيف أنها أثرت على تاريخ و مصير ملايين البشر حتى أيامنا هذه ، بل و تشمل أجيالا لم تولد بعد.
و إلى حد بعيد تكشف طبيعة الصراع أفضل و أسوأ ما في البشرية، و أهداف الطرفين المتورطين في الصراع تحدد فيما إذا كان الأول أم الثاني من سيلمع أكثر. فعلى سبيل المثال ، هل من أحد يعتقد أن ما من اختلاف بين جنود المنظمة العسكرية النازية "فافن س س" الذين ماتوا خلال الاحتلال الوحشي للاتحاد السوفييتي فترة الحرب العالمية الثانية و بين جنود الجيش الأحمر الذين رحلوا وسط كفاح أسطوري لمقاومتهم؟ و ماذا عن الآلاف غير المعدودة من الفيتناميين الذين ماتوا و هم يقامون غزو الولايات المتحدة و احتلال وطنهم في الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي؟
و عندما يتعلق الأمر بالصراع في سوريه، فإن ألكسندر بروشورينكو سيبقى للأبد رمزا لشجاعة أولئك الذين وقفوا بتحد أمام أكثر الإيديولوجيات همجية و وحشية شهدها العالم منذ اجتياح ال "فافن س س " للاتحاد السوفييتي و قتلهم و ذبحهم لكل شيء حي صادفوه في طريقهم خدمة للفاشية.
انه الروسي البالغ من العمر خمسة و عشرين عاما و الذي قتل في عمليات خاصة في تدمر المحتلة، فقبل تحرير المدينة على يد الجيش العربي السوري و حلفائه على الأرض، كان دور الشاب تحديد و تمرير المعلومات عن أحداثيات أهداف داعش في المدينة لأجل الضربات الجوية.
و تبين في المحصلة أن ما من مهمة أخطر من مهمته، و قد ثبت ذلك عندما اكتشفت ارهابيو داعش موقعه و اتجهوا نحوه.و مع إدراكه لما يحدث، و عوضا عن السماح لنفسه بأن يغدو أسيرا، استدعى ألكسندر ضربة جوية عليه هو نفسه.
من المستحيل الكتابة عن هذا الجندي الشاب و شجاعته دون المرور بإحساس هائل بعدم إيفائه حقه... . إن موته و طريقته تذكير مؤلم بأن هذا صراع وحشي يخوضه و ينتصر فيه شبان قرروا الانتصار بغض النظر عن كل الاحتمالات.و قدرتهم على القيام بذلك ، رغم الرعب و الصعوبة، نتيجة لمعرفتهم أنهم يقاتلون في قضية إنسانية، انها القضية التي يشاركها ألكسندر بروشورينكو مع كل جندي روسي خدم في سورية، إلى جانب الآلاف من الجنود و المتطوعين السوريين و اللبنانيين و الإيرانيين و الأكراد. و رغم رؤيتهم لقادة و أصدقاء و أفراد من العائلة يقتلون و يذبحون خلال السنوات الخمس الماضية، فإنهم لا يزالون مستمرين في القتال و مواجهة الخطر.
و بالتزامن مع شجاعة بروشورينكو كتب مقاتل المارينز الأميركي السابق غوردون دوف مقالا قارن فيه فاعلية الحملة الجوية الروسية في سورية بنظيرتها الأميركية فقال:
"الذي شهدناه في سوريه هو قيام روسيا بإنشاء فرقة أمامية في غضون أيام على مهبط طائرات صغير، انتقلت إليه أربع دزينات من الطائرات، و دعت وسائل الإعلام لمراقبة الأمور، و بدأت عمليات قتالية بقوة جوية لم تحلق ضد عدو منذ أكثر من خمسة و عشرين عاما"..
و يتابع قائلا:
"شهدنا طائرات لا تكلف شيئا تكنس أهدافا أخطأتها أميركا أو أغفلتها أو ، وفقا لما قاله الطيارون الأميركيون، لم يسمح بضربها. الطيارون الأميركيون قادرون على القصف، إنهم يمتلكون الخبرة و المعدات، و لكن لأسباب معروفة فيما بينهم و بين الأشخاص الذين يثقون بهم، كانت "ترفع الأيدي" عن داعش.
و لم يكن هذا حال روسيا، فيوم إثر آخر ، كان الطيارون الروس يضربون مراكز قيادة، و معسكرات تدريب ، و يكنسون قوافل عسكرية ادعت أميركا أنها لم ترها، و مخازن أسلحة ، و آلاف الآلاف من شاحنات النفط التي كان الطيارون الأميركيون على مدار أشهر يتوسلون من أجل ضربها"
و بقوة أكثر يقول لنا دوف:
"و الذي لم تذكره التقارير هو أن الأميركيين الحقيقيين الذين يخوضون الحروب يحترمون نظراءهم الروس و ما يفعلونه. و يتمنى الطيارون الأميركيون لو طلب منهم ضرب الأهداف الساخنة التي دمرها الروس عوضا عن إجبارهم على إسقاط حمولات من القذائف على القرى المهجورة شمال الحدود الأردنية ، كما ورد في تقرير القيادة الروسية في تشرين الثاني 2015.
و عندما أفكر بمن أثار غضب الطيارين الأميركيين ، أرى أنه السيناتور ليندسي غراهام من كارولاينا الجنوبية.
غراهام و صديقه المقرب جون ماك كين أصدقاء جيدون للمتمردين "المعتدلين " السوريين، و الذين للصدفة تبين أنهم يضمون كلا من داعش و النصره".
و في غضون أشهر قليلة من التدخل الروسي في الصراع السوري، و الذي بدأ وسط مخاطر كبيرة مع الأخذ بعين الاعتبار الدول المتورطة بشكل مباشر أو غير مباشر و المتطلبات اللوجستية و التخطيطية، شهد العالم نفاق الحكومات الغربية و تعاملها المزدوج و حلفاءها في المنطقة.
و في هذا السياق، كذب ألكسندر بروشورينكو الخرافة القائلة أن الدور الروسي في الصراع كان سلبيا. و على العكس، هذا الجندي الروسي الشاب انضم لصف أولئك الذين يحملون أسماءا هي الشاهد على قوة الروح الإنسانية في وجه الظلم و الطغيان...
إننا نؤدي التحية العسكرية له.
*كاتب و صحفي ينشر في العديد من الصحف و المواقع الالكترونية حول العالم ، و هو معلق في روسيا اليوم و بي بي سي . كتب مذكرات عن خمس سنوات أمضاها في هوليوود حيث كان يعمل في صناعة الأفلام قبل أن يغدو ناشطا و عاملا مع الحركة الأميركية ضد الحرب بعد الحادي عشر من أيلول.و حاليا يعمل على كتاب يفضح دور الغرب في الربيع العربي.
عن موقع Veterans Today
الجمل
إضافة تعليق جديد