أمبرتو إيكو: الإعلان عن نهاية العالم رياضة تسمح للمثقفين بكسب المال

14-09-2012

أمبرتو إيكو: الإعلان عن نهاية العالم رياضة تسمح للمثقفين بكسب المال

منذ فترة أثارت رغبة امبرتو ايكو في إعادة كتابة روايته «اسم الوردة» عاصفة من التعليقات والنقاشات، وكان مضى على نشرها أكثر من ثلاثين سنة.. رواية حظيت بالكثير من النجاح المختلف، وتحولت الى فيلم سينمائي، واعتبرت واحدة من أكثر الكتب تأثيراً في نهاية القرن العشرين.
بمناسبة هذه القضية، التقت مجلة «لونوفيل اوبسرفاتور» بإيكو في حديث مطوّل، تطرق فيه الى هذه القضية مثلما تطرق الى العديد من المواضيع الأخرى. هنا ترجمة لأبرز ما جاء في هذا الحوار
لماذا، بعد ثلاثين عاماً من نشرك الترجمة الفرنسية، وبعد اثنين وثلاثين عاما من نشرك الكتاب بلغته الأصلية، تعود اليوم لتنشر كتابك، بشكل تقول عنه إنه نسخة مصححة؟
مصححة؟ لا أعتقد فعلاً! العبارة من اختراع الناشر. لكن والحق يقال، إني تضايقت بسبب «أسطورة» انتشرت مؤخراً، في فرنسا. اعتبروا فها أني أعيد كتابة «اسم الوردة» من أجل «الفارغين». أعتقد أن ذلك لم يكن سوى حماقة.
فقط، يحدث ببساطة، أن كاتباً، وهو يعيد قراءة عمل كتبه من زمن طويل، يجد الحاجة لأن يضيف بعض التغيرات. في أي حال، لم يعد «اسم الوردة» الكتاب عينه الذي كتبته منذ أكثر من ثلاثين سنة، إذ على مرّ الترجمات التي عرفها، أشار إليّ المترجمون بالعديد من الأخطاء، التي ارتكبتها، والتي صححتها طبعة وراء طبعة. من هنا، وفي الواقع، تطور الكتاب. لذلك كان من المفيد أن أعيد مراجعته بشكل نهائي.
في أي حال، نصيحتي للقراء التالية: لا تشتروه أبداً! ليس ثمة أي جديد في داخله.

هل ما زال نجاح الكتاب يفاجئك؟

أشعر دوماً بالإثارة من هذا السؤال، لأن الجميع يحدثونني عن هذا الكتاب، لا عن الكتب الأخرى. لو أن غارسيا ماركيز بعد «مئة عام من العزلة» كتب «فيدر» أو «الكوميديا الإلهية»، لكان بقي الجميع يضايقونه بروايته هذه. حتى أنني لاحظت أنه، في كلّ مرة أنشر كتاباً جديداً، فإن مبيع «اسم الوردة» يعود ليرتفع مجدداً.

ما رأيك بالأزمة الاقتصادية؟ أهي أزمة قيم أم أزمة أساسية أم متاعب عابرة؟

أتأثر بهذا الوضع مثل الجميع، مثل أي شخص وضع مدخراته في مصرف. لكني أهتم بالأزمة الاقتصادية مثلما أهتم بموتي. بالنسبة إلى ابيقور، طالما أن الموت ليس هنا بعد، فإن على الحياة أن تحملنا، وحين يأتي الموت، فأنا لن أكون هنا لكي أقلق من ذلك. في الواقع، إننا نعيش، أزمة المثال الرأسمالي للعولمة. أما بالنسبة إلى هذه المسماة بالأزمة الأوروبية، أعتقد أن لا معنى لها، وبخاصة في اللحظة التي ما زالت تتساءل فيها الولايات المتحدة إن كانت ما تزال البلد الأول في العالم.

هل فرحت حين علق لك الرئيس ساركوزي لك وساماً برتبة فارس؟

أجل، عليّ أن أقول إنه كان لطيفاً.. ثرثرنا معاً خلال ساعة تقريباً...

هل تشعر بالتشاؤم؟

ربما بالي مشغول، لكن ليس بنفسي، إذ تخطيت الثمانين سنة، بل عن أولادي. هل لاحظتم كيف أن الصحف، في الفترة الأخيرة، تزف إلينا أنباء عن المستقبل المرعب؟ بيد أن هذا المستقبل الكارثي ليس جديداً؛ إذ وجدناها في جميع العصور. وجدت مؤخراً نصاً يعود إلى القرن الثاني عشر أو الثالث عشر يصف نهاية العالم على طريقة تسونامي، كما على طريقة الكوارث المناخية التي نعرفها اليوم.
في العام 1836 قال بلزاك: الحضارة الصناعية دمرت العمل الفني، لم نعد جديرين بالفن، فقط بالمنتوجات. بعد سنوات قليلة من هذا القول، كتب ستاندال «صومعة بارما»، وألف شوبان «سوناته» على بيمول مينور، وكتب ليوباردي «لا جينيسترا»، وبعد أربعين سنة من ذلك كتب دوستويفسكي «الإخوة كارامازوف». الإعلان عن نهاية العالم رياضة تسمح للمثقفين بكسب بعض الأموال.

السلطة المال

العصر الوسيط، الذي أنت أحد أكبر الأخصائيين فيه، اخترع الجهاز المصرفي. هل كان المال، في تلك الحقبة، مصدر كل تلك الرغبات؟

إن عبارة «الرغبة الرهيبة بالذهب» تأتينا من اللغة اللاتينية. كان الدين مرتبطا بشكل لصيق بالمال. النضال من أجل السلطة اجتاز كل الحضارات. فيما مضى، كانت السلطة مرتبطة أكثر بالجيش، لكن الوضع مغاير هذه الأيام. لو عاد نابليون لما كان قائد مدفعية، بل لكان ينقب عن النفط في حقول تكساس.

هل تجد أن المعرفة تنحدر بقوة في الجامعات والمدارس؟

إنها مشكلة حقيقية، لأن الاختلاف بين الجامعة أيامي وبين الجامعة اليوم هو اختلاف كبير. حتى مع تلاميذي الذين تابعوا دروسي من عشرين سنة، أو حتى من عشر سنوات. لو سألنا اليوم طالبا من هو مورو أو غاسبيري، لأجابوا إنهم لم يسمعوا عنهما. بينما، حين كنت في العاشرة من عمري، كنت أعرف أسماء جميع الوزراء الذين جاءوا إلى الحكم قبل مولدي. حتى أن بعض التلاميذ يتساءلون من هو ديغول.
لكن من الصحيح أيضاً، أنه حين كنت طالبا، كان عدد سكان العالم ملياري شخص. وفي قسم الفلسفة كنّا عشرين. اليوم هناك 7 مليارات شخص، وفي الجامعة عينها هناك ربما ألفي شخص. الذين كانوا معي، أصبحوا كلهم أساتذة أو مثقفين. واليوم هناك دائماً عشرون شخصاً فقط يريدون أن يصبحوا أساتذة أو مثقفين من بين الألفي شخص.
في صحراء الثقافة الظاهرة، ليس كل شيء كئيباً. إنها مسألة نسبية. يقال إن لا أحد يقرأ اليوم، لكن لو ذهبت إلى الفناك، لوجدت أن هناك 400 شاب يقرأون. زمن شبابي كان هناك أربعة.

هل تخاف من الرقمية؟

لا، اختراع الطائرة لم يلغِ القطار. اليوم هناك القطارات السريعة (تي جي في) الفاخرة، وهناك الطائرات العادية حيث يعامل المسافرون مثلما كان يعامل العبيد في الماضي. والصورة لم تدمر اللوحة. هناك الكثير من الكتب ذات الوزن التي من الصعب حملها ونقلها، بدءاً من الموسوعات والكتب المدرسية، لذلك يمكن مبادلتها بـ«الأيباد».
لو أردت الاحتفاط بصورة بورتريه لجدي، بدون شك لن أجد رافاييل، بل سأذهب إلى المصور الفوتوغرافي. لكن هناك دائماً أناس يشترون اللوحات كي يعيشوا في مناخ جميل. انا نفسي، الذي كتب دائماً أنه من المستحيل قراءة «الحرب والسلم» على شاشة، عدت من رحلة لمدة شهر إلى الولايات المتحدة وكنت سعيداً جداً بأني لم أحمل معي عشرات الكتب بل بعض الغرامات التي يتشكل منها «الأيباد».

هل أنت هاوي جمع كتب؟

لدي خمسون ألف كتاب، وألف كتاب نادر. أذكر الطريقة التي حصلت بها على كل كتاب. لدي أحيانا بعض النسخ المزدوجة، فحين أريد أن ألمس العمل أتناول النسخة النادرة، لكن إن رغبت بالحث عن مقولة، فأبحث عنها في النسخة العادية. أكثر ما أحبّه، في الكتب النادرة، أن لديها أقاصيص تروى، أقاصيص قراءاتها المتعددة..
قلت مرة، إن الكتاب أذكى من مؤلفه. هل تعتقد أن «اسم الوردة»، على سبيل المثال، أذكى من امبرتو ايكو؟
أجل، بالتأكيد. هناك، في الكتاب، مدارات قصيرة لم أتخيلها مطلقاً.

«عوليس» أذكى من جويس؟ والعالم أذكى من الله؟ إنه تجديف رهيب؟

من المحتمل. وهذا هو البرهان. الخالق لم يكن يستطيع تخيل إلا مخلوق واحد، بينما مخلوق واحد استطاع أن يتخيّل آلهة عدة (يضحك).

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...