أميركا تحتفل بموت تشافيز: رحل «الكابوس» أهلاً بالنفط
لم تستطع واشنطن كتم فرحتها برحيل الزعيم الفنزويلي هوغو تشافيز، فبدت كأنها تسابق الزمن بعد تأكيد الوفاة لتعلن نيتها إقامة «علاقة أفضل» في سياق «بداية جديدة» مع البلاد التي بقيت عصيّة على سياساتها منذ استلام الكوماندانتي الحكم قبل 14 عاماً. فرحة واشنطن ليست بغريبة، إذ تكفي مراجعة بسيطة لتصريحات تشافيز النارية ليتبيّن أنه لم يوفّر مسؤولاً أميركياً من جورج بوش إلى كوندليزا رايس وهيلاري كلينتون ثم باراك أوباما، وصولاً إلى.. كريستوف كولومبوس. فمن «جبان مجرم سكير شيطان لاأخلاقي» لبوش، إلى «فتاة صغيرة» ينصحها بعدم العبث معه لرايس، ثم تبادل مشاعر الكره مع كلينتون، ووصف أوباما بأنه «محتال، جالب العار لذوي البشرة السوداء»، وأخيراً «أبو الفكر الاستعماري ومذابح الإبادة» لكولومبوس، كان متوقعاً فرح الأميركيين بتخلصهم من سماع عبارة «أنا تشـافيز» المرعبة.
الفرح الأميركي لا يقتصر بالطبع على فكرة رحيل «الكابوس» فحسب، بل على ما تتوقعه الإدارة من مصالح وامتيازات في ما لو سلكت الأمور منحى آخر. يكفي أن فنزويلا ما زالت تُعتبر رابع أكبر مصدر للنفط إلى أميركا، وهي تُعدّ بلداً مؤثراً في العديد من الحلفاء مثل البرازيل وكوبا وبعض دول منطقة الشرق الأوسط.
الاتصالات السريّة: لعبة أميركا
أحلام أميركا كبيرة اليوم، ومع ذلك هي تدرك أن تحقيق التقارب مجدداً مع فنزويلا مسألة وقت، وهو منوط بالعديد من العوامل التي تؤخر هذا الإنجاز، لا سيما أن التشافيزية هي أبعد من إمكان أن تموت مع تشافيز، ونيكولاس مادورو المرشح الأبرز للرئاسة خير دليل.
من هنا، علّق المسؤولون الأميركيون، كما الصحافة الأجنبيّة، تحسن العلاقات بما ستحمله سيناريوهات حكم مادورو في الأيام المقبلة، بين متفائل بـ«براغماتية» معــروفة لدى الرجل المقبل وبين متــشائم من تلميذ نجــيب لتــشافيز، في وقت أجمع المتابــعون على أن العداء لن يُحلّ بين ليلة وضحاها، أقله إلى حين أن تبرد مشاعر الحزن على «أبي الفقراء».. وهو أمر مرشّح لأن يطول.
وقد بدت واشــنطن، في التصــريح الذي أعلنت فيه نيتها تحسين العلاقــة أمس الأول، متفهمة ضرورة التروي في الانخــراط المبــاشر. وقد جاء على لسان أحد المســؤولين في الإدارة قوله ان «الحملات الانتخابية لا تكون أفضل وقت لفتح أبواب جديدة في السياسات، لذلك سيمر وقت طويل قبل أن تبــدي كراكاس رغبتها بالحوار، لا سيما أن المرشــح الأبرز مادورو يمثل امتداداً واضحاً للرؤية التــشافيزية، وكان ذهب حدّ اتهام واشنــطن بالوقــوف وراء قتل الرئيس».
لكن بموازاة تفادي الانخراط المباشر، تدعو الإدارة الأميركية إلى حراك ديبلوماسي هادئ يمهّد الأرضية لصلح مستقبلي. وهو ما أضاء عليه الكاتب في صحيفة «الغارديان» البريطانية سيمون تيسدال قائلاً «توقعت واشنطن أن تخوض فنزويلا مرحلة انتقالية، فعمدت بهدوء إلى الاتصال بمادورو لإعادة مياه العلاقات الديبلوماسية إلى مجاريها، بعد أزمة سحب السفراء» في العام 2010. وبحسب تيسدال، فقد هاتفت مساعدة وزير الخارجية لشؤون نصف الكرة الغربي روبرتا جاكوبسون مادورو لمناقشة استعادة العلاقات الديبلوماسية. ووفق المسؤولين الأميركيين، عرض تبادل السفراء لمناسبة بداية الفترة الثانية لأوباما، وقيل ان جاكوبسون في المقابل اقترحت نهج «الخطوة خطوة» لتحسين العلاقات الثنائية وبداية تعاون أكبر في مكافحة المخدرات والإرهاب وقضايا الطاقة.
الشهيّة المفتوحة
لكن برغم الدعوات للتروي، قد لا تسمح شهيّة أميركا المفتوحة على النفط الفنزويلي بالتروي، إذ يتحدث مسؤولون عن «أجواء تجارية واقتصادية مؤاتية»، قد تسمح بتسريع الاستفادة من غياب تشافيز. بحسب المسؤولين، النفط الفنزويلي والمكسيكي المتدفق إلى أميركا يتخطى كل ما تكسبه الأخيرة من منطقة الخليج مجتمعة. وفي هذا السياق، تراهن واشنطن على ما يوصف به مادورو من «براغماتية» لكونه سياسيا قادما من أصول ديبلوماسية ونقابيّة.
كما تعوّل أميركا على ازدهار العلاقات الاقتصادية والثقافية بشكل عظيم. لقد نمت التجارة بين أميركا وأميركا اللاتينية بنسبة 82 في المئة بين عامي 1998 و2009. وفي العام 2011 وحده، ارتفعت الصادرات والواردات بنسبة 20 في المئة من الاتجاهين.
تؤكد ذلك المسؤولة في الإدارة الأميركية جوليا سويغ التي تقول ان التجارة مع أميركا اللاتينية تفوق تلك التي مع الصين بثلاثة أضعاف، وبضعفين مع كولومبيا وروسيا. أضف إلى ذلك المصالح المشتركة التي طالما تحكمت بالسياسة الأميركية ومنها الهجرة والمخدرات وتجارة الأسلحة.
من جهتها، اعتبرت مجموعة «بلومبرغ» أن الأوضاع الاقتصادية الداخلية ستكون لمصلحة أميركا، إذ ستفرض الأزمة ارتفاعاً في الأصوات المطالبة بإعادة النظر في مليارات الدولارات من براميل النفط المتجهة إلى كوبا، وفي العلاقات مع إيران وسوريا.
وذهبت بعض الصحف، مثل «ليبراسيون» و«كريستيان ساينس مونيتور» و«لو كورييه أنترناسيونال»، إلى تحميل أميركا، وأوباما تحديداً، مسؤولية فشل العلاقات، إذ يستمر في تهميش أميركا اللاتينية في سياساته الخارجية، من هنا فهو مدعو لإصلاح هذا الخلل بأسرع وقت ممكن. نصيحة أخرى تمّ توجيهها لأوباما في السياق وهي ضرورة أن تعمل أميركا على تطوير الوكالات الخاصة التي تعمل مع «الأصدقاء» الفنزويليين. وتكون لهذه الوكالات مهمة بث ممثلين في القطاع الخاص منهم اقتصاديون ومهندسون يعملون على إصلاح القطاع واستثمارات البنية التحتية والدعم الأمني والإنساني.
في المقابل، بقي من يستبعدون عودة المياه إلى مجاريها متمسكين بنظرية أن المشكلة لن تُحلّ بين ليلة وضحاها، حتى لو تمّت إعادة السفراء، لا سيما أن تشافيز قد ذهب لكن مناصريه لا يزالون يحظون بالسيطرة، وقد تأقلموا على العمل وفق السياسة التشافيزية. هؤلاء ينتظرون الأيام المقبلة، ويؤكدون أن تشافيز ترك شعلة العداء لأميركا في نفوس الكثير من الفنزويليين كما العديد من قادة العالم. وعليه برأيهم: لقد مات تشافيز، لكن تشافيزيته لن تموت.
إعداد: هيفاء زعيتر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد