إبادة الأرمن تغذي أزمة الاستعمار بين الجزائر وفرنسا
أعاد تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية على قانون يجرّم إنكار إبادة الأرمن على أيدي الأتراك، ملف جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر إلى الواجهة، إذ استهجن قادة الأحزاب السياسية وبعض الشخصيات التاريخية الجزائرية هذا التناقض بين تمسّك باريس بضرورة اعتراف تركيا بإبادة الأرمن، ورفضها الاعتراف بالجرائم التي ارتكبتها في الجزائر على مدى الحقبة الاستعمارية التي امتدت لأكثر من قرن وثلاثين سنة.
وجددت جمعيات وأحزاب جزائرية مطالبة فرنسا بتقديم اعتذار واضح للشعب الجزائري مع حلول الذكرى الخامسة والأربعين لمجزرة 17 تشرين الأول 1961، التي قتل فيها أكثر من 200 متظاهر جزائري على أيدي رجال الشرطة الفرنسيين تحت قيادة موريس بابون.
ويمثل مطلب الاعتذار الجزائري، أحد الشروط التي وضعها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتوقيع معاهدة صداقة مع فرنسا كان من المزمع التوصل إليها قبل نهاية السنة الماضية، إلا أنها تأجلت بعدما أقر النواب الفرنسيون قانوناً في 23 شباط 2005 يمجد الاستعمار.
وطالب الدكتور محمد القورصو، وهو رئيس أول جمعية جزائرية تنشط في مجال كشف جرائم الاستعمار، “بضرورة اعتراف فرنسا أولاً بجرائمها المرتكبة في الجزائر وغيرها من البلدان، حتى تعطي المثل للبلدان الأخرى لتحذو حذوها”.
ورأى عبد الحميد مهري، وهو من أبرز وجوه النضال الجزائري ضد الاستعمار، أن ما أقدم عليه البرلمان الفرنسي هو “محاولة للسطو على التاريخ الذي هو من مهام المؤرخين”. ورأى أن “الحنين إلى الاستعمار تيار قوي في فرنسا وزواله غير متعلق بصعود اليمين أو اليسار إلى سدة الحكم، وهذا التيار له تأثيره على العلاقات بين فرنسا ومستعمراتها القديمة، ومنها الجزائر”.
وانتقد المتحدث باسم حزب جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم في الجزائر، سعيد بوحجة، تدخل البرلمان الفرنسي في القضايا التاريخية، وقال إن ذلك “خطأ ثانٍ بعد ذلك الذي ارتكبه العام الماضي عند مصادقته على قانون يمجد الاستعمار في شمال إفريقيا، وتحديداً في الجزائر”.
والاهتمام الذي أبدته الأوساط السياسية بالسجال الفرنسي التركي حول قضية الأرمن أكد الثقل الذي يمثله التاريخ في العلاقات الجزائرية الفرنسية؛ فمنذ مجيء بوتفليقة إلى الحكم في نيسان 1999 شهدت العلاقات بين البلدين بعض الانتعاش، وخصوصاً مع زيارته إلى باريس في صيف العام 2000 التي وصفت بأول زيارة دولة يقوم بها رئيس جزائري إلى فرنسا.
وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد رد بزيارة أخرى إلى الجزائر في شهر آذار من العام 2003، حيث حظي باستقبال كبير. وخلال هذه الزيارة، أُعلن عن قرب التوقيع على معاهدة صداقة بين البلدين تعيد التأسيس للعلاقات بينهما، غير أن هذه العلاقات عرفت انتكاسات أخرى في مراحل لاحقة وبلغت ذروتها عندما شن بوتفليقة هجوماً حاداً على قانون 23 شباط 2005 الممجد للاستعمار.
وكانت تلك المرة الأولى التي تتخذ فيها الجزائر موقفاً رسمياً يقوم على مطالبة فرنسا بالاعتذار للشعب الجزائري على ما ارتكبته في حقه من جرائم. وقد استاءت باريس من استعمال الرئيس لمصطلح الإبادة لوصف مجازر الثامن من أيار 1945، التي اعترف وزير الخارجية الفرنسي السابق ميشال بارنييه بأنها كانت “خطأ غير مبرر”.
وفي هذا السياق (أ ف ب)، قدّمت الكتلة الشيوعية في مجلس الشيوخ الفرنسي اقتراح قانون يهدف إلى “الاعتراف بقمع تظاهرة جرت في باريس في 17 تشرين الأول 1961”، بدعوة من جبهة التحرير الوطني الجزائرية وسقط فيها مئات القتلى.
ويرى أعضاء مجلس الشيوخ الشيوعيون أن “الوقت قد حان لكشف الحقيقة” عن هذه الحوادث و“تكريم الضحايا”.
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد