إسرائيل تحسم غموضها: نتنياهو رئيسـاً للحكومة
تبدد الغموض الذي أحاط بالحلبة السياسية الإسرائيلية جراء نتائج الانتخابات، وأوصى ممثلو الغالبية اليمينية في الكنيست بتكليف زعيم الليكود بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة. وأقرت زعيمة كديما تسيبي ليفني بخسارتها هذه المعركة، معلنة أنها تفضل الدفاع عن خطها السياسي من مقاعد المعارضة. غير أن نتنياهو، بعد ضمان تأييد الأحزاب اليمينية له، سارع إلى الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم أيضا كديما وحزب العمل.
وقد انتهت السجالات بين كديما والليكود بشأن الأولوية بتشكيل الحكومة بعدما أبلغ زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، أنه يؤيد تكليف نتنياهو بتشكيل حكومة موسعة. وعندما حاول بيريز الاستفسار من ليبرمان حول ما إذا كان ذلك يعني أنه لن يشارك في حكومة يمينية ضيقة، رفض الأخير الإجابة، علما بأن بيريز سيجتمع اليوم مع نتنياهو وليفني لإقناعهما بتشكيل حكومة وحدة.
وباختصار، فإن ممثلي كل من الليكود و«إسرائيل بيتنا» وشاس والاتحاد القومي ويهدوت هتوراة والبيت اليهودي، أيدوا تكليف نتنياهو. ويعني ذلك أن 65 نائبا في الكنيست يشكلون 54 في المئة من الأعضاء، يؤيدون نتنياهو. وكانت ليفني قد نالت فقط تأييد أعضاء كديما الـ 28 وعجزت عن كسب أي صوت آخر، إذ امتنع حزب العمل وحركة ميرتس عن تأييد تكليفها، واختارا عدم التوصية بأي كان. وكذا فعلت الأحزاب العربية، ما حسم الأمر نهائيا لمصلحة تكليف نتنياهو.
وهرع قادة كديما للإعلان أنهم يختارون طريق المعارضة وأن الجهد سينصب باتجاه تصليب البناء التنظيمي بانتظار المرحلة المقبلة. وأوحى قادة كديما بأن نتنياهو سيعجز عن تشكيل حكومة موسعة وبالتالي سيقع تحت رحمة أحزاب اليمين التي لن تمنح حكومته استقرارا، وبالتالي ستسقط بعد حوالى عام. ويشيع عدد من قادة كديما أن نتنياهو سيفشل في تمرير ميزانية العام 2010 ما سيقود إلى سقوط الحكومة وإجراء انتخابات عامة جديدة.
ويصعب البناء على هكذا افتراضات سبق أن أخفقت في التحقق في فترات سابقة. ولذلك يمكن الافتراض أن هذا الموقف ذو طبيعة موقتة ويمكن أن يكون تساوميا لتحسين شروط انضمام كديما للحكومة. فحزب كديما يؤمن بأن نتنياهو بحاجة إلى ليفني لمواجهة المرحلة المقبلة سواء بسبب الأزمة الاقتصادية أو بسبب الخطر النووي الإيراني أو بسبب التغييرات في الإدارة الأميركية. وعموما، ليس من المستبعد أن تعود كديما للانضمام لحكومة نتنياهو إذا نال قادتها مناصب مهمة وجرى الاتفاق على برنامج سياسي للحكومة.
أما حزب العمل، فإنه لاعتبارات كثيرة، قد يكون فعلا في موضع من لا يريد الدخول إلى الحكومة ليس لأنها يمينية أو سواها وإنما لاعتبارات حزبية. اذ فقد هذا التنظيم جاذبيته الانتخابية، بعدما فقد خطه السياسي ورؤيته الاجتماعية الاقتصادية. ولذلك فإن الكثير من الأصوات القوية في داخله تطالب فعلا بالبقاء في صفوف المعارضة وتغيير هذه الصورة. ومع ذلك، ليس من المستبعد أيضا الانضمام لحكومة نتنياهو في إطار جهد لتشكيل حكومة وحدة.
ورغم أن نتنياهو نال تأييد أحزاب الـ65 نائبا، إلا أنه لم يكن يريد هذا التأييد إلا لنيل التكليف ومحاولة تشكيل حكومة موسعة. ولهذا السبب، أعلن نتنياهو الذي سينال التكليف رسميا من بيريز مطلع الأسبوع المقبل، أن أول من سيتوجه إليهم لدعوتهم للمشاركة في حكومته، هما كديما وحزب العمل.
ويؤمن نتنياهو بأن حكومة موسعة أفضل لإسرائيل وله شخصيا من حكومة يمينية ضيقة. والأهم أنها حكومة قد تكون أكثر استقرارا وأطول عمرا. وهو يراهن على أن المخاطر الداخلية والخارجية ستجبر كديما وحزب العمل على مشاركته المسؤولية. غير أن المفارقة تتمثل في حقيقة أنه كلما اتسع نطاق الأحزاب المشاركة، فإن الصراع على الحقائب الوزارية يتعاظم.
ففي حكومة يمينية ضيقة، لن يتصارع على الحقائب الرئيسية سوى الليكود و«إسرائيل بيتنا» وشاس. وفي الغالب، فإن شاس تطمح لوزارة الداخلية وتكتفي بأي حقيبة أخرى. كما أن «إسرائيل بيتنا» ستتــطلع إلى وزارة المالية أو العدل. وهكذا، تبقى وزارات مهمة لليكــود يمكن تقاسمها وإراحة الأجــواء داخـل صــفوفه.
وليس هذا هو الحال إذا انضم حزب كديما للحكومة. فمثل هذا الانضمام قد يعني دفع حقيبتي الخارجية والدفاع لزعيمي كديما ليفني وشاؤول موفاز. وهذا يعني عمليا اضطرار قادة الليكود للاكتفاء بحقائب وزارية أقل أهمية. وإذا انضم حزب العمل للحكومة، فإن الصورة الوزارية تزداد تعقيدا. ومع ذلك، فإن متاهة الحقائب الوزارية قديمة، وفي إسرائيل خبرة عظيمة في الفك والتركيب وإرضاء غير القانعين.
والحكومة اليمينية الضيقة هي في نظر الجميع حكومة تصارع كل يوم من أجل بقائها. فمكوناتها متنافرة من النواحي الاجتماعية والثقافية. ليبرمان وحزبه يريدان نظاما مدنيا، وشاس ويهدوت هتوراة وكذلك الاتحاد القومي والبيت اليهودي قريبة من نظام الشريعة الدينية. لكن هذه الحكومة هي حكومة الملاذ الأخير الذي يضطر فيه كل هؤلاء للبقاء من أجل عدم خسارة الحكم.
ومع ذلك، فإن لمكونين على الأقل في الحكومة رأيا متناقضا في هيكلها الموسع. فشاس تتطلع إلى حكومة تشارك فيها إلى جانب الليكود وكديما والعمل طبعا من دون «إسرائيل بيتنا». و«إسرائيل بيتنا» في المقابل تريد حكومة تشارك هي فيها مع الليكود إلى جانب كديما وربما العمل من دون شاس.
لكن كما يبدو، هناك التزامات من جانب نتنياهو لشاس ويصعب تخيل حكومة نتنياهو من دون شاس. ومن المستبعد ان يكون ليبرمان قد أوصى بنتنياهو لتشكيل الحكومة من دون ضمانات بألا يكون خارجها. وهكذا، فإن الاحتمالين الأقرب للذهن بين كل الاحتمالات الممكنة لتشكيل حكومة نتنياهو هما: الحكومة الضيقة (65) نائبا، والحكومة الواسعة التي تحوي الليكود وشاس و«إسرائيل بيتنا» وكذلك كديــما، وربما حزب العمل.
لقد انطلق نتنياهو للعمل من أجل تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة ولديه ابتداء من الأسبوع المقبل مهلة أربعة أسابيع قابلة للتمديد أسبوعين آخرين. وطوال هذه المدة، ستسمع صرخات ومساومات وتهديدات. لكن حكومة اليمين الإسرائيلي، ضيقة أم واسعة، باتت على الأبواب... بقيادة بنيامين نتنياهو.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد