إسرائيل تشكل جيش لحد السوري وتطرد قوات «الأندوف»
تتسارع الأحداث بوتيرة عالية فوق سفوح جبل الشيخ والجولان المحرّر، منذ سيطر مسلحو «جبهة النصرة» و«جبهة ثوار سوريا» على معبر القنيطرة الأسبوع الماضي. ووصل المسلحون إلى القنيطرة المهدمة وأنزلوا العلم السوري عن دوار العلم وقرية الرواضي، بعد دعم ميداني مباشر من المدفعية والطائرات الإسرائيلية، في ظلّ معارك عنيفة مع الجنود السوريين وحلفائهم.
وأخيراً، لم يعد العدو الإسرائيلي يجد حرجاً في الحديث عن التعاون والتنسيق بين قواته وعناصر «النصرة» و«جبهة ثوار سوريا»، ولا المسلحين طبعاً، الذين التقط ناشطون من الجولان صورهم يخرجون بسلاحهم من داخل الأراضي المحتلة جنباً إلى جنب مع جنود قوات الاحتلال. حتى إن الإعلام الإسرائيلي عمل طوال الأسبوع الماضي على إشاعة أجواء من الارتياح بسبب ابتعاد القوات السورية عن المعبر والمدينة التي هدمتها إسرائيل في حرب 1973، وسيطرة إرهابيي «النصرة» على الجزء الأكبر من الشريط مع الجولان المحتل في القطاع الأوسط، بعد السيطرة على كامل الشريط في القطاع الجنوبي من القنيطرة العام الماضي. ونشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقارير عن استخدام المسلحين للأراضي المحتلة للتنقل ومهاجمة قوات الجيش في المدينة المهدمة وقرى الرواضي ومجدوليا والحميدية الملاصقة للشريط، بعيداً عن مرمى نيران القوات السورية، ما يؤكّد معطيات الأجهزة الأمنية وأجهزة المقاومة طوال العامين الماضيين، فضلاً عن الدعم اللوجستي والعملياتي المباشر، من تقديم الذخائر والأعتدة وأجهزة الاتصال الحديثة ومعلومات عن مواقع الجيش. وصباح أمس، قامت طائرات حربية إسرائيلية بالإغارة على مربض مدفعية وراجمات صواريخ في مقر «اللواء 90» في منطقة الكوم شرق القنيطرة. وأكدت مصادر عسكرية سورية أنّ «المربض كبّد المسلحين خسائر فادحة في اليومين الماضيين، خصوصاً في مجدوليا»، ما يشير إلى التنسيق الميداني الواضح بين إسرائيل والمسلحين.
كل هذا الحراك في القطاع الأوسط لا يوازي خطورة الأحداث في القطاع الشمالي من المحافظة.
تمتد سلسلة قرى جبل الشيخ بدءاً ببلدة حضر في الجنوب مقابل مجدل شمس المحتلة، ثمّ حرفا والمقروصة باتجاه الشمال. وتقبع بين حضر وعرنة باتجاه الشمال الغربي بلدة بيت جن ومزرعتها، الخاضعة لسيطرة إرهابيي «النصرة» التي تسيطر أيضاً على بيت سابر وبيتيما، فيما تمتد قلعة جندل وبقعسم على سفوح الجبل في اتجاه يعفور في ريف دمشق. وأكدت مصادر أمنية معنية أن «المسلحين يحشدون قواتهم في بيت جن ومزرعة بيت جن انطلاقاً من بلدة جباثا الخشب الملاصقة للشريط، ويتسللون إلى بيت جن عبر الأراضي المحتلة بعيداً عن أعين مواقع اللواء 90 في الجبل وكمائن اللجان الشعبية». وأشارت المصادر إلى أن «الجيش يكثّف قصفه لمواقع المسلحين وحشودهم بالطائرات والمدفعية في بيت سابر وبيتيما». ولفتت إلى أن «حشود المسلحين تستهدف مهاجمة قرى حضر، حرفا، مقروصة وعرنة بالمستوى الأول، ثمّ قلعة جندل في المستوى الثاني». ويعمل المسلحون على فصل القرى عن دمشق وتطويقها، ومحاولة السيطرة على الأوتوستراد الدولي قبل سعسع، وبذلك يكون قد تمّ عزل القرى تمهيداً لاقتحامها.
تحرك إسرائيلي نحو القرى المحررة
ترصد الأجهزة الأمنية المعنية في سوريا ولبنان منذ ثلاثة أشهر التطورات الدقيقة في جبل الشيخ. وتتقاطع المعطيات عن «نية إسرائيلية جدية للتقدم باتجاه السفوح الشرقية للجبل، بالتوازي مع سيطرة كاملة لإرهابيي جبهة النصرة على القطاع الأوسط والجنوبي من المحافظة». وتقول مصادر أمنية معنية إن «الإسرائيلي دائماً يُعدّ أرضية قبل تقدّم قواته، وما يفعله في الجنوب السوري مطابق لما فعله في الجنوب اللبناني بُعيد اجتياحي 1978 و1982». وتؤكّد «انهماك أكثر من جهاز أمني إسرائيلي، منها «الشاباك» و«أمان» والأجهزة الأمنية التابعة لشرطة الجليل في العمل داخل محافظة القنيطرة، وبناء شبكة واسعة من العملاء من إرهابيي النصرة وبعض الفصائل المحلية التابعة لـ«الجيش الحر»، التي باتت تشكل ما يشبه الجدار الطيب في وسط القنيطرة وجنوبها». وتؤكّد المصادر أن «إسرائيل منعت أخيراً دخول عناصر الحر للعلاج في مشافيها لخوفها من الاختراقات الأمنية والاتهامات التي وجهت إلى بعض العناصر بالارتباط بالاستخبارات السورية، فيما منحت عناصر النصرة هامشاً أوسع من الخدمات الصحية والدعم».
كيف تُعدّ إسرائيل الأرضية إذاً؟ الجواب يأتي على لسان المدعو أيوب قرّة، النائب السابق عن حزب الليكود والمقرّب من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، والذي نشط منذ بداية الأزمة السورية على تأمين التواصل واللقاءات في أوروبا بين عدد من المعارضين السوريين ومندوبي رئاسة الحكومة الإسرائيلية وجهاز الموساد، كما أكدت الصحف الأوروبية مراراً. ونقلت صحيفة «معاريف» العبرية في عددها الصادر أول من أمس عن قرة قوله إن «أبناء الطائفة الدرزية في هضبة الجولان عبّروا عن قلقهم من المعارك الدائرة خلف الحدود، وطالبوا إسرائيل بضم قرية حضر التي يسكنها دروز سوريون إلى سلطتها خوفاً على حياتهم». وأكد قرة لـ«معاريف» أنه «في حال لم تقم إسرائيل بضم هذه القرية إلى سلطتها، فإن جريمة ستقع بحق الدروز»، وأنه «سيتوجه بطلب رسمي إلى وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون من أجل تعديل الحدود الإسرائيلية وضم هذه القرية وسكانها إلى إسرائيل». وتربط مصادر أمنية معنية بالجبهة الجنوبية السورية واللبنانية بين الدعاية الإسرائيلية والمعلومات عن «محاولات الإرهابيين ارتكاب مجازر في القرى الدرزية، والترويج أن الجيش السوري لا يستطيع حماية هذه القرى، عندها تتدخل إسرائيل بحجة الدفاع عنها، متذرعة بالضغط الشعبي الدرزي في الجولان المحتل وقرى الجليل، وتسوّق دولياً للأمر تحت عنوان مكافحة الإرهاب». وتربط المصادر أيضاً بما حدث خلال الأسبوعين الماضيين، بعد مهاجمة عناصر من «النصرة» قريتي داما ودير داما في السويداء. وتشير إلى أن «حملة إعلامية كبيرة شُنّت عبر مواقع إنترنت معادية وصفحات التواصل الاجتماعي لتحريض أهالي السويداء على الجيش، والإيحاء بأن الجيش لا يمكنه الدفاع عنها». وأكدت المصادر أن «بعض المحرضين يرتبطون بجهات لبنانية، تنسّق بدورها مع جهات على اتصال بغرفة عمليات في الأردن، إذ باتت جبهة السويداء تحت إدارة الاستخبارات الأردنية».
بدروه، ردّ الشيخ أبو نبيه كبّول، كبير مشايخ جبل الشيخ، على «ادّعاءات العميل أيوب قرة»، مؤكّداً أن «لا أحد من أهالي الجولان المحتل يطلب من إسرائيل التدخل سوى حفنة من العملاء أمثال قرة».
وأشار إلى أن «أهالي قرى جبل الشيخ سوريون قبل كل شيء، وسندافع عن وجودنا بكل ما نملك، ومتعاونون مع سيادة الرئيس بشار الأسد، والجيش السوري ضمانتنا الوحيدة». وأضاف: «إسرائيل تغذي المسلحين وتديرهم وتدربهم، وتدفعم إلى ارتكاب المجازر وزرع الفتنة لضرب سوريا والمقاومة، وهذا الأمر مكشوف لأهالي جبل الشيخ».
التجربة اللبنانية و«جيش لحد» الجديد
لا يزال الجيش السوري يخوض المعارك على مقربة من معبر القنيطرة والمدينة المهدمة. وعلمنا أن الجيش يستقدم القوات ويعززها منذ أول من أمس لاستعادة السيطرة على المعبر. وأكدت مصادر عسكرية معنية أن «الجيش بدأ باستخدم تقنيات عالية لرصد المسلحين وضربهم، واستطاع وقف التمدد، وحافظ على مواقعه في محيط المعبر، ويحاصر مجموعات للمسلحين داخل المدينة المهدمة وفي مدرسة مجدوليا». وتشير المصار إلى أن «المعركة قاسية جداً، في ظلّ خطوط الإمداد الإسرائيلية والقصف المدفعي والجوي، لكن الجيش يحقق إصابات بالغة بالمسلحين».
من جهتها، تقول المصادر الأمنية إن «الإسرائيلي يعمل على ربط الجبهة السورية بالجبهة اللبنانية في جبل الشيخ، وسيطرته على القرى الدرزية تسمح له بالالتفاف على الجنوب اللبناني من حاصبيا وراشيا». وتشير المصادر إلى أن «العدو يكرر التجربة اللبنانية عبر تشكيل جيش لحد سوري، في ظلّ تشكّل قوى مقاومة محلية مدربة ومجهزة على غرار المقاومة اللبنانية». ولفتت المصادر إلى أن «أي تقدم بري إسرائيلي سيشعل الجبهة الجنوبية، وسيواجه بمقاومة شرسة تكبّد العدو خسائر كبيرة».
إسرائيل تطرد قوات «الأندوف»
أشارت مصادر سورية رسمية إلى أن «الاحتلال الإسرائيلي يعمل على طرد قوات الطوارئ الدولية العاملة في القنيطرة». وأكدت المصادر أن «الجيش السوري ساعد الجنود الفيليبيين، خلال اشتباكاتهم أول من أمس مع إرهابيي النصرة، وأمّن انسحابهم من موقعهم، مشيرة إلى تصريحات وزارة الدفاع الفيليبينية وإشادتها بالأمر». وأشارت إلى أنّ «إسرائيل تحرك مسلحي النصرة، وكان بإمكانها منعهم من خطف الجنود الفيجيين ومحاصرة الفيليبينيين، لكنها لا تريد هذه القوات في الجولان بعد رحيل القوات الأوروبية». وحول مصير الجنود الفيجيين الذين تختطفهم «النصرة»، أكدت المصادر أن «آخر المعطيات تشير إلى عدم توصل المفاوضات الدولية إلى نتيجة، ولو كان الجنود من جنسيات أوروبية لقامت الدنيا ولم تقعد». وأكدت المصادر الأمنية أن «مسحلي النصرة يستخدمون آليات وأعتدة الجنود الدوليين»، وتمكّن ناشطون من الجولان من التقاط صور لهم في محيط المعبر بزّي القوات الدولية. وأضاف المصادر أن «الجيش استهدف سيارة مفخخة من سيارات القوات الدولية حاول المسلحون تمريرها، وقتل من فيها بعد تعطيلها». ولم نتمكن من الحصول على تصريح رسمي من القوات الدولية، على الرغم من المحاولات والاتصالات الحثيثة.
فراس الشوفي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد