"إنسانية" الغرب.. دمّر بلداً ولا تقتل قطة؟!
الجمل ـ فراس القاضي:
مظاهرة عن الاحتباس الحراري في الولايات المتحدة، وأخرى عن ضرورة صعق الدجاج بدلاً من ذبحه في السويد، وأخرى دعماً لحقوق المرأة الأفغانية في النرويج، ومئات الفيديوهات على اليوتيوب وغيره من المواقع عن استنفار كامل لحكومة بلد ما لإنقاذ حيوان عالق في بئر، ومثلها لتوقف السير في أحد أكبر شوارع مدينة أوروبية ما، من أجل تأمين مرور إوزة وفراخها.
من يتابع ما سبق ويأخذه منفصلاً عن الحقيقة الكاملة، سينبهر من "إنسانية" الغربيين، أو على الأقل "إنسانية" هؤلاء الذين ينظمون تلك الفعاليات بالذات، وسيقارن على الفور بين ما يقومون به، وبين ما يجري في بلداننا من ذبح وقطع رؤوس بين أولاد البلد الواحد، وأحياناً الأسرة الواحدة.، فيعظمهم أيّما تعظيم، بل ويدافع عنهم إن ذُكروا بسوء.
في الغرب، لا تقترب من كل ما يتعلق بالشكل الحضاري لتلك الدول، لا تُزعج قطة على الملأ، لا تحبس كلباً، إياك ثم إياك أن تجرح شعور مثليي الجنس ولو بكلمة، لا تقطع شجرة، لا تلقِ عقب لفافتك في الشارع، لا تخرب وسائل النقل، إن كنت نباتياً فهذا أفضل، فللحيوانات أرواح يجب ألا تزهق.
لكن، وعند النظر إلى الصورة الكاملة، ستكتشف أن كل ما سبق محض هراء وتمثيل ووقاحة منقطعة النظير.
دعونا نأخذ فرنسا وانتخاباتها مثالاً:
قامت الدنيا وما قعدت لأن مارين لوبين - وللمرة الأولى - تقدمت في الانتخابات، لأنها يمينية متطرفة، كما يقولون طبعاً، والجميع يدعو اليوم إلى التجمع خلف إيمانويل ماكرون لكسر مارين وحملتها، ومن الواضح أن هذا ما سيحصل.
كل الفرنسيين يعلمون أن ماكرون جاء من غامض علم الله والشركات واللوبي الصهيوني الفرنسي، ولم يعمل في السياسة سابقاً بشكل يؤهله ليكون رئيساً لفرنسا، لكن مع هذا، وليكن، المهم الصورة العامة لفرنسا، المهم ألا يُقال أن رئيسة فرنسا يمينية، حتى لو كان ما سيفعله ماكرون مستقبلاً قد يفوق في بشاعته ما ستفعله لوبان وبأضعاف مضاعفة، فالمهم هو صورة فرنسا، المهم عناوين الصحف العالمية وما ستقوله عن أم الثورة التي غيرت وجه العالم.
الغريب أن هذا الكذب والتمثيل يشمل الجميع، فحتى فرانسوا فيون - الذي من أجل فوز ماكرون، كُشفت ملفاته المخفية، واتهم بالفساد، وقُضي على مستقبله السياسي - دعا مؤيديه بتحويل أصواتهم لماكرون، وتفويت الفرصة على لوبان؟!
المهم صورة فرنسا.
كل ناخبي ماكرون غير "المتطرفين" يعلمون أن حكومتهم تموّل جبهة النصرة التي تحارب الحكومة السورية الشرعية، وقتلت وخطفت آلاف المدنيين، وتمدها بالسلاح الفرنسي، وحتماً سمعوا وزير خارجيتهم السابق لوران فابيوس حين قال مرة: (جبهة النصرة تقوم بعمل جيد).
كل هؤلاء الناخبين "الإنسانيين" الذين يكادون يصرخون فداك أبي وأمي أيها المثلي، يعرفون حق المعرفة أن حكومتهم تبيع السلاح التقليدي والمحرم دولياً للسعودية التي تقتل طفلاً يمنياً كل عشر دقائق – بحسب احصاءاتهم هم لا إحصاءات الحوثيين – ومع ذلك يقفون معها ولا يرف لهم جفن، إلا من بعض المنظمات التي لا صوت لها، وبعض الحالات الفردية التي لا تقدم ولا تؤخر، والتي أشك أنها هي أيضاً للحفاظ على الصورة ليس أكثر، بينما ينتفضون في وجه لوبين لأنها يمينية؟! المهم صورة فرنسا.
وما ذكر سابقاً عن فرنسا ينطبق على كل الغرب، فمثلاً في بريطانيا أيضاً، عجزت كل المحاولات (إن كانت حقيقية طبعاً) عن ثني حكومة ديفيد كاميرون ومن بعده تيريزا ماي عن بيع الأسلحة للسعودية، بل وتحول هذا الطلب إلى أهم بند في البيان الانتخابي لجيرمي كوربين رئيس حزب العمال المنافس في الانتخابات.
كله كذب وتمثيل، فالأمريكي والسويسري والسويدي والإيطالي، وكل هؤلاء الذين قد يبكون أسبوعاً متواصلاً إن دعست سيارة قطة أو كلب، أو قد يصابون بالاكتئاب لمدة سنة لأن الطبيب البيطري تأخر في علاج قرد فمات، يعلمون أن حياتهم الفارهة قائمة على دمار بلداننا، وعلى استمرار الحروب فيها، واستمرار مبيعات معامل الأسلحة، واستمرار استيراد نفطنا بأرخص الأسعار، عبر بيع المنطقة للخليج العربي وعلى رأسه السعودية.
يعرفون أن النهضة الفكرية والعلمية والصناعية في بلادنا، واستثمار مواردنا بالشكل الأمثل سيؤثر على حياتهم حتماً، وسيخفف من رفاهيتهم، لذا لا بد من عرقلة أي مشروع تنمية أو مشروع استقلال حقيقي عبر منح أصواتهم للأشخاص الذين سينفذون هذه الجرائم، ولا مانع بعدها من التباكي على الضحايا، ومنح بعض الناجين القليل من وقت إعلامهم الأسود الكاذب بهدف تبرير ما تقوم به حكوماتهم ولوبياتهم اتجاهنا لا أكثر.
يعرف هؤلاء السفلة الذين تسيل دموعهم لمنظر خروف يُذبح، أن دم أطفالنا الذين يُذبحون يومياً هو وقود سيارتهم، وحوافزهم، وتقاعدهم المرتفع، نعم يعرفون.. ويقبلون.
الجمل
إضافة تعليق جديد