استفتاء بريطانيا: «لعبة الرأي العام»... تحسم!
لعلّ أبرز ما يجب التوقف عنده خلال الأيام السابقة ليوم الاستفتاء، يتمثّل في التغير المهم الذي أظهرته استطلاعات الرأي لناحية تقليص فريق «البقاء» لفارق النسب الذي وصل في لحظة معينة إلى سبع نقاط لمصلحة مؤيدي «الخروج»، وذلك قبل أن نشهد تقارباً شديداً بين المعسكرين، ساعات قبل انطلاق الاستفتاء «المصيري».
وكانت استطلاعات الرأي التي أجرتها «بوبيولس»، «يوغوف»، «ايبسوس موري»، و»كوم ريس»، قد أظهرت، تباعاً، تقدم معسكر البقاء بنسبة 55 في المئة و51 في المئة و52 في المئة و54 في المئة.
عملياً، هناك عدد من العوامل التي ساهمت في تبديل المزاج العام، خصوصاً عقب دخول عدد مهم من مبدعي بريطانيا ومشاهيرها في الحملات لتأييد خيار «البقاء» ولحث البريطانيين على التصويت لـ»وحدة أوروبا». وقد يمكن اعتبار حادثة اغتيال النائبة العمالية، جو كوكس، «على يد متطرف يميني» في 16 الشهر الجاري، إضافة إلى حملات الترويج السياسية (والبروباغندا) من قبل معسكر «البقاء»، كعاملين مفصلين أثّرا بشكل كبير على تبدّل النسب.
«الموت للخونة، الحرية لبريطانيا»، هي العبارة التي استخدمها المتهم بمقتل كوكس للتعريف عن نفسه أمام القضاء البريطاني. و»الحرية» هي من المصطلحات الأساسية التي كان يعتمد عليها فريق «الخروج» لإقناع البريطانيين بضرورة التخلي عن «هيمنة الاتحاد الأوروبي» على قرارات بريطانيا وأموالها وأسواقها.
وقد استغل فريق «البقاء» حادثة الاغتيال لإقناع البريطانيين بخطورة الشعارات التي يحملها الفريق المقابل، ودعوا الرأي العام البريطاني إلى رفض «الانعزالية والانقسام». وكذلك اتهموا زعيم حزب «الاستقلال»، نايجل فاراج، والداعين إلى «الخروج»، بمحاولة تقسيم البلاد وتعزيز الحس المعادي للمهاجرين من خلال تكريس أفكار، مثل «نحن وهم». حتى إنّ رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، حثّ النواب على تكريم ذكرى كوكس «عبر ترسيخ الديموقراطية والحرية اللتين ناضلت من أجلهما». كذلك، عبّر قادة أحزاب عن مخاوفهم على البلاد بعد اغتيال كوكس، معتبرين أن بريطانيا «تعيش في أوقات مثيرة للقلق» وأنه «يجب على الناس الوقوف جنباً إلى جنب وعدم التسامح مع من يريد تقسيم المجتمع».
الوزيرة الأولى في اسكتلندا، نيكولا ستورجيون، كانت قد توقعت بدورها أن يكون لحادثة الاغتيال تأثير على الاستفتاء، مشيرةً إلى أن الناخبين «يشعرون بالاشمئزاز» على نحو متزايد من «الطبيعة السامة» لحملة «الخروج». ورأت أنه بالرغم من أنه «لا أحد يعرف حقاً إذا كان (لأحد داعمي) حملة الخروج علاقة بمقتل كوكس»، إلا أن بعض «النقاشات قد تصبح سامة إذ تركّز على الخوف من الأجانب… وأظن أن ما حدث يكشف تلك المشاعر». وجدير بالذكر أنّ من بين الملصقات الدعائية لحملة «الخروج»، برز ملصق لحزب نايجل فاراج، يصوّر مجموعة من اللاجئين يتدفقون على المملكة المتحدة، مرفقاً بعبارة «نقطة فارقة»، في محاولة للقول إن التصويت لمصلحة «الخروج» هو السبيل الوحيد لوقف تدفق اللاجئين.
ولعلّ استخدام حملة «الخروج» لأزمة اللاجئين كسبب رئيسي يدعو إلى الابتعاد عن المنظومة الأوروبية، كان له وقع عكسي على بعض مؤيدي موقفهم الذين يرفضون «بيروقراطيي بروكسل» إلا أنهم أيضاً ضد العنصرية والتحريض.
وإلى جانب تخويف حملة «البقاء» من تفكك المجتمع البريطاني وازدياد الكراهية والعنصرية، كان لتأييد كبار رجال الأعمال والشركات تأثير كبير على الرأي العام الذي حتى ولو كان فيه من يريد «الاستقلال والحرية»، فإنه غير مستعد أو ليس لديه القدرة على أن يتحمل العبء الاقتصادي الذي سيترافق مع «التحرر» من الاتحاد. وكان الخبراء الاقتصاديون قد حذروا من أن «الخروج» سيؤدي إلى اضطراب اقتصادي قد يدفع بالشركات الكبرى إلى التخلي عن لندن، وأنّ نسب البطالة قد ترتفع وكذلك التعرفة الجمركية على السلع.
على خلفية تلك الحملة الطويلة، توافد، أمس، الناخبون المسجلون البالغ عددهم الاجمالي 46 مليوناً، منذ الصباح الباكر للإدلاء بأصواتهم، في ظل تعويل مؤيدي «البقاء» على مشاركة واسعة كان من شأنها تكريس انتصارهم بعد حملة معقدة وطويلة سبقت الاستحقاق المصيري أو «يوم الحساب»، كما عنونت، أمس، «ذي تايمز».
رنا حربي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد