الأبعاد غير المعلنة لقرار الرئيس مشرّف بإخضاع باكستان لحالة الطوارئ

الجمل: تجرّأ الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرّف على إعلان ما حذرته منه في ساعة متأخرة من الليل في الماضي وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، وقد عدل حينها الجنرال عن إصدار القرار، ولكنه قام صبيحة الأمس بالإعلان عن إخضاع كامل باكستان لحالة الطوارئ.
* قرار الجنرال مشرّف الجديد:
أعلن الرئيس الباكستاني بوريز مشرّف عن تطبيق حالة الطوارئ في جمهورية باكستان بدءاً من يوم 3 تشرين الثاني 2007م، وتضمن القرار البنود الآتية:
• تعليق الدستور الباكستاني.
• تفويض الرئيس مشرّف بالحكم عن طريق إصدار التشريعات والمراسيم. وتقول المعلومات القادمة من العاصمة الباكستانية إسلام آباد، بحدوث الآتي:
* إصدار الجنرال برويز مشرّف قراراً بإعفاء واستبدال رئيس القضاء، افتخار محمد شورى، من منصبه كرئيس للمحكمة العليا.
* انقطاع خطوط الاتصالات التلفونية في العاصمة.
* انتشار القوات الباكستانية داخل محطات الإذاعة والتلفزيون التابعة للدولة.
* توقف القنوات والمحطات التلفزيونية والإذاعية الخاصة عن العمل.
* أبرز الخلفيات الحالية:
تقول المعلومات الواردة في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، بأن الحكومة الأمريكية حذرت الجنرال مشرّف من مغبة القيام بفرض حالة الطوارئ في باكستان، ولكن الضغوط على الجنرال مشرّف دفعته إلى أن يتصرف بحزم وقوة لجملة من الأسباب أبرزها:
• قيام المحكمة العليا بإعادة النظر في أمر إعادة انتخاب الجنرال برويز مشرّف رئيساً للجمهورية، وذلك على أساس اعتبارات أن الجنرال مشرّف ما زال في الخدمة العسكرية، ويتوجب عليه أولاً أن يستقيل من منصبه العسكري، ليحق له من ثم الترشيح للرئاسة. وتجدر الإشارة إلى أن الجنرال مشرّف قد علّق على ذلك قائلاً بأن زيّه العسكري قد أصبح مثل جلده، وهو لن يسمح بسلخ جلده.
• تزايد أعمال العنف في مناطق القبائل الممتد على طول خط الحدود الباكستانية – الأفغانية.
• اندلاع القتال في منطقة وادي سوات الشمالية الغربية بين قوات الجيش الباكستاني وقوات المليشيا التي تسيطر على المنطقة.
• حدوث المزيد من التفجيرات التي راح ضحيتها المئات وعلى وجه الخصوص التفجيرات العنيفة التي ترافقت مع عودة رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو إلى مدينة كراتشي.
• حدوث بعض التفجيرات في مقاطعة واليندي التي توجد فيها قيادات القوات المسلحة الباكستانية.
* التسلسل الزمني لخط الأزمة الباكستانية:
تشير الوقائع والأحداث الجارية إلى أن الخط الزمني المتسلسل للأزمة الباكستانية وأداؤها السلوكي خلال العام الحالي يتضمن ما يلي:
• الحدث الأول: 9 آذار: اتهام المحكمة العليا للجنرال مشرّف بسوء التصرف والمحسوبية واستغلال السلطة وعلى إثر ذلك، قرر الجنرال مشرّف إيقاف رئيس القضاء افتخار محمد شورى من أداء مهامه كرئيس للمحكمة العليا الباكستانية. كما ترتب على ذلك قيام مؤيدي رئيس القضاء محمد شورى بإدانة قرار الرئيس مشرّف  باعتباره محاولة من السلطة لكبت السلطة القضائية وتكميم الأفواه، بسبب تزايد انتقادات المحكمة لنظام الرئيس مشرّف. كذلك، أعلن القاضي افتخار محمد شورى في شهادة خطية أقسم فيها بأنه تعرض للاعتقال عدة ساعات وتم الضغط عليه بواسطة الجنرال مشرّف، وكبار الضباط ومسؤولي الأمن والمخابرات الباكستانية لكي يقدم استقالته.
• الحدث الثاني: آذار: اندلعت الاحتجاجات بسبب قيام الجنرال مشرّف بإعفاء وإقالة القاضي افتخار محمد شورى، وتحركت المظاهرات التي نظمها وشارك فيها المحامون الباكستانيون، والتي سرعان ما انضمت إليها الأحزاب السياسية الباكستانية المعارضة للجنرال مشرّف.
• الحدث الثالث: أيار: خلال العطلة الأسبوعية، وتحديداً في مدينة كراتشي التي تمثل العاصمة التجارية والمالية لباكستان، اندلعت مواجهة بين مؤيدي الجنرال مشرّف ومؤيدي أحزاب المعارضة، وخلّفت هذه المواجهة 39 قتيلاً وعشرات الجرحى، وذلك عندما قام رئيس القضاء افتخار محمد شورى بزيارة المدينة.
• الحدث الرابع: 10 تموز: اعتصام مسلحين بالمسجد الأحمر الموجود في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وتمت محاصرتهم لمدة ثمانية أيام بواسطة القوات الباكستانية، وانتهى الأمر بمعركة مسلحة استمرت يوماً كاملاً استطاعت بعدها القوات الباكستانية اقتحام المسجد، وقتل 50 من عناصر الميليشيا المسلحة.
• الحدث الخامس: 12 تموز، تحدث الجنرال مشرّف مدافعاً عن قيام القوات الباكستانية باقتحام المسجد الأحمر، وقال بأن القيام بعملية الاقتحام العسكري كان ضرورة قصوى لحل أزمة تتحمل مسؤوليتها عناصر المليشيا المتصلّبة والتي تشددت في رفضها وتحديها للقرار الرسمي الصادر بإخلاء بالمسجد الأحمر.
• الحدث السادس: 20 تموز: أصدرت المحكمة العليا الباكستانية حكماً ينص على بطلان وعدم قانونية القرار الذي أصدره الجنرال مشرّف بإقالة القاضي افتخار محمد شورى، وقررت المحكمة إعادة القاضي شورى إلى رئاسة القضاء.
• الحدث السابع: 9 آب: أعلن بعض المسؤولين الباكستانيين بأن الجنرال مشرّف قد أصبح على وشك القيام بإعلان حالة الطوارئ، ولكنه عدل عن رأيه بسبب:
* الضغوط الإعلامية.
* المعارضة السياسية.
* الضغوط الدبلوماسية.
* تحذيرات وزيرة الخارجية الأمريكية التي نقلتها له شخصياً عبر التلفون في ساعة متأخرة من الليل.
• الحدث الثامن: 10 أيلول: بعد صدور قرار المحكمة العليا الباكستانية بالسماح لرئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف بالعودة إلى باكستان، وذلك بعد الفترة الطويلة التي قضاها في المنفى خارج باكستان منذ لحظة قيام الجنرال مشرّف بالإطاحة بحكومته عام 1999م، أعلن نواز شريف قرار عودته إلى بلده باكستان ليقوم بقيادة المعارضة السياسية ضد الجنرال مشرّف، وخوض الانتخابات البرلمانية القادمة. وعند وصول شريف إلى باكستان، تحركت حكومة الجنرال مشرّف ضده بقوة، وقامت بترحيله إلى خارج باكستان بعد 24 ساعة فقط من وصوله، كذلك قامت سلطات الأمن الباكستانية، باعتقال كل زعماء حزب نواز شريف عندما كانوا يحاولون الوصول إلى المطار من أجل تقديم التحية له.
• الحدث التاسع: 1 تشرين الأول: أعلنت حكومة مشرّف عن اتفاق تم بموجبه إصدار العفو العام عن زعيمة المعارضة ورئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو، ينص الاتفاق، إضافة لقرار العفو، أن يتم السماح للجنرال مشرّف بخوض المنافسة والترشيح لمنصب رئيس الجمهورية من جهة، وللسيدة بوتو بالعودة إلى باكستان ومزاولة العمل السياسي وخوض الانتخابات البرلمانية المقرر لها نهاية العام الحالي من جهة أخرى.
• الحدث العاشر: 6 تشرين الأول: قررت مؤتمرات البرلمانات ومجالس المقاطعات والبلديات، انتخاب الرئيس برويز مشرّف رئيساً للجمهورية الباكستانية، ولكن فرحة الجنرال مشرّف لم تكتمل، بسبب رفض ومقاطعة أحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات، وتم رفع طعن بالانتخابات إلى المحكمة العليا التي يترأسها القاضي افتخار محمد شورى، لإصدار حكم حول مدى أهلية الرئيس مشرّف خوض الانتخابات الرئاسية وهو ما زال في حالة أداء الخدمة العسكرية.
• الحدث الحادي عشر: 18 تشرين الأول: عادت بنازير بوتو إلى باكستان من المنفى، وخلال الاستقبال الصاخب الذي رتبه لها مؤيدوها في موطنها مدينة كراتشي، وتحديداً عندما كان مئات الآلاف من جمهور المدينة يصطفون على الطرقات والشوارع لتحيتها، حدث انفجاران كبيران كان أكبرهما على بعد بضعة أمتار من المركبة التي كانت تقل السيدة بوتو، وبرغم أنها لم تصب بأي أذى، إلا أن الانفجارين أديا إلى مقتل 134 شخصاً وجرح بضع مئات من جماهير المحتشدين.
• الحدث الثاني عشر: تشرين الثاني: ظهرت معلومات تقول بأن قرار إعلان حالة الطوارئ قد أصبح جاهزاً على طاولة الجنرال مشرّف، وحينها قام الدبلوماسيون الأمريكيون والغربيون في باكستان بتحذير الجنرال مشرّف من مغبة القيام بإعلان حالة الطوارئ.
• الحدث الثالث عشر: 3 تشرين الثاني: أعلن الجنرال مشرّف حالة الطوارئ وأصدر قراراً بتعليق الدستور، وعزل رئيس القضاء ورئيس المحكمة العليا الباكستانية القاضي افتخار محمد شورى، ونشر الجيش وأعطى نفسه كافة الصلاحيات الاستثنائية لإدارة شؤون الدولة والحكم.
* الأبعاد غير المعلنة لقرار الجنرال مشرّف:
تشير المعلومات إلى أن قرار الجنرال مشرّف قد تم بالتنسيق التام مع الإدارة الأمريكية، وذلك من أجل إطلاق يد الجنرال مشرّف في تصفية المعارضة السياسية، وعلى وجه الخصوص المعارضة الإسلامية مثل الجماعة الباكستانية وغيرها... وبعد تصفية المعارضة الباكستانية سوف تكون الخطوة الثانية هي قيام القوات الأمريكية بالاشتراك مع قوات حلف الناتو والقوات المشتركة بتنفيذ عملية هجوم ضد مناطق القبائل الباكستانية، وتقول المعلومات والتسريبات القادمة من واشنطن بأن الإدارة الأمريكية تسعى إلى استخدام الضربات الجوية في مناطق القبائل الباكستانية، باستخدام القاذفات الإستراتيجية (بي - 52) المرابضة حالياً في قاعدة دييغو غارسيا في جنوب المحيط الهندي، واستخدام الصواريخ الطويلة والمتوسطة المدى من على ظهر منصات الغواصات والسفن الحربية الأمريكية الموجودة حالياً في بحر العرب وعلى مقربة من السواحل الباكستانية..
* أبرز التداعيات:
من المتوقع أن يدور صراع سياسي حاد في الساحة السياسية الباكستانية، (احتجاجاً على إجراءات الطوارئ والتي أطلقت عليها بعض أجهزة الإعلام تسمية انقلاب مشرّف الثاني) وتحديداً بين المعارضة السياسية وأجهزة نظام الجنرال برويز مشرّف، وسوف يتوقف بقاء الجنرال مشرّف في السلطة على مدى ولاء القوات المسلحة وأجهزة الأمن الرسمية له، ولكن على خلفية انتماء معظم الجنود وضباط الجيش إلى مناطق القبائل الباكستانية، وتزايد الكراهية للجنرال مشرّف في الشارع الباكستاني، فمن المتوقع أن احتدام الصراع السياسي سيؤدي إلى لجوء قيادة الجيش الباكستاني إلى عزل الجنرال مشرّف عن منصبه، وبالتالي تكون أمريكا نجحت في دفع الجنرال مشرّف إلى الهاوية وتخلصت منه، واستبداله بجنرال آخر جديد من بين صفوف قيادة الجيش الباكستاني، الذي ظلت أجهزة المخابرات الأمريكية والبنتاغون يشرفان على رعايته وتطويره منذ فترة الصراع الأفغاني – السوفييتي، ولكن إذا تزايدت الصراعات السياسية واستطاعت المعارضة الباكستانية التسلل إلى السلطة –وهو احتمال ضعيف- فإن الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية سوف تكون إما الانسحاب من أفغانستان، أو توسيع مسرح الحرب عن طريق فتح جبهة جديدة تتضمن شن الحرب الأمريكية ضد باكستان هذه المرة، وهو احتمال ضعيف أيضاً لأن باكستان بلد نووي، ولن تستطيع أمريكا خوض أي صراع عسكري مسلح ضد باكستان إلا إذا استطاعت أولاً –وقبل القيام بأي تحرك- بالسيطرة على الأسلحة النووية الباكستانية وإبطال مفعولها..

الجمل: قسم الدراسات والترجمة