الاتحاد الأوروبي واحتمالات مواجهة القصاص التركي
الجمل: على مدى أكثر من خمسة عقود انخرطت تركيا في تحالف عسكري – أمني مع الولايات المتحدة الأمريكية بما أدى إلى دفع أنقرة إلى بناء المزيد من الروابط والعلاقات الخاصة الأمنية – العسكرية مع إسرائيل ودول غرب أوروبا.
* العلاقات التركية – الأوروبية: هل حان موعد انتقام تركيا؟
تقول المعلومات والتسريبات الجديدة بأن تركيا قد بدأت تدير ظهرها "بكتف بارد" إزاء ما يعرف بالتزامات سياسية الأمن والدفاع الأوروبي بعد سلسلة من النقاشات الساخنة على خط أنقرة – بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي الحالية.
تؤكد التحليلات الغربية الحالية بأن تعمد الأطراف الأوروبية عرقلة انضمام تركيا إلى الاتحاد إضافةً إلى موقف بلدان الاتحاد المتحيز إلى جانب اليونان في ملف الأزمة القبرصية وما ترتب عليه من محاولات بواسطة مفوضية الاتحاد الأوروبي لاستخدام بنود سياسية الأمن والدفاع الأوروبي من أجل الضغط على تركيا، كان وراء رد فعل أنقرة المفاجئ للأوروبيين على النحو الذي بدأ يشكل هاجساً مقلقاً للمفوضية الأوروبية ويقول الخبراء بأن تركيا تمثل فاعلاً رئيسياً في الهيكلية الأمنية الغربية ومن ثم فإن الضغط عليها بهذه الطريقة قد يدفعها إلى الانسحاب من اتفاقيات القوات وهو أمر لو حدث فإنه ستكون له عواقب وخيمة بالنسبة لملف التوازن الأمني – العسكري الدولي والإقليمي، على هذا النحو سيضعف موقف واشنطن ودول غرب أوروبا ويلحق ضرراً بالغاً بالمؤسسات الأمنية – العسكرية الغربية بما فيها حلف الناتو.
* الدور التركي الرئيسي في الدفاع الأوروبي المشترك:
التغيرات التي حدثت في حقبة تسعينات القرن الماضي في الهياكل المؤسسية المتعلقة بالدفاع الأوروبي المتعدد الأطراف أتاحت لتركيا فرصة تعزيز التعاون العسكري مع دول الاتحاد الأوروبي، وفي العام 1991م أعاد الاتحاد الأوروبي الحيوية للهيكل المؤسسي الدفاعي الخاص بالاتحاد الأوروبي، والذي ظل راكداً بسبب غض النظر وعدم الاهتمام به طالما أن مهمته الدفاعية قد انتهت بانتهاء الحرب الباردة، وقد تم ضمن عملية إعادة الحيوية توسيع نطاق الهيكل المؤسسي الدفاعي ليضم أعضاء الاتحاد الأوروبي وتركيا إضافةً إلى حلف الناتو. الهيكل المؤسسي الدفاعي الأوروبي المتعدد الأطراف وعلى خلفية وضعه الجديد ركز على الآتي:
• منح وضع العضوية الكاملة لكل الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والأعضاء في حلف الناتو.
• منح وضع العضوية بالمشاركة لأعضاء حلف الناتو غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
• منح وضع المراقب لأعضاء الاتحاد الأوروبي غير الأعضاء في حلف الناتو.
هذا، وبسبب افتقار دول الاتحاد الأوروبي للبنيات والأصول العسكرية فقد سعوا من أجل تعزيز العلاقة مع حلف الناتو، والهيكل المؤسسي الدفاعي الأوروبي، الأمر الذي ترتب عليه حصول تركيا على وضع مميز داخل هذا الهيكل بسبب:
• أن الجيش التركي يمثل أكبر جيش برّي في حلف الناتو.
• توجد في تركيا سلسلة من القواعد العسكرية الرئيسية التابعة لحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية.
• تتميز تركيا بموقع هام يضفي عليها المزيد من الأهمية والمزايا الإستراتيجية في حالة نشوء الصراعات في مناطق الشرق الأوسط والخليج العربي والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأدنى ومنطقة البلقان، إضافةً إلى الدور الذي يمكن أن تقوم به في حالة الصراع مع روسيا.
* ما الذي دفع تركيا إلى محاولة الابتعاد؟
في قمة 1998م الأوروبية، طالبت فرنسا وبريطانيا بضرورة أن يتم إسقاط اتفاقية الأمن والدفاع الأوروبي بالاشتقاق من بنود معاهدة الاتحاد الأوروبي وليس من بنود معاهدة حلف الناتو.
تركيا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي ولكنها بسبب عضويتها في حلف الناتو فقد كانت تتميز بوضع فاعل داخل الحلف، وبسبب إسقاط واشتقاق اتفاقية الأمن والدفاع الأوروبي بهذه الطريقة فإن تركيا وجدت نفسها في مركز أقل أهمية مما هو عليه في حلف الناتو، وما أثار توتر الأتراك تمثل في أن تهميش تركيا ضمن بنود اتفاقية الأمن والدفاع الأوروبي كان مصحوباً بإستراتيجية أوروبية تهدف إلى استغلال القدرات العسكرية التركية بالكامل في الدفاع عن أمن أوروبا، وقد أدرك الأتراك منذ البداية بأن هذا الوضع لا يتسم بالتوازن طالما أنه يعطي تركيا مكانة أقل داخل الهياكل المؤسسية ودوراً أكبر في الميدان العسكري. بكلمات أخرى، فالمطلوب من تركيا هو أن تحارب فقط، وفي الوقت نفسه لا يكون لها أي دور في عملية صنع القرار الحربي. وعد الأوروبيون بتصحيح الوضع وعندما تم طرحه داخل الاتحاد الأوروبي اعترضت فرنسا واليونان عن طريق «الفيتو» على النحو الذي أدى إلى عرقلة التعديل المتعلق بتصحيح وضع تركيا في هيكل اتفاقية الأمن والدفاع الأوروبي. وتزايد غضب الأتراك أكثر فأكثر بسبب:
• مماطلة الاتحاد الأوروبي في ضم تركيا إليه برغم دورها الكبير في دعم الأمن والدفاع الأوروبي.
• قيام الاتحاد الأوروبي بضم قبرص اليونانية لعضويته برغم أنها لا تقدم شيئاً في دعم الأمن والدفاع.
ونضاعف حنق الأتراك أيضاً بسبب قيام قبرص اليونانية باستغلال عضويتها داخل الاتحاد الأوروبي من أجل تشديد توجهات الاتحاد المعرقلة لانضمام تركيا إليه. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد صوتت قبرص اليونانية داخل الاتحاد الأوروبي ضد اقتراح ضم تركيا لعضوية وكالة الدفاع الأوروبي.
وعلى أية حال، من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة قيام تركيا بتقليل حماستها في برامج الأمن والدفاع الأوروبي المتعدد الأطراف وهو الأمر الذي يقلق كثيراً الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، هذا، وتقول آخر المعلومات بأن وزير الخارجية التركي علي بابكان سيطلب خلال زيارته لواشنطن عقد اللقاءات الحاسمة مع كبار المسؤولين الأمريكيين، وعلى ما يبدو فإن ما تسفر عنه هذه اللقاءات سيلعب دوراً كبيراً في تشكيل السياسة الخارجية العسكرية - الأمنية التركية إزاء أجندة انخراط تركيا في برامج الأمن والدفاع الأوروبي المتعدد الأطراف.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد