الانهيار المنتظر: "ائتلاف" المعارضة الخارجية
الجمل- بيتر لي- ترجمة: مالك سلمان:
تبعاً لوكالة أنباء "تاس" الروسية, ظهرت علامة فارقة في سورية منذ بضعة أيام: قتِل بعض المتظاهرين السلميين في حلب. المفارقة هي أن المتظاهرين كانوا يطالبون بحماية الجيش [العربي] السوري لإيقاف تدمير المدينة, وقد أطلق المسلحون النارَ عليهم.
ليس هناك حاجة إلى خبر صحفي يسربه مصدر ما للتعبير عن الفوضى الأخلاقية والاستراتيجية الكبيرة التي يعاني منها التمرد السوري بينما تتجه البلاد نحو الانهيار. إذ هناك نقطة ارتكاز جاهزة تتمثل في إعادة التنظيم الفورية والقسرية للمعارضة السورية في الخارج برعاية الولايات المتحدة.
لا يتعدى ‘المجلس الوطني السوري’ الآن كونه شريكاً ثانوياً في تجمع أوسع للمعارضة, "الائتلاف الوطني السوري للمعارضة والقوى الثورية". يقال إن تشكيل هذه المجموعة جاء نتيجة إلحاح من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون. سوف تستقيل من عملها بعد عدة أسابيع, ويبدو أنها رغبت في سحب البساط من تحت ‘المجلس الوطني السوري’ العاجز واستبداله بشيء أقل إبرازاً للهيمنة السنية/الإسلامية/الإخوانية. وقد استجابت قطر, الراعي الرئيس ل ‘المجلس’, والعقول العظيمة في فرع الدوحة ل "مؤسسة بروكينغز" بهذه التحفة العجيبة المسماة "الائتلاف الوطني ...".
يسعى "الائتلاف" إلى نوع من الائتلاف متعدد الأطياف. فالعشرة الكبار يشملون العلمانيين والمسيحيين والعلويين والنساء – بالإضافة إلى 22 من بقايا ‘المجلس’ من الإخوان المسلمين – مع غياب الأكراد في الوقت الحاضر. كما أن أياً من التقارير الغربية لم يذكر أن ممثلي المعارضة الداخلية الشرعية, "هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي", التي يقودها حسن عبد العظيم, قد حضروا الاجتماع.
في محاولة لتحضير كعكته الجماعية والتهامها أيضاً, أعلن "الائتلاف" أن هذا التجمع المبدئي سيكون برئاسة شيخ سني, وهو إمام سابق لمسجد أمية اسمه أحمد معاذ الخطيب ظهر مرتدياً طقماً وربطة عنق ليعلن ذوقه العلماني, إن لم يكن علمانيته, في الهندام.
أصولي في طقم
بناءً على تعليقات أسعد أبو خليل, هذا "العربي الغاضب" الفظ والمراقب لخدع الشرق الأوسط, يمكن أن يصبح شعار "الائتلاف" وسياسة أمريكا السورية "اعترف بتسرع ... وتُب على مهلك".
وقد أشار أبو خليل إلى عدة أشياء مثيرة للاهتمام لاحظها على موقع الخطيب:
أمضيت ليلة البارحة أقرأ كتابات ...أحمد معاذ الخطيب: أحد أتباع الإخوان المسلمين وتلميذ ليوسف القرضاوي [مرشد فقهي هام للإخوان المسلمين في مصر]. لديه آراء عديدة يجهلها رعاتُه الغربيون. خذ أطروحته حول العادة السرية هنا: يقول إن هذه "العادة الخبيثة", تسبب السل الرئوي وتساقط الجلد.
وهنا, يدعو السيد أحمد معاذ الخطيب إلى الجهاد لإنقاذ الأمة [المقال المشار إليه هنا يبدو محجوباً]. تمتعوا به, رجاءً, وخاصة أولئك في الحكومات الغربية التي وافقت عليه وروجت له دون قراءة كلمة واحدة مما كتبه.
أنا واثق أن الصهاينة الأمريكيين الذين وافقوا على تعيين السيد الخطيب رئيساً للمعارضة السورية في المنفى لم يعرفوا أنه أشار إلى الصهيونية بصفتها " حركة عرقية سرطانية".
السيد معاذ الخطيب يقول هنا ... إن لصدام [حسين] فضائلَ منها أنه "أرعبَ اليهود".
هذا الشخص الغريب (الذي ما كان ليعيَن في منصب الإمام في المسجد الأموي دون موافقة جهاز استخبارات النظام السوري) يعلن هنا أن "فيسبوك" مؤامرة استخباراتية أميركية-إسرائيلية. اقرؤوا لتصدقوا.
حظاً سعيداً, سيدة كلينتون, بهذه الشخصية التي ستعيد إحياء المعارضة السورية.
كان هناك, ربما, عنصر أكثر أهمية في هذا الاعتراف تم تجاهله – الغياب النسبي للسعودية في حفل تأسيس "الائتلاف". تم تنظيم اجتماع الدوحة من قبل الولايات المتحدة وتركيا وقطر. افتتح رئيس حكومة قطر الجلسة الافتتاحية و "ترأسَ" الاجتماعَ الموسع للمعارضة السورية.
من الواضح أنه لم يحضر الاجتماع أي شخصية من الوزن الثقيل. ولهذا أهميته لأن إعادة تنظيم المعارضة السورية في الخارج جاء كردة فعل على الأداء السيء ل ‘المجلس’ المدعوم من قبل قطر, وكذلك بمثابة رد على الأزمة التي تسبب بها الأثر المتنامي للجهاديين الممولين من السعودية في سورية.
كانت المساعي الغربية لدعم التمرد قد تحولت بشكل كبير إلى نوع من الهيجان الطائش, ويعود ذلك بنسبة كبيرة إلى عدم رغبة الغرب في تقوية وتمكين ‘المجلس’ الذي يهيمن عليه سوريو الخارج والإخوان المسلمون بكميات كبيرة من الأسلحة. أما السلفيون السعوديون فلم يترددوا في إرسال الأسلحة والجهاديين إلى سورية, مما مكن المتطرفين من ملء الفراغ ‘الثوري’.
تتضمن التغطية الإخبارية للتمرد الآن تقاريرَ عن جرائمَ وحشية ترتكبها المعارضة المسلحة, ورفع علم القاعدة في بعض الأحيان, والقلق والقرف الكبيرين اللذين يعبر عنهما المواطنون السوريون تجاه سلوك المسلحين والحكومة على حد سواء. ومع ارتداد الأزمة إلى لبنان وتركيا, وإطلاق النار من قبل إسرائيل الآن على المدرعات السورية, هناك اعتراف بأن الأزمة بدأت تخرج عن السيطرة – و ‘المجلس’, الذي لم يتعدَ كونه دريئة يختبىء خلفها الإخوان المسلمون وواجهة دعائية ملائمة للقوى الغربية التي تسعى لإزاحة بشار الأسد, ليس بالتأكيد المجموعة اللازمة لإحلال الاستقرار محل الفوضى القائمة.
بعد تفكيك مكون الإخوان المسلمين بشكل كاف في "الائتلاف" (أو, إذا شئت, بعد تفتيت سياسته الداخلية بشكل مرض بحيث يمكن للولايات المتحدة وأوروبا السيطرة على سياساته وأفعاله), تتم تهيئة "الائتلاف" بصفته تنظيماً مناسباً يمكن من خلاله الاعتراف رسمياً بالمعارضة السورية بمثابة حكومة في المنفى وقناة للمساعدات العسكرية الخارجية.
يمكن النظر إلى "الائتلاف" على أنه مبادرة لمواجهة الجهاديين السلفيين الذين نجحوا في ملء الفراغ الذي أفرزته الحرب الأهلية في سورية, أكثر مما يمكن اعتباره محاولة لمواجهة الأسد.
هل يمكن تقليص دور الجهاديين السلفيين في ساحة المعركة بحيث تدخل سورية في حالة "النيرفانا" الليبرالية الديمقراطية التي وعد بها الغرب؟ أصبح معجون أسنان سورية خارج الأنبوب, إذ يبدو أن سورية تتجه نحو الانهيار الوطني, ويبقى السؤال التالي: هل بمقدور "الائتلاف" – على الرغم من دعم القوى الكبرى لتطلعاته الديمقراطية, والتغطية الإعلامية الإيجابية في صحيفة "الغارديان", والدعم الدبلوماسي والعسكري من قبل الغرب و "مجلس التعاون الخليجي" – أن يجلبَ السلام والوحدة مرة أخرى لهذه الأمة الممزقة والمُدماة ؟
فرق الموت الغائبة عن الساحة
تم تفصيل مهمة "الائتلاف", ويحق للمرء أن يتساءلَ إن كان بمقدور المعارضين السوريين في الخارج – الذين يتم تصويرهم بصفتهم "تكنوقراطاً موثوقين", وليس "متمردين بقبضات حديدية" – انتزاع الدور القيادي في ساحة المعركة السورية من الجهاديين والعصابات المحلية والبلطجية والأبطال الذين يشكلون ‘الجيش السوري الحر’ وجموع الميليشيات المحلية المناوئة للحكومة.
هناك علاج واحد للمتمردين المتطرفين الإسلاميين ينظر إليه المختصون الأميركيون على أنه فعال للغاية لكنه, للأسف, ليس في متناول "الائتلاف" في الوقت الحاضر على الأقل: فرق الموت. وصلت سورية الآن إلى نقطة أشبه بوضع العراق في سنة 2006 – حيث حاربت المجموعات السنية الحكومة المركزية بشراسة, ولكن الثمن كان اختطاف المتطرفين الجهاديين للسلطة المحلية.
في العراق, تشظت المقاومة السنية للاحتلال الأمريكي في النهاية بعد أن قام القادة القبليون السنة – الذين شعروا بتهديد طموح حلفائهم الجهاديين الدموي والذين أغرتهم الأموال والأسلحة والحماية الأمريكية – بتحييد مشاعرهم المعادية للأمريكيين والشيعة وإيران, في الوقت الحاضر على الأقل, وكرسوا جهودهم لمحاربة الجهاديين ونظفوا قلب المنطقة السنية في العراق – محافظة الأنبار – من مقاتلي القاعدة.
تقدم "بي بي سي" سياق هذا الحدث, "صحوة الأنبار", حيث تصف وضعاً يشبه إلى حد كبير الوضعَ القائمَ في سورية اليوم:
ولكن مع حلول سنة 2006, في أحد النتائج غير المقصودة للغزو, نجح المقاتلون الأجانب من أمثال الأردني أبو مصعب الزرقاوي – الذين أعلنوا الولاءَ للقاعدة وتلقوا الدعمَ المباشر من أسامة بن لادن – في السيطرة على االثورة. وقد سيطروا على مناطق واسعة من العراق.
وقد هددت ممارساتهم الوحشية بتمزيق البلاد. ...
بالنسبة إلى الشيخ جبار, الأزمنة اليائسة بحاجة إلى إجراءات يائسة وكانت تلك هي اللحظة التي أشعل فيها فتيلَ ‘الصحوة’, وهي عبارة عن هجوم عسكري معاكس تحالف فيه هو ومؤيدوه مع أعدائهم السابقين, الأميركيين, لمواجهة القاعدة.
طلب الشيخ جبار المساعدة من الأميركيين لكسر سيطرة القاعدة على محافظة الأنبار. وفي أواخر 2006 رتب اجتماعاً مع الكولونيل الأمريكي جون تين طلب فيه تزويد رجاله بالأسلحة والذخائر
لمحاربة القاعدة. كانت ‘الصحوة’ قد بدأت, مشيرة إلى نقطة انعطاف هامة في مستقبل العراق. وعلى الرغم من أن أعدادهم لم تكن تتعدى العشرات في ذلك الوقت, وصل عدد القوات التي سوف تُعرَف باسم ‘أبناء العراق’ إلى حوالي 100,000 أو ما يقارب ذلك.
كان قادة ‘الصحوة السنية’ في محافظة الأنبار من الوجوه القيادية في المجتمع, قادة قبَليون يتمتعون بعلاقات عائلية محلية ممتدة. كما كانوا يعملون يداً بيد مع الاحتلال العسكري الأميركي الذي يمتلك قدرة عسكرية فتاكة. وقد نجح هذا التحالف في هزيمة القاعدة في العراق.
في دراسة عن "الصحوة" نشرت في "واشنطن كوورترلي", اقتبس جون مكريري قول ابن أحد شيوخ الأنبار:
تمتلك ‘قوات الائتلاف’ قدرة عسكرية كبيرة. يتمتع المدنيون والقبائل بميزة لا تمتلكها ‘قوات الائتلاف’, وهي أنهم محليون – كانوا يعرفون من يأتي من الخارج. يعرفون من هم المتمردون ومن هم عناصر القاعدة بشكل عام, وبعد ذلك لم يبق أثر للقاعدة هناك. لن تصدق ما سأقول. لا أبالغ إن قلت إنه خلال شهرين, شهرين فقط, كان كل شيء قد انتهى.
أصبحت محافظة الأنبار, التي قاومت الأميركيين طيلة أربع سنوات, إحدى المناطق الأكثر أمناً في العراق بعد عدة أشهر من "الصحوة". وقد ساهمت الولايات المتحدة في هذا الجهد من خلال "جي إس أو سي" ("قيادة العمليات الخاصة المشتركة")؛ أي مبادرة الاغتيالات. وقد تم توصيف هذه المبادرة من قبل بوب وودوورد أثناء ترويجه لكتابه حول حرب العراق , "الحرب الداخلية":
منذ أواخر ربيع 2007, أطلق الجيش الأمريكي ووكالات الاستخبارات الأمريكية سلسلة من العمليات السرية التي مكنتهم من تحديد واستهداف وقتل أفراد بارزين في مجموعات مثل القاعدة في العراق, والتمرد السني, والميليشيات الشيعية, أو ما سمي بالمجموعات الخاصة. وقد شملت العمليات بعض التقنيات والمعلومات المصنفة على أنها سرية للغاية في الحكومة الأمريكية.
طالب الضباط الكباروالمسؤولون في البيت الأبيض بعدم نشر تفاصيل أو أسماء مشفرة فيما يتعلق بهذه البرامج الحاسمة, قائلين إن نشر الأسماء وحدها يمكن أن يلحق الأذى بالعمليات التي أثبتت فعاليتها في العراق. ونتيجة لذلك, تم حذف تفاصيل عملياتية معينة من هذا التقرير ومن كتاب " الحرب الداخلية".
لكن عدداً من المصادر المطلعة يقول إنه كان لهذه النشاطات السرية أثر واسع على العنف وربما كانت العاملَ الأكبر في الحد منه. وقال البعض إن 85-90% من العمليات الناجحة و "المعلومات الاستخباراتية المفيدة عملياتياً" جاءت نتيجة المصادر والطرق والعمليات الجديدة. بينما قال آخرون إن هذا الرقم مبالغ فيه لكنهم اعترفوا بأهمية هذه العمليات.
قام اللواء ستانلي مكريستل, قائد "قيادة العمليات الخاصة المشتركة" المسؤولة عن مطاردة القاعدة في العراق, باستخدام ما أسماه "الحرب التعاونية", التي تعتمد على استغلال أي وسيلة متوفرة في الوقت نفسه, من اعتراض الإشارات إلى الاستخبارات البشرية والطرق الأخرى, تسمح بالهجوم الصاعق أو تساعد في تنفيذ العمليات القائمة.
رداً على سؤال حول الإنجازات الاستخباراتية في العراق, قدمَ الرئيس [جورج و.] بوش جواباً بسيطاً: " ‘جي إس أو سي’ رائعة للغاية."
إذا نظرنا إلى سورية من خلال عدسة ما حدث في العراق المجاور, يتضح أن الطريقة الوحيدة لإحلال النظام في البلد تتمثل في انتقال يتجاوز معارضة الخارج الضعيفة والمناوئة للحكومة ويعمل على خلق تحالف بين العناصر السنية المعتدلة في الداخل والقوة العسكرية المحلية المهيمنة – أي الجيش السوري, في هذه الحالة – وإطلاق المصالحة الوطنية من خلال تنظيف البلد من السلفيين.
بدا أن هناك بوادر "مفاوضات حول الانتقال", أي صفقة, مع نظام الأسد في المراحل الأولى من عملية تشكيل "الائتلاف", ولكن من غير المستغرب أن المقاربة المتطرفة "على الأسد أن يذهب/لا مفاوضات" قد انتصرت. وهذا مؤسف – على الأقل بالنسبة لأولئك الذين يودون رؤية نهاية متفقاً عليها لهذه المذابح المروعة – لكنه مفهوم.
للمتقلبين حدودهم
الولايات المتحدة والغرب متمترسان في موقف "على الأسد أن يذهب". من المفترض أن يكون بمقدور الولايات المتحدة أن تغير موقفها استجابة لإعلان بالإجماع لصالح المفاوضات من قبل المعارضة السورية, لكن ذلك لم يحدث:
قال بعض آخر المتمسكين إنهم يشكون إن الاتفاق طريقة ماكرة يستخدمها المجتمع الدولي للتفاوض مع الأسد حول الانتقال إلى حكومة جديدة. ولذلك فإن عبارة واحدة في الاتفاق تحول دون مثل هذه المحادثات.
يمكن للمرء أن يتوقع أن "آخر المتمسكين" بالميثاق المتطرف ليسوا مدفوعين بروادع أخلاقية عارمة و/أو غضب غير منطقي على إنهاء المذابح في سورية عبر الحوار مع الأسد؛ فهم يعارضون أيضاً محاولة تهميش وإقصاء الإسلامويين المتطرفين من الحركة المعدلة.
في قلب هذا كله, كان هناك الجهد المتعَب المعتاد لإلحاق العار بروسيا وجمهورية الصين الشعبية وتحميلهما مسؤولية حل المشكلة السورية التي خلقها الغرب من خلال الضغط على الأسد.
تم تصوير مشروع النقاط الأربع الذي تقدمت به الصين لدعم عملية السلام بإشراف الأمم المتحدة, وليس للمرة الأولى, في سرد غربي ينطوي على فكرة أن الصين تحاول إصلاح الضرر الذي لحق بسمعتها الدولية نتيجة إعاقتها لقرار مجلس الأمن حول سورية.
هناك مشكلتان كبيرتان في هذه القصة حول الإرشاد الليبرالي الجديد الغربي لجمهورية الصين الشعبية المتبلدة أخلاقياً. أولاً, منذ تموز/يوليو 2012 تقوم الولايات المتحدة بدراسة "الحل اليمني", أي أن يسلم الأسد السلطة إلى مجموعة مختارة بعناية من المؤيدين والمعارضين يحافظون على الوضع القائم ولكن بشكل معدَل وأكثر ديمقراطية. هل يتذكر أحد مناف طلاس, الأمير العسكري السوري/المنشق الذي تم التهليل له بصفته موحدَ المؤيدين والمعارضين في هذا الصيف؟ ربما لا تتذكرونه.
إن موقف الولايات المتحدة الملتبس والمراوغ – والميل نحو الموقف الصيني – ليس فقط منذ أربعة أشهر ولكن أيضاً خلال أيام المماحكات التي أدت إلى تشكيل "الائتلاف" ليس مثالاً على حافز للصين لكي تغير موقفها من القضية السورية.
كما أن جمهورية الصين الشعبية تدفع بمبادرتها السورية منذ بداية 2012, مع الحسابات المعقولة, ولكن غير المسموعة حتى الآن, التي تقدم دورها القوي في الشرق الأوسط بمثابة بديل عن الفوضى الديمقراطية بالنسبة إلى الحكومات الاستبدادية – مثل السعودية – والديمقراطيات المروضة – كما في إيران – في بلدان الجوار: بكلمات أخرى, تعزيز دورها بصفتها أكبر مشترٍ في العالم للنفط السعودي والإيراني لتلعب دور الكفيل للنمو الاقتصادي والداعم للاستقرار السياسي في المنطقة.
هذه استراتيجية جيوسياسية معقولة نسبياً, وخاصة أن الولايات المتحدة تفطم نفسَها بنجاح على نفط الشرق الأوسط – والحاجة إلى مشاركة السعودية بعمق وبشكل كامل في قلقها حول أمنها المحلي – والفضل يعود في ذلك إلى المماحكات الداخلية وشحنات النفط الخام القادمة من كندا.
بالاستناد إلى أوراق الشاي الصحفية, ليس هناك أية إشارة أن الصين ستتخلى عن استراتيجية "الطريق الوسط" لكي تلعب دور القرد المدرب الغبي عند الغرب, بحيث تتبنى دون أي تفكير مزايا تغيير النظام من الخارج مما يلحق الضرر بها, وهو دور يعتقد المراقبون الأجانب أن بكين سوف تقبل به بسرور لكي تنال رضى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
من غير المستغرب أن تحليل "جنهوا" أدرك أن "الائتلاف" كان "مريباً", وانتقد رفضَه ل "الحوار", كما ذكر بعض أعضاء المعارضة الداخلية الذين – كما تشير "جنهوا" – يتمتعون بمؤهلات أكبر لمناقشة مصير سورية أكثر من تلك التي يمتلكها معارضو الخارج في الدوحة.
فقد قال لؤي حسين, رئيس الحزب المعارض "بناء الدولة السورية", إن حزبه يرفض أي شيء يصدر عن المعارضة المتمركزة في الخارج: "نرفض تشكيل أي حكومة انتقالية في الخارج وأي قرار آخر ... وننظر إلى فعل كهذا بمثابة العدوان الفعلي على حق السوريين في اختيار قيادتهم وتحديد مصائرهم."
كما قال إن حزبه سوف يحرك الرأي العام السوري لإحباط الجهود الرامية إلى تشكيل حكومة في الخارج. وأضاف: "إن تشكيل أي حكومة مؤقتة في الخارج يشجع على زيادة الانقسامات في المجتمع السوري ويوسع, بذلك, رقعة الحرب الأهلية."
أجرت "جنهوا" مقابلة مع لؤي (الذي أمضى سبع سنوات في السجون السورية) في دمشق؛ فبينما تكرس وسائل الإعلام الغربية كل جهودها للتقارير الإخبارية عن الحرب, والسياحة الحربية, وصحافة المجازر المروعة, وتسخر من حكومة الأسد, عززت "جنهوا" من وجودها داخل البلد في محاولة للترويج للحل السياسي الذي تقترحه جمهورية الصين الشعبية.
دعا لؤي إلى "إجماع دولي" لحل الأزمة؛ في اللغة السورية, هذا هو الموقف الصيني الذي يدعو القوى الأجنبية إلى التوقف عن مساعدة المتمردين وتحويل التركيز الدولي من تغيير النظام إلى إرغام المتمردين على الدخول في مسار حوار سياسي تفضله روسيا والصين.
في حال كانت السعودية غاضبة من العنجهية التي أبدتها قطر والولايات المتحدة, ومن المرجح ذلك, فإن لدى الصين فرصة لتقديم نفسها بصفتها صديق المملكة المتفهم وإعادة توجيه رؤية الملك عبد الله نحو الاقتصاد ومستقبل بلاده بصفتها شريك الصين في مجال الطاقة. ربما تقرر السعودية أن حملتها المضادة للشيعة وإيران قد حققت معظم الفوائد التي يمكن توقعها, وأن الوقت قد حان لوضع حدٍ لتهريب السنة المتطرفين إلى سوريا.
ومع ذلك, ربما لاستطيع الرياض مقاومة فكرة تفجير نظام الأسد من الداخل, وفي كل حال فإن نافذة المباحثات السارة حول الحلول السياسية تُغلق بسرعة.
فقدت حكومة الأسد السيطرة على مناطق كثيرة. وبناءً على الاعتماد المتزايد على القوة الجوية, يبدو أن الحكومة قد قررت أن قتال الشوارع لن يُحرر المناطق المحتلة وأن النظام مهتم الآن بمنع المسلحين من الإفادة من المواقع التي يتمركزون فيها من خلال استخدام الطائرات الحربية والحوامات المقاتلة. وهذا ليس نذيرَ خير بالنسبة إلى مدينة دمشق في حال انتقل القتال من مدينة حلب إلى العاصمة.
يبدو أن المبادرة عند المتمردين تكمن في العمليات العدوانية والانتهازية وغير الشعبية, كما تبدو المعارضة المسلحة محبَطة – في جهودها لإسقاط نظام الأسد – جراء عدم رغبة الحكومات الغربية في إمدادها بالمال والسلاح والدعم اللازم لإنهاء مهمتها – وإنهاء سورية.
في هذه الظروف, من غير المرجح حصول تسوية سياسية, مهما كانت مرغوبة, إلا إذا قامت قوة رئيسة – ربما لا تتجسد في "الائتلاف", بل في رجل سني قوي ميال إلى إحلال النظام يخرج من الجيش السوري – بترجيح الكفة بطريقة أو بأخرى.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة والغرب – المهتمين بشكل رئيس بإيجاد مخرج سلس من الأزمة السورية التي ساهموا, إلى درجة كبيرة, في خلقها – سوف تأتي النهاية قريباً جداً.
أما بالنسبة إلى جمهورية الصين الشعبية – والتي, لأسباب متعلقة بأمن الطاقة, ملتزمة بالاشتراك في اللعبة الطويلة في الشرق الأوسط – فإن الفوضى الدموية في سورية تشكل تحدياً آخرَ لبكين لتعزيز مصالحها في المنطقة الأخطر في العالم.
وبالنسبة للشعب السوري, لا بد أنهم يشعرون أن هذه المعاناة ستدوم إلى الأبد.
الجمل- قسم الترجمة
التعليقات
هذا نموذج للمقال الذي يكتبه
إضافة تعليق جديد