التسعير الإداري يمر فوق أعناق المزارعين والقلاحين

12-01-2008

التسعير الإداري يمر فوق أعناق المزارعين والقلاحين

لا يزال التسعير الإداري على قائمة الصعوبات التي تعاني منها الصناعات الغذائية في الشركات العامة.

هذه المشكلة التي ينطبق عليها القول المأثور: مصائب قوم عند قوم فوائد.. بمعنى أن عدم بيع منتجات الشركات الغذائية بالأسعار الرائجة يحقق خسائر لها في ميزان الإيرادات يقارب المليون ليرة لشركات الزيوت فقط كل سنة. ‏

لكن في المقلب الآخر أي في المؤسسات التسويقية العامة والسوق الداخلية تتحول خسائر بعض الشركات إلى أرباح منظورة تعود إلى الخزينة العامة واخرى تذهب إلى بعض التجار الوسطاء الذين نموا في مستنقع الفساد الذي تكون بفضل التسعير الإداري وعشش فيه ضعاف النفوس من تجار وموظفين حققوا ثروات طائلة من وراء هذه التجارة التسعيرية. ‏

ونستطيع القول في هذه العجالة إن آلاف الأطنان من منتجات الشركات الغذائية التي كان من المفروض أن تتابع طريقها إلى منافذ البيع العامة وفق شروط عقود البيع إلا أن الطمع بفارق السعر بين الأسعار المدعومة لتلك المنتجات والسعر الرائج كان كفيلاً بتحريك غريزة الجشع عند بعض الموظفين وبالتالي بيع تلك المنتجات قبل أن تصل إلى منافذ البيع العامة مقابل مبالغ مجزية يدفعها التجار إلى هؤلاء الموظفين.. وخير دليل على ذلك اننا نرى بعض منتجات القطاع العام في السوق السوداء تباع في حين هي مفقودة في صالات المؤسسات التسويقية وبأسعار تصل إلى ضعف السعر الذي قبضته الشركة المنتجة ثمناً لبيع تلك المنتجات. ‏

‏ بكل الأحوال لن نغوص كثيراً في موضوع تلك الصفقات لأنه قريباً ستكون بين أيدينا أمثلة حية عنها بالرقم والصورة إلا أن الذي دفعنا إلى إثارة موضوع التسعير الإداري هي عشرات الشكاوى التي أطلقها الفلاحون والمزارعون في شتى المناطق والقرى السورية ومفادها خلو مستودعات الجمعيات الفلاحية التعاونية والمؤسسة العامة للأعلاف من مخصصات أغنامهم وأبقارهم من المواد العلفية (كسبة وقشرة) المقرر توزيعها عليهم بالسعر المدعوم من قبل تلك الجهات العامة وما زاد في معاناة الفلاحين لدرجة اسمعوا أصوات استغاثاتهم معظم الجهات الرسمية بالطرق البريدية والإعلامية هو أن المواد العلفية متوفرة في السوق السوداء بأسعار تزيد عن ضعف ثمنها في المنافذ العامة. ‏

وطبعاً هذه الزيادة غير المحسوبة التي يدفعها مربو الأغنام والأبقار سنوياً بل يومياً ستنعكس على تكلفة إنتاج مادة الحليب بطبيعة الحال فالبقرة التي تأكل يومياً 15 كيلوغراماً من الأعلاف المشتراة من السوق السوداء أي ما يعادل سعرها 400 ليرة فإن ذات البقرة ستنتج 20 كيلوغراماً من الحليب وبالتالي من الطبيعي أن يبيع صاحبها الكيلوغرام الواحد من الحليب بـ20 ليرة كمعادلة حدية تغطي النفقات دون أرباح. ‏

وانطلاقاً من هذه التكلفة عقدت عدة اجتماعات في العام الماضي بين ممثلي المؤسسة العامة للمباقر وشركات الألبان لمناقشة أسعار الحليب الخام المورد من المؤسسة ومطالبتها المستمرة بزيادة أسعار الحليب من 14.75 ليرة إلى 18 ليرة بزيادة تعادل 22% وبالطبع هذه الزيادة سوف تنعكس زيادة في أسعار منتجات شركات الألبان وإلا ستكون كفيلة بخسارتها. ‏

المؤسسة العامة للصناعات الغذائية حاولت فرض تسوية في موضوع التسعير على مبدأ «لا يفنى الذئب ولا يموت الغنم» من خلال عدة مقترحات سطرتها إلى رئاسة مجلس الوزراء عبر وزارة الصناعة حرصاً منها على عدم زيادة أسعار منتجات الألبان وعدم قدرة الشركات على تحمل أية خسائر وحفاظاً على الأسعار الحالية المعمول بها وتتمحور تلك المقترحات حول تحرير أسعار الكسبة والقشرة ومادة الحليب الخام وعدم التقيد بأية أسعار إدارية والبيع بالسعر الرائج.. أو الموافقة على تحديد سعر إداري للحليب المورد من المؤسسة العامة للمباقر إلى شركات الألبان وبسعر 14.75 ليرة للكغ الواحد اسوة بالسعر الإداري المحدد لمادة الكسبة منعاً لرفع أسعار منتجات الألبان.. أو الموافقة على بيع المباقر مخصصاتها من الكسبة والقشرة من شركات الزيوت مباشرة وبالسعر الإداري المحدد للبيع بموجبه لمؤسسة الأعلاف مقابل عدم رفع أسعار الحليب المباع حالياً بسعر 14.75 ليرة للكغ من المباقر إلى شركات الألبان وذلك للحفاظ على استقرار الأسعار في السوق المحلية لمنتجات الألبان ومشتقاتها. ‏

لكن ومع اعتقادي المتواضع أن المقترحات الثلاثة المذكورة أعلاه جديرة بالدراسة والمناقشة مع الجهات المعنية إلا أن مصيرها كان الرفض وهو ما شجع المباقر إلى إصدار قرار يقضي برفع سعر الكيلوغرام من الحليب الخام المورد إلى شركات الألبان إلى 18 ليرة.. ‏

بدون أدنى شك إن شركات الألبان ستجد نفسها حالياً أو لاحقاً أمام خيار وحيد هو تجديد عقود استجرار الحليب الخام من المباقر بالسعر الجديد وبذلك ستكون مؤسسة المباقر قد حلت أزمتها على حساب الشركات في حين الأخيرة لن يكون بمقدورها رفع أسعار منتجاتها وخاصة أنها قامت بذلك خلال العام 2007 كما أن أية زيادة أخرى تعادل رفع سعر الحليب الخام أي 22% ستخرج منتجات الألبان من المنافسة في السوق. ‏

هذا من جهة الألبان حيث عبر المهندس تحسين النايف مدير عام شركة ألبان دمشق عن رأيه في هذا الأمر قائلاً: إنه ليس مع تحرير أسعار الحليب الخام ولا الكسبة بل يفضل أن يتم بيع مؤسسة المباقر الكسبة من شركات الزيوت بالسعر المدعوم وأيضاً تبيع المباقر الحليب الخام لشركات الألبان بالسعر المدعوم من خلال عمليات شراء وبيع تتم بين هذه الجهات الثلاث دون وسيط مشيراً إلى أن تلك الجهات لها مصلحة حقيقية في بناء هذه العلاقة التكاملية الصناعية والتجارية. ‏

ولكن من جهة شركات الزيوت العامة فإن المهندس زياد صباغ مدير عام شركة زيوت حلب يطالب بتحرير سعر بيع الكسبة والقشرة على أن يتم البيع من خلال مزايدة علنية تتقدم لها كل جهة لها مصلحة بالشراء ومن ضمنها مؤسسة الأعلاف وإذا ناسبها السعر اشترت.. مستغرباً كيف يتم إلزام الشركة بسعر محدد يتم بموجبه بيع الأعلاف كامل إنتاجها من الكسبة والقشرة في حين تعاملها الجهات الوصائية معاملة القطاع الخاص وفي ذات الوقت أيضاً تشتري الشركة بذور القطن بالسعر الرائج وليس المدعوم. ‏

وأوضح أن اتباع الشركة أسلوب البيع وفق العرض والطلب يحقق لها إيرادات إضافية سنوية تقدر بـ800 مليون ليرة.. وهو الفارق بين سعر مبيع مادة الكسبة حالياً إلى مؤسسة الأعلاف وأسعارها في السوق الحرة المحلية. ‏

وإذا كان لمؤسستي الغذائية والمباقر مقترحات برفع أسعار الكسبة والحليب الخام أو المحافظة عليها فإن للمؤسسة العامة للأعلاف مبررات من نوع آخر وهي الطلب من مجلس الوزراء تأجيل الاقساط المستحقة لصالح صندوق تداول الاعلاف والمؤسسة العامة للاعلاف لعام 2007 الى العام الذي يلي استحقاق تسديد آخر قسط اي لغاية 1/7/2013 واستندت الاعلاف في طلبها هذا الى ظروف الجفاف السائدة في القطر وغلاء اسعار المواد العلفية في الاسواق المحلية والبورصات العالمية ولتخفيف العبء عن مربي الثروة الحيوانية وضبط واستقرار اسعار الاعلاف في الاسواق. ‏

علماً ان رئاسة الوزراء كانت قد وافقت بتاريخ 28/12/2006 على الاستمرار بالجدولة للقطاعين الخاص والتعاوني للذين التزموا بتسديد الاقساط المستحقة لصالح الصندوق والمؤسسة وتبقى الجدولة السابقة كما هي سبع سنوات اعتبارا من 1/7/2006 ولغاية 1/7/2012 مع الفوائد النظامية.. وايضا الاستمرار بالجدولة للقطاعين الخاص والتعاوني للذين لم يلتزموا بتسديد الاقساط المستحقة حتى تاريخ 31/12/2007 لصالح الصندوق ومؤسسة الاعلاف ولمن يرغب لمدة ست سنوات اعتباراً من 1/7/2007 وتنتهي بتاريخ 1/7/2012 مع الفوائد النظامية. ‏

يذكر ان الديون المستحقة لصالح شركتي زيوت حلب وحماة على مؤسسة الاعلاف تبلغ بحدود 079،5 مليارات ليرة مع الفوائد القانونية وبالتالي ان عدم تسديد الاقساط المستحقة او تأجيلها سيؤثر على سيولة مؤسسة غذائية وبالتالي لن تستطيع شركات الزيوت التابعة لها تسديد مديونيتها تجاه المؤسسة العامة لحلج وتسويق الاقطان ما قد يؤدي الى توقف الاخيرة عن تسليم البذور الى الشركات في حال حدوث اي تأخير بالتسديد مع ترتب فوائد قانونية على المبالغ غير المسددة من قبل غذائية. ‏

عمران محفوض

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...