التعليم الموازي والقضاء المحاذي
الجمل- د. عمار سليمان علي: من نافل القول: إن نجاح تجربة ما في قطاع ما يشكل مبرراً كافياً, بل وملزماً, لتكرار نفس التجربة في قطاعات أخرى, مع تغييرات وتعديلات تتعلق بطبيعة وظروف كل قطاع على حدة. وبما أن تجربة التعليم الموازي ـ على ما يصرح المسؤولون عنه والقيمون عليه ـ قد أتت أكلها وحققت أهدافها, وبما أن ونستون تشرشل الشهير قد أطلق قبل عشرات السنين قولته الشهيرة: إذا كان التعليم والقضاء بخير فالبلد بخير. فإن من المنطقي والمجدي والمفيد أن تنسحب تجربة التعليم الموازي على توأمه ـ في مقالة تشرشل ـ أي القضاء, ويمكن أن تسمى التجربة ـ منعاً لأي التباس بين التوائم ـ القضاء المحاذي. وتطبق فيها نفس مبادئ وأسس التعليم الموازي, وإن بأشكال مغايرة بسبب الاختلافات التكوينية والبنيوية والشكلانية والعملانية بين القطاعين التوأمين.
فالمبدأ في التعليم الموازي هو حرمان نسبة معينة ( ولتكن عشرة بالمائة) من الطلاب الذين أحرزوا علامات فرع جامعي معين تابع للدولة ويرغبون فيه من تحقيق رغبتهم, ومنح تلك المقاعد (العشرة بالمائة) لزملاء لهم لم يحرزوا العلامات اللازمة لذلك الفرع ولكنهم يمتلكون المال الذي يدفعونه مقابل تحقيق رغبتهم في دخوله. وعلى هذا الأساس يكون مبدأ القضاء المحاذي ـ توأم التعليم الموازي ـ هو حرمان نسبة معينة من المتقاضين الذين يمتلكون كافة الثبوتيات اللازمة وغير اللازمة من كسب دعاويهم والحكم فيها لصالح خصومهم الذين يفتقرون للثبوتيات اللازمة ولكنهم يمتلكون المال الذي يدفعونه مقابل كسب الدعاوى.
أما بالنسبة للأهداف المتوخاة من القضاء المحاذي فهي مشابهة ومشتقة من مثيلاتها المتوخاة من التعليم الموازي. فالهدف الأول للتعليم الموازي هو زيادة إيرادات الجامعات المالية بما يمكن أن يساهم في تأمين احتياجاتها وتلبية متطلباتها ورفع سويتها العلمية وتحسين شروط البحث العلمي. وقد تحقق هذا الهدف بشكل منقطع النظير, حيث ضعف البحث العلمي بنفس نسبة تضاعف أعداد الطلاب في التعليم الموازي!. يقابل هذا الهدف في القضاء المحاذي زيادة الإيرادات المالية للمحاكم وللهيئات القضائية والمؤسسات العدلية بما يمكن أن يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي, وربما بما يمكن أن يفيض عن الحاجة, لإشباع القضاة والمحامين وما بينهما... إن كانوا يشبعون!.
أما الهدف الثاني للتعليم الموازي فهو منع تسرب الطلاب والأموال إلى خارج القطر, كما كان يحدث سابقاً, حيث كان معظمهم يحصلون على شهاداتهم بعرق أموالهم وتعب آبائهم. أما الآن فباتوا في التعليم الموازي يحصلون على شهادات مماثلة لشهادات زملائهم الذين تفوقوا عليهم في الثانوية, وإن كان ذلك أيضاً بعرق أموالهم وأموال آبائهم, ولكنها في النهاية تصب في خزينة الدولة. ويقابل هذا الهدف في القضاء المحاذي منع تسرب الأموال خارج خزينة الدولة, لأن ما كان يدفع كرشاوى وهدايا وتسهيلات وسمسرات يتحول بشكل شرعي ومقونن إلى خزينة الدولة, وربما يؤسس له صندوق خاص يسمى صندوق القضاء المحاذي, وتوضع القوانين والتعليمات اللازمة لإدارته بكل عدل ونزاهة وصدقية وشفافية.
يبقى الهدف الأخير للتعليم الموازي وهو انتفاء الحاجة إلى الاستثناءات التي كانت تمنح لطلاب مدعومين للتسجيل في فرع جامعي معين لم يحصّلوا العلامات اللازمة له, حيث أصبح بإمكانهم التسجيل بشكل عادي ونظامي ومقونن في التعليم الموازي. وهذا ما يقابله في القضاء المحاذي انتفاء الحاجة إلى الكثير من التدخلات في شؤون القضاء من قبل جهات أو شخصيات نافذة سياسياً أو مالياً أو اقتصادياً أو أمنياً أو رياضياً أو فنياً لتمرير حكم ما لصالح شخص مدعوم أو ضد شخص مغضوب عليه, أولشطب دعوى معينة مرفوعة ضد جهة أو شخصية نافذة أو مدعومة أو مهمة, أو للتنازل عن قضية محقة تسيء إلى سمعة البلد والناس والشعب, حيث يصبح بإمكان تلك الجهات والشخصيات النافذة اللجوء بشكل عادي ونظامي وقانوني إلى القضاء المحاذي.
تبقى ملاحظة أخيرة: إذا لم تكف نسبة العشرة بالمائة المخصصة للتعليم الموازي في مجال القضاء المحاذي بسبب غزارة الطلبات, فيمكن زيادتها إلى عشرين أو ثلاثين أو حتى خمسين بالمائة. ويمكن أيضاً التفكير جدياً ـ وهذا أجدى ـ في تحويل القضاء كله إلى القضاء المحاذي. وعليكم وعلى القضاء السلام.
الجمل
التعليقات
صعود التفاهة
الكلام لا يجر إلا كلام
التحويل من
إضافة تعليق جديد