التلوث يغزو نهر العاصي
بعد أن كان مقصدا للمتنزهين ومصدرا حيويا للزراعة الطازجة لسنوات طوال تحول نهر العاصي إلى مثال صارخ للتلوث ومصدر للروائح الكريهة وكذلك مصدر إزعاج للمواطن و المسؤول على حد سواء.
حيث شكلت مخلفات معمل سكر جسر الشغور وفيضانات مجاري الصرف الصحي المنسابة في النهر مصدرا رئيسا لتلوث النهر والمزروعات في المناطق المار منها إضافة إلى دوره في تلويث المياه الجوفية القريبة منه . ولعل مدن جسر الشغور ودركوش التي يمر عبر "حدودها" النهر انتهاء بقرى عديدة في منطقة حارم هي الأكثر تضررا بتلوث النهر خاصة المناطق المحاذية له الأمر الذي دفع المسؤولين غير مرة لزيارة الموقع للاطلاع عن كثب على واقع النهر وحقيقة تلوثه ووضع الخطط والحلول لمعالجته فكانت حبراً على ورق رسمي.
مياه نهر العاصي التي شربناها ذات يوم غير بعيد بايدينا اصبحت لا تعافها الانفس فحسب وانما تضطر الى كتم الانفاس للمرور من قربها كعابر سبيل .. بهذه العبارة وصف ابناء مدينة جسر الشغور وضع نهر العاصي. واضافوا: انه ومنذ فترة كانت مياه العاصي تحت المجهر واستحوذ على اهتمام الحكومة وخاصة بعد انهيار سد زيزون حيث قام عدد من الوزراء المعنيين بزيارة النهر واطلعوا عن كثب على ما حدث لمياهه من تلوث.
وجسر الشغور وغيرها من قرى ومناطق المحافظة في تلك المنطقة كان قدرها ان تستقبل عبر مياه النهر كل ما يجري به وكل ما يلقى به سواء من المياه العادمة او مخلفات المصانع المنتشرة مع امتداده. .. ومثلما كان هذا القدر كان المزارعون فيها يعيشون قدرا اخر وصراعا مع الجهات الرسمية فالمزارعون يريدون زراعة بساتينهم وسقايتها كما اعتادوا عليها منذ امد بعيد والمسؤولون في ادلب يقفون سدا منيعا يحول دون ذلك وفي كل محاولة يقوم بها المزارع بزراعة المواد التي تؤكل طازجة يكون الاتلاف حليفها اللهم الا المناطق التي تتوفر فيها نزازات من الينابيع المجاورة لمجرى النهر.
مصادر عديدة اكدت ان هناك مشكلة بيئية وتلوثا واضحا في مياه نهر العاصي من مصادر معروفة من مصانع وغيرها في محافظات حمص وحماة وادلب مشيرة الى انه وبسبب عدم صلاحية هذه المياه لسقاية المزروعات التي تؤكل طازجة فان المراقبة غائبة للزراعات على جانبي النهر.
واقر احد المزارعين بوجود مخالفات زراعية من قبل بعض المزارعين على جانبي مجرى نهر العاصي وسقايتها من مياه النهر بدليل انه بزيارة واحدة لمنطقة نهر العاصي تمكن ملاحظة حقيقة الامر .
واضافوا: إن مياه العاصي بما تحتويه من مخلفات المصانع من المواد الكيميائية الحارقة عملت خلال السنوات الماضية على تغيير طبيعة المكان وحرق النباتات الطبية والازهار وانواع من الاشجار كالدفلى والطيون والعليق والصفصاف التي لم تعد تشاهد في الموقع كما كانت في السابق اضافة الى تاثير هذه المياه على المياه الجوفية.
و اكد عدد من المزارعين في منطقة النهر ان استخداماتهم لمياه النهر تنحصر في سقاية الاشجار فحسب وان الزراعات الخضرية في المنطقة تسقى من الينابيع العذبة وكشفت الجهات المسؤولة عليها غير مرة وتمنى المزارعون ان تعود مياه النهرالى سابق عهدها لتجعل من المناطق المحاذية له جناناً خضراء بالخضار والفاكهة والتي من شأنها ان تسهم في تحسين دخل المزارعين وتنهي مشكلة التلوث التي تعاني منها المنطقة .
ويرى ابناء مدينة جسر الشغور ان نهر العاصي بعد ان كان مقصدا للمتنزهين الباحثين عن الجلسات الهادئة في احضان الطبيعة اصبح مثالا للتلوث ومصدرا للروائح الكريهة ومصدر ازعاج لكل المسؤولين لعدم قدرتهم على السيطرة على سلبيات هذا النهر صاحب التاريخ المشرق والواقع الحالي المظلم ..فقد شكلت مخلفات معمل السكر ومخلفات بعض المصانع وفيضانات مجاري الصرف الصحي المنسابة في النهر ، تهديدا للواقع البيئي المتعب اصلا في مدينة مثل جسر الشغور اوفي مدينة مثل جارتها دركوش وحمامات الشيخ عيسى، فكلتاهما تئنان تحت وطاة التلوث الناجم عن عوامل كثيرة.
ولعل القاطنين على اطراف النهر من منطقة جسر الشغور مرورا بحمام الشيخ عيسى وانتهاء بقرى منطقة حارم يدركون عمق الماساه التي ماتكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد وشكوى اهالي المنطقة المحاذية لنهر العاصي من الروائح المنبعثه من «نهر العاصي» الذي بات يستخدم لتجميع المياه العادمه القادمه من مختلف مناطق محافظات حمص وحماه بالاضافة الى منطقة جسر الشغور في محافظة ادلب .
في الواقع إن مصادر التلوث لمياه نهر العاصي في محافظة إدلب كثيرة منها مصادر منزلية وهي ما يلقى من ملوثات في المياه من أقذار مختلفة (قمامة) ناتجة عن فضلات استخدام البيوت وتزداد بازدياد سكان المناطق المتاخمة لمياه النهر. ومصادر صناعية ناتجة عن طرح الفضلات الصناعية التي تتميز بشدة احتوائها على مواد سامة خطرة يصعب التخلص منها أو من المركبات الكيماوية ومصادر زراعية تأتي من استخدامات التربة للمخصبات الزراعية والمبيدات الحشرية. ومصادر بشرية وحيوانية مثل الاستحمام في الأنهار للإنسان والحيوان، وكذلك قيام النساء بغسل الأواني والملابس على أطرافه بالريف وكذلك إلقاء جثث الحيوانات النافقة على الأطراف والتبول في الأقنية، ومصادر نباتية حيث تتكاثر بعض النباتات المائية وهي الحشائش المائية الضارة التي تسد القنوات المائية وروافد نهر العاصي، والنبات الواحد يتضاعف مئة مرة خلال ثلاثة أشهر، ووجودها الكثيف في أي مسطح مائي يعوق الحركة ويستهلك جزءاً من مياه العاصي، كما يوفر مناخاً مواتياً لنمو الكائنات التي تلعب دوراً هاماً في أمراض عديدة كالبلهارسيا والملاريا الكبدية، كما يعرض الثروة السمكية للموت.ت.. أما مصادر الصرف الصحي فقد تحدث بتلوث مياه الشرب من خلال مجاري الصرف الصحي، والصورة التي نحن بصدد الحديث عنها تقدم لنا الواقع كما هو من دون رتوش.. ففي بلدة دركوش بمنطقة جسر الشغور تم توحيد المصبات في مصب رئيس لتذهب من بعده مياه الصرف الصحي إلى نهر العاصي من الجهة الغربية للبلدة، وفي مدينة جسر الشغور تصب الصرف الصحي في نهر العاصي من أربع جهات، وسيتم تنفيذ مشروع توحيد هذه المصبات في (خط مجمع) لتوحيدها وإخراجها خارج المخطط التنظيمي لمدينة جسر الشغور من الضفة الغربية للنهر ومن ثم تصب في نهر العاصي و هناك العديد من القرى في المنطقة تقع جنوب وشمال مدينة جسر الشغور تصب مياه الصرف الصحي الناتجة عنها في مجرى نهر العاصي هذه القرى هي عين العصافير وغانية واستبرق والجانودية والمعلقة والمرج الأخضر وعين السودة والحمامة وزرزور وقرية الشغور الفوقاني التي تصب في النهر الأبيض وبدوره يصب في نهر العاصي ؟.
مرة أخرى تدوي صرخات العاصي من جراء الإهمال والاعتداءات التي تنهش في جسده حيث تلقى معظم المخلفات من دون معالجة في العاصي في ظل تجاهل وغياب أصحاب الشأن المطالبين بالمحافظة على سلامة النهر من خلال التأكيد على ضرورة تسعير المياه التي تستجرها الفعاليات الصناعية وإلزام الجهات المسببة للتلوث بمعالجة التلوث وهذا يستدعي مساءلة وزارات الإدارة المحلية والبيئة والإسكان والتعمير وضرورة دراسة تأثير الصرف الزراعي والصحي على بيئة النهر الذي قد يكون أكبر بكثير من تأثير النشاط الصناعي ؟.
إن نهر العاصي بحد ذاته ومع تزايد السكان لن يكون كافياً لإرواء القاطنين في حوضه وهذا يستدعي التنبه واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه الإشكالية من الآن.
والخريطة الكاملة للتلوث في نهر العاصي تؤكد ان قضية مكافحة تلوث مياه العاصي من القضايا التي يجب أن تجعلها كل من وزارات الإسكان والتعمير والصحة والإدارة المحلية والبيئة والسياحة على قائمة أولوياتها خاصة في ظل تلوث مياه العاصي حيث أثرت الممارسات الخاطئة للمواطنين على مياه العاصي ففي الوجه المقابل تقع عشرات القرى والمزارع في الشريط الزراعي الضيق على جانبي نهر العاصي يتخلص سكانها من المخلفات الآدمية إما بإلقائها مباشرة في نهر العاصي أو من خلال أنظمة صرف صحي غير مناسبة تؤدي بدورها إلى تلوث المياه الجوفية والسطحية من خلال الارتشاح والتسريبات.
وفي منطقة جسر الشغور يتخلص الكثير من القرى من الصرف الصحي مباشرة في نهر العاصي أو في شبكات الأقنية والمصارف وخطورة هذه المركبات أنها تشمل مواد عضوية وبكتيريا خطيرة وضارة بجانب ملوثات الصرف الصحي.. كما نجد أن هناك أكثر من مئة مصرف زراعي تصرف مياهها الملوثة على نهر العاصي، ونظراً لتضاعف استخدام السماد أربع مرات في العقود الثلاثة الأخيرة فإن ذلك أدى إلى زيادة محتويات الفوسفور في مياه الصرف وزيادة الطحالب.. .. وبالنسبة للصرف الصناعي في نهر العاصي فإن هناك منشآت صناعية كبيرة تصرف في مياه العاصي أمثال معمل سكر جسر الشغور وغيره من المنشآت الصناعية الأخرى المتنوعة، كما يتم صرف بعض هذه المخلفات الصناعية السائلة الخارجة من المصانع على شبكات الصرف الصحي للمدن ويقلل ذلك من الصرف المباشر للمخلفات الصناعية السائلة على العاصي إلا أن ذلك يسبب مشكلات كبيرة لوجود مكونات سامة في تدفقات المخلفات الصناعية السائلة الخارجة من المصانع.
إذا كانت وزارة الري ممثلة بالمديرية العامة لحوض العاصي جادة بالارتقاء بواقع حال نهر العاصي وإنقاذه من التلوث الذي يتعرض له، فإن عليها إطلاق المياه المخزنة بالبحيرات والسدود في مجرى النهر بين الفينة والأخرى وذلك بهدف إزالة الملوثات والتعديات المتراكمة طول العام. وإن هذه العملية مرتبطة بزيادة منسوب المياه القادمة من البحيرات والسدود التخزينية التي نعتقد أنها زادت في السنتين الماضيتين وهذا من شأنه تخفيف نسبة التلوث والتخلص من المياه الزائدة.. وإذا كان لابد من تنظيم النهر فعلى المعنيين شق سبيل صحيح لتنظيمه بصورة أحسن في نهاية الأمر، لضمان نمو الاقتصاد المستديم للمحافظات الثلاث حمص وحماة وإدلب.. وأيضاً لحماية بيئة تلك المحافظات؟.
يمكن اتخاذ العديد من الإجراءات لحماية نهر العاصي والمسطحات المائية التي تتلخص في تحسين نوعية الموارد المائية فيه ككل، وإقامة مشروع إيقاف الصرف الصناعي على الأقنية والمصارف والبحيرات والشواطئ، وإنشاء نظم إدارية بيئية متكاملة لجميع البحيرات في سورية. واستكمال خطة مكافحة التلوث البحري بالزيت.والكيماويات، وتبنّي سياسات الإلزام والالتزام بأحكام القوانين البيئية، وترويج مفاهيم الإدارة البيئية المتكاملة في المدن الصناعية، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال خدمات الإدارة البيئية، وإجراء مراجعة مستمرة للمعايير الخاصة بالصرف الصناعي وغيره الملوث.
مازالت معاناة سكان منطقة جسر الشغور وخاصة تلك المجاورة لنهر العاصي مستمرة مع قنوات الصرف الصحي الصناعي العشوائية القادمة من كل المحافظات والقرى والمدن والتي تخترق مسافة طويلة في اتجاه الشمال لتحول المنطقة إلى مستنقعات وبرك تنتشر على طول القناة العارية التي تنفث روائح تجعل استنشاق الهواء أمرا صعبا. بالنسبة لسكان المنطقة، وخاصة سكان جسر الشغور الذين ضاقوا ذرعا بهذه المياه الملوثة، رغم أن المسؤولين بالمنطقة قدموا وعودا بإصلاح الوضع لكن هذه الوعود ظلت بلا تنفيذ .
إلى ذلك يمتد تأثير مياه العاصي إلى داخل البيوت حيث الرطوبة القوية التي تجعل صمود طلاء المنازل أمرا مستحيلا وتجعل الروائح المنتشرة داخل البيوت مهددة للجهاز التنفسي، وهو الوضع الذي جعل بعض السكان المعوزين يعجزون عن اقتناء الأدوية ليتركوا أطفالهم عرضة لمضاعفات المرض الذي ينتظرهم .
علام العبد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد