" الثورة" الليبية تتغول على حقوق المرأة
يبدو أن المرأة في ليبيا تُعدّ من أكثر المستهدفين بالتغيير بعد ثورة 17 فبراير؛ فتارة يطالب البرلمانيون السلفيون بعزلها سياسياً، وتارة تصدر المحكمة الدستورية العليا تعديلاً في قانون الأسرة، فضلاً عن خطاب التحرير المشهود الذي دعا فيه رئيس المجلس الوطني الانتقالي سابقاً مصطفى عبد الجليل، الرجال إلى الزواج بأربع نساء.
إلا أن ما بات يُفسّر في الشارع الليبي على أنه عداوة للمرأة وضغائن لم تُعرف أسبابها تجاوز كل حدود المعقول حين تُحرَم المرأة حقوقها الشرعية.
فبعض المصادر المقربة من دار الإفتاء، أوضحت أن مفتي ليبيا العام الشيخ الصادق الغرياني، أصدر توصيات بمنع زواج الليبيات بأجانب، لإقفال الطريق أمام الزواج بشيعة. وأضافت أن هذه التوصيات جاءت من حرص المفتي على صون حقوق الليبيات والحفاظ على الهوية (الإسلامية السنية)، خوفاً من ازدياد عدد المتشيعين في المجتمع الليبي الموصوف بالمالكي المحافظ. إلا أن دار الإفتاء لم يصدر عنها أي بيانات توضح حقيقة ذلك.
التوصيات التي عُمِّمت على المحاكم الابتدائية في ليبيا بغرض عدم الإجازة والموافقة على أي عقود قران لزواج ليبيات بأجانب، أثارت موجة من اللغط في الشارع الليبي.
من البديهي أن يُفهم الأمر على أنه تحريم الزواج بغير المسلم، إلا أن التوصيات شملت المسلمين، الأمر الذي يخالف الشريعة الإسلامية نصاً ومفهوماً.
ويرى مراقبون أن توصيات المفتي هي بمثابة اعتداء على السلطة التشريعية المنتخبة في البلاد ومخاطبة السلطة التنفيذية من دون وجه حق، وخصوصاً إن كان القرار سياسياً كما يبرر البعض، حيث لا توجد شواهد دينية واضحة استُخدِمت على مر العصر الإسلامي تمنع زواج المسلمة بالمسلم.
وذهب بعض رجال الدين إلى الحديث عن بدع من شأنها الإضرار بمفهوم الشريعة، في الوقت الذي رأى فيه البعض أن هذه التوصيات هي تعدٍّ صريح على وليّ الأمر المباشر للفتاة، الذي هو وحده من يحق له قبول الزواج من عدمه بعد رأي المعني.
ورأى بعض الحقوقيين أن القانون رقم 10 لسنة 1984 بشأن الزواج والطلاق وآثارهما، لم يرد فيه نص يمنع زواج الليبيات بأجانب، وان عدم ذكر نص مانع يعني بمفهوم المخالفة الإباحة. وقد حدد القانون ذلك وأورد شرطاً تنظيمياً بخصوصه، وهو موافقة الشؤون الاجتماعية.
كذلك حدثت، عملياً، كثير من حالات زواج ليبيات بأجانب، حتى من غير العرب، لكن كانت تُطبّق فيها أحكام الشريعة الإسلامية بضرورة أن يكون الزوج مسلماً.
وأشار حقوقيون إلى أن رأي المفتي بخصوص المنع لم يرد فيه الأساس الشرعي لهذا المنع ولا السند القانوني، مبدين استغرابهم من تبني وزارة العدل لهذه الفتوى وتعميمها على المأذونين بعدم إبرام زواج ليبيات بأجانب وحظر منح الإذن من الشؤون الاجتماعية وتعميمها على المحاكم.
وذهب البعض برأيه بعيداً إلى نظرية المؤامرة ضد المرأة، ورأى أن قرار منعها من الزواج بمسلم غير ليبي هي محاولة لتركيع المرأة في ليبيا، وحصر خياراتها والتضييق عليها، وعدم إعطائها الحرية المطلقة التي كفلها الشرع في اختيارها للشريك المناسب.
ورأى أصحاب هذا الرأي أن هذه التوصيات جاءت لمحاولة إرغام المرأة في ليبيا على أن تكون زوجة ثالثة أو رابعة، رغماً عنها، الأمر المخالف للشريعة أيضاً.
واستند أصحاب هذا الرأي الى أن المرأة في ليبيا تشكل ثُلثي المجتمع، إلا أن أكثر الآراء حدية هي التي حذّرت من تفشي ظاهرة العنوسة وما قد يسببه الأمر من انحراف في المجتمع قد ينتج منه ازدياد حالات الزنا في البلاد.
هنا وقد علمت «الأخبار» أن القوى السياسية في ليبيا ومنظمات المجتمع المدني والكتلة النسائية في البرلمان بصدد رفض هذه التوصيات، وحصرها بمنع زواج المسلمة بشيعي فقط حتى لا تختلط المفاهيم وتلتبس، في الوقت الذي أجمع فيه الجميع على رفضهم تحريم ما أحل الله.
ريم البركي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد