05-03-2018
الجيش في وسط الغوطة: عزل الفصائل وفصل المنطقة
«لا مجال للتوقّف، نحن نحقق تقدماً كبيراً في الميدان، والقيادة أخبرت الجميع بأننا مصرّون على تنظيف الغوطة الشرقية، وها نحن نقترب من ذلك، فلمَ نتوقّف؟»، بهذه الكلمات، يعبّر ضابط رفيع في الجيش السوري عن إصرار دمشق على إنهاء وجود المسلحين في الريف الدمشقي. وعلى امتداد الليالي الثلاث الأخيرة، حقّق الجيش تقدماً واسعاً في عمق مناطق سيطرة الفصائل المسلحة هناك. ويشي مسار العمليات وتسارعها بقرب الانتقال إلى مرحلة جديدة، قد يحسم فيها ملف الغوطة
نجح الجيش السوري في التوغل إلى عمق الغوطة الشرقية. على مشارف مدينة دوما، أكبر مدن الغوطة والمعقل الرئيس لـ«جيش الإسلام»، تقف دبابات الجيش ومقاتلوه. بعد ليال ثلاث، خاض فيها الجيش مواجهات عنيفة مع المسلحين، أصبح اليوم على بعد خطوات قليلة من فصل جيب الغوطة إلى قسمين، شمالي وجنوبي.
ملامح خطة الجيش بدأت تتوضّح، فالهدف المقبل هو السيطرة على مسرابا ومديرا، لكون البلدتين مفصلاً أساسياً في العملية، بما يتيح اللقاء مع قوات الجيش المتمركزة في إدارة المركبات جنوب شرق مدينة حرستا، وبذلك يكتمل الحزام الذي سيفصل جنوب الغوطة عن شمالها. وبكلام آخر، «الحزام الذي سيفصل قرار المسلحين بين جيش الإسلام شمالاً، وفيلق الرحمن وجبهة النصرة وتوابعهما جنوباً»، كما شرح ضابط سوري رفيع.
منذ بداية العملية العسكرية، استغل الجيش السوري طبيعة الأراضي الزراعية المفتوحة، مع كثافة النيران، للتقدّم والتفوّق على المسلحين. وسيطر على عدد من التلال والمرتفعات التي منحته أفضلية من حيث الرصد والسيطرة النارية. من تل فرزات، كشف حوش الصالحية وأطراف أوتايا، ليسيطر عليهما لاحقاً، ثم أمّن طريق التقدّم نحو بلدة بيت نايم وسيطر عليها أيضاً. كذلك جرى التقدم نحو أطراف المحمدية شرق جسرين، وبهذا يكون الجيش قد بدأ فعلياً، قضم الجزء الجنوبي من جيب الغوطة الشرقية، وتضييق الخناق على مسلحي «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة» الذين يتمركزون في عربين وجسرين وحمّورية وعين ترما وجوبر والمنطقة المحيطة، في سياق الضغط عليهم للتفاوض لاحقاً وفق شروط الدولة السورية. «العمليات جرت وسط انسحاب مسلحي جيش الإسلام إلى المناطق الأكثر اكتظاظاً بالعمران والسكان، للاحتماء فيها»، يؤكّد الضابط في الجيش السوري. وإلى جانب المواجهات في مزارع العب، جنوب شرق دوما، تدور اشتباكات بين الجيش والمسلحين، على محور المشافي شمال حرستا، حيث يحاول الجيش هناك الالتفاف من محيط مستشفى الشرطة باتجاه إدارة المركبات، ليعزل تبعا لذلك مدينة حرستا ويحيّدها. كما يجري التقدم ببطء على محور مزارع الريحان، شرق دوما، لتأمين الحماية والدعم للقوات المتقدمة غرباً.
المفاوضات متوقّفة
رغم «الرسائل»
في الوقت الحالي، «المفاوضات متوقّفة تماماً، رغم الرسائل التي يوجهها المسلحون حول استعدادهم للتفاوض»، وفق ما أكّدت مصادر مطلعة . المسلحون يريدون مفاوضات في ظل وقف لإطلاق النار، وهذا ما يرفضه الجانب الحكومي، الذي لا يمانع المفاوضات، ولكن مع استمرار العمل العسكري، إذ بات واضحاً بالنسبة الى دمشق، عبر التجربة، أن المسلحين لا يذهبون للتفاوض إلا عندما تلوح هزيمتهم في الأفق. «طولُ أمل المسلحين وتعويلهم على الحملات الدولية أفقداهم فرصة الخروج من دون خسائر... حتى الآن، يبدو أنهم لم يتعلموا من تجربة حلب، سوى الاستمرار باتخاذ المدنيين دروعاً بشرية» يضيف المصدر. أن اشتباكاً وقع، الخميس الماضي، إثر محاولة مجموعة من مسلحي «جيش الإسلام» في دوما، تسليم نفسها للجيش، فعلمت قيادتهم بالأمر وأرسلت عناصر للقائهم، حيث وقع اشتباك أدى الى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، وانتهى بعدم خروج أحد منهم نحو مناطق الجيش. ويرى مصدر عسكري سوري أنه «في حال استمرار هذه الحركة، فهي تشكّل أزمة كبرى للمسلحين، وستساعدنا في قتالهم وتشتيتهم، ومن ثم التفاوض وفرض شروطنا عليهم».
في الحديث عن المفاوضات وخروج المسلحين، يبدو واضحاً أن الوجهة «المعتَمدة» لخروج مسلحي «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة» ومن معهم، هي بطبيعة الحال، إدلب ومحيطها. ولكن السؤال الأكبر اليوم، الذي بدأت دمشق التفكير في جوابه، والذي قد يشكّل إرباكاً للمفاوضات في مراحل قادمة، هو «إلى أين يمكن أن يخرج مسلّحو جيش الإسلام؟». «جبهة النصرة إلى إدلب، ولها هناك أرضية جاهزة لاستقبالها، بينما جيش الإسلام لا يمكن أن يكون مقبولاً هناك، فهم يكفّرون بعضهم علناً، وحتى التركي لا يمكن أن يقبل بجيش الإسلام في إدلب»، يجيب الضابط السوري الرفيع عن سؤال حول الوجهة المحتملة، ثم يضيف: «هنالك خياران مطروحان ويجري التداول فيهما، الأول يقضي بخروج مسلحي جيش الإسلام إلى مناطق أخرى قد يقبل المسلحون المسيطرون عليها استقبالهم، كمنطقة القلمون الشرقي مثلاً، ولكن هذا يخضع لحسابات كثيرة ومعقّدة ويحتاج إلى وقت لإقراره. أما الخيار الثاني، فهو أن ينضوي مسلحو جيش الإسلام مع جماعة النصرة وفيلق الرحمن، وبهذا يخرجون معهم أو يلحقون بهم إلى إدلب». ولا يعني ذلك أن خيار التسوية بين الجانب الحكومي و«جيش الإسلام» مقفل، لكنه يشتمل على تعقيدات تحتاج إلى حلول مسبقة.
قد يبدو من المبكّر الحديث عن المفاوضات وخروج المسلحين من كامل جيب الغوطة، غير أن تهاوي دفاعات المسلحين في وقت قياسي، لا يتجاوز اليومين، يمكن اعتباره تحوّلاً ميدانياً. إذ يعني فصل منطقة جنوب الغوطة عن شمالها، فرز المسلحين، وهذا يعني مفاوضتهم أو قتالهم بشكل منفصل، وهو ما يسهّل المهمة على دمشق، ويختصر الكثير من الصعوبات.
المصدر: حسين الأمين - الأخبار
إضافة تعليق جديد