"الحجاب" وسردية الصراع السياسي التركي
الجمل: في تركيا انتقل الحجاب من دائرة الرمزية الأخلاقية – الاجتماعية إلى دائرة الجيوبوليتيك والاستراتيجية وأصبح الخلاف حول ارتداءه ليس مجرد خلاف بين العلمانيين والمتدينين وإنما بات بمثابة شرارة تهدد بتوليد طاقة ديناميكية قد تؤدي إلى تغيير جوهري في الترتيبات الجيوسياسية الشرق أوسطية.
* الحجاب و"سردية" الصراع السياسي التركي – التركي الحالي:
في شباط 2008م اعتمد حزب العدالة التنمية التركي الحاكم تبني تعديلين دستوريين هدفا إلى رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الحرم الجامعي وبالفعل وافق البرلمان التركي على التعديلات المطلوبة، وعجزت أحزاب وقوى المعارضة العلمانية عن إسقاط هذه التعديلات داخل البرلمان. ثم تزايدت حملة القوى العلمانية ضد قرار السماح بارتداء الحجاب واتسع نطاق الحملة بشكل لافت للنظر وارتفعت بعض الأصوات داخل وخارج تركيا قائلةً بأن السماح بارتداء الحجاب سوف:
• يعرقل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
• يضر بالعلاقات التركية – الأمريكية.
• يشكل انتهاكاً للدستور العلماني التركي.
* كيف تحول "بالحجاب" إلى وثيقة إدانة دستورية؟
في 14 آذار 2008م رفع المدعي العام التركي عبد الرحمن يالسينكايا عريضة اتهام ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم طالب فيها المحكمة الدستورية التركية بحظر الحزب ومنع 70 من قادته من ممارسة العمل السياسي لفترة خمسة أعوام على الأقل، والتهمة الرئيسية التي شددت عليها العريضة تمثلت في اتهام الحزب بتقويض مبدأ علمانية الدولة التركية بسبب تبنيه للتعديلات الدستورية التي سمحت للمرأة التركية بحرية ارتداء الحجاب في الحرم الجامعي. وتداعت بعد ذلك المفاجآت الدراماتيكية:
• وافقت المحكمة الدستورية العليا التركية على قبول عريضة المدعي العام بعد مرحلة "القراءة الأولى".
• انتقدت منظمات حقوق الإنسان الأوروبية ومجلس حقوق الإنسان التابع للاتحاد الأوروبي عريضة المدعي العام وقرار المحكمة الدستورية العليا واصفةً ذلك بأنه يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد في تركيا!!
• استهدفت عريضة المدعي العام حزب العدالة والتنمية ولم تستهدف الأطراف الأخرى التي وقفت داخل البرلمان إلى جانب قرار التعديلات والتي بدون وقوفها إلى جانب الحزب لما كانت التعديلات ممكنة.
* أزمة الحجاب واحتمالات حظر حزب العدالة والتنمية:
حظرت المحكمة الدستورية العليا العديد من الأحزاب التركية تحت طائلة الإدانة بانتهاك مبدأ علمانية الدولة التركية والجديد في الأمر يتمثل في أن حظر حزب العدالة والتنمية سيكون له تداعيات خطيرة في الساحة السياسية التركية وذلك:
• لأنه حزب حاكم جاء إلى السلطة بأغلبية برلمانية ودعم واسع في الشارع التركي.
• حظر حزب العدالة وقادته سيترتب عليه خلق فراغ تنفيذي دستوري.
• حظر حزب العدالة سيترتب عليه منع وحرمان 48% من أعضاء البرلمان من مزاولة واجباتهم الدستورية، وهو أمر سيؤدي إلى فراغ السلطة التشريعية.
وقد أجمعت كل التحليلات بأن قرار حظر حزب العدالة بهذه الطريقة وفي ظل هذه الأوضاع سيكون بمثابة انقلاب على السلطة وال1جديد في هذا الانقلاب انه يتم بالوسائل القضائية وليس بالوسائل العسكرية.
* هل من بدائل أمام حزب العدالة والتنمية؟
أصدرت المحكمة الدستورية العليا بالأمس قرار ببطلان التعديلات الدستورية التي سبق أن أصدرها البرلمان التركي والمتعلقة بالسماح بارتداء الحجاب وتشير التحليلات إلى قرار المحكمة باعتباره يقع ضمن الاحتمالات الآتية:
• يمثل بالونة اختبار لمعرفة ردود الأفعال وجس النبض تمهيداً لإصدار القرار النهائي حول عريضة المدعي العام والمتوقع له أن يتضمن إدانة حزب العدالة والتنمية وحظره ومنع 70 من قادته من مزاولة العمل السياسي لفترة خمس سنوات على الأقل.
• يمثل مدخلاً لحل الأزمة، وذلك لأن قبول حزب العدالة والتنمية بقرار المحكمة والتراجع عن تعديلات الحجاب ستحل المشكلة المتعلقة بانتهاك علمانية الدولة. ولن يكون لعريضة المدعي العام أي معنى طالما أن قرار السماح بارتداء الحجاب قد تم إلغاءه وبذلك يمكن للمحكمة الدستورية العليا أن تصدر القرار برفض الإدانة ضد حزب العدالة وهو أمر سيترتب عليه:
* تجنيب تركيا الوقوع في براثن الأزمة السياسية.
* قطع الطريق أمام منظمات حقوق الإنسان الأوروبية ومجلس حقوق الإنسان الأوروبي التابع للاتحاد الأوروبي وحرمانهما من أي ذريعة جديدة لعرقلة انضمام تركيا إلى الاتحاد.
* إضعاف شعبية حزب العدالة والتنمية لأن قبول الحزب بهذا القرار سيؤدي إلى الخلافات بين قياداته وقاعدته الشعبية ذات التوجهات الإسلامية السنية التي لن تقبل بأي تراجع عن ارتداء الحجاب الإسلامي.
تتكون المحكمة الدستورية العليا من 11 عضواً سبعة منهم من العلمانيين المتشددين الذين عينهم الرئيس التركي السابق العلماني المتشدد نجدت سيزر، بالإضافة إلى تعيين قائد الجيش والمدعي العام، وتقع جميعها تحت دائرة اختصاص رئيس الجمهورية، ولما كان الرئيس غول قد تولى منصب الرئاسة في ظل معارضة وعداء متزايد من قبل القوى العلمانية فهل أخطأت قيادة حزب العدالة بإبقائها على خصومها في المناصب الرئيسية والفائقة الأهمية لتأمين توجهات استقرار النظام السياسي أم أن الأمر تم ضمن صفقة لم يتم الإعلان عنها أو الإفصاح عنها بعد؟ عموماً لو تم حظر الحزب بواسطة المحكمة الدستورية فإنه سيكون قد ارتكب خطأً بإبقائه على مفاعيل الانقلاب وترك "الكي بورد" السياسي في أيدي خصومه.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد