الحر غزال: كلمــة

14-06-2009

الحر غزال: كلمــة

لم أسأل بحياتي يوماً لما النمل ملون ؟ و إلى هذه الدرجة ؟؟
لماذا الأبيض ؟ و الأحمر ؟؟ و الأسود ؟؟؟
و لماذا استوقفتني هذه النملة السوداء ، و جعلتني أسأل لماذا كتاباتي رمادية و سوداوية ؟؟ ، خُلق الأخضر للوزراء ، أجيب منهياً تساؤلاً قد يأخذني إلى ابعد من زنزانتي ....
و أنا ؟
أنا المستعد للخروج منها منذ أن رفضت أن أُقع صك البراءة
يسألني ابن أختي في زيارته مع أمه : و ماذا أنتجت ؟
أعيد له السؤال طازجاً كأنه لم يخرج ... و أنت ماذا أنتجت ؟
أعود لزنزانتي ...
يتلون النمل مرة أخرى أو هكذا بدا لي
البيضاء كما لم يمسسها ضوء
الحمراء على شفى نافذة من الزنزانة
السوداء ككلملة في سبورة زرقاء !
ألهذا كتابتي رمادية ؟
ألأن السبورة أساساً ليست سوداء ؟
اسحب سؤالاً من إشارة استفهامه ... نعم
لو كانت الحياة سوداء لكتبنا بالأبيض لنتفاءل ، لنفرز الألوان كما تفرزين حبات الأرز يا حبيبتي ( أجيب امرأة استوطنت ذاكرتي )
و لماذا لا تكتب بالأحمر ( تسألني أختي ) ؟
دمي لم يعد كاف
و الأخضر ( يسألني السجان )
خُلق لأولي الأمر
و الأزرق ( تسألني عينا فتاة زارت حبيبها )
في المحيط كذلك تطفو قصبات الأكواخ
أعود لزنزانتي ... إلى النملة تلك بعد أن صفعني شعاع الشمس النحيل ، هل أستطيع الكتابة أصلاً .... أسأل نفسي ؟ لم يعد مهماً
كنت أكتب كأني أكتب وصيتي ... لم يعد في العمر متسع للكلمات الكبيرة ... دائماً هكذا .... هناك شيء يشعرني أني لن أكمل جملتي ، ( على عجل  ... تكلم بسرعة ... ربما وصلوا ... صاروا في فم الشارع ....) تعودت الاختصار دائماً ، هكذا أنا ( إيجاز و إعجاز ) إلا أن الألف في الكلمة الأخير يرفض أن يكون سُلّما في عرض الورقة
هكذا أنا ( إيجاز و عجز )
أعرف أنك لن تسمعي يا نملتي الصغيرة ... كما كل الكلمات التي تعودت أن أقرأ رسمها عالياً كصوت من يرتل أغنية حزينة ...
صرت كلمتي أيتها النملة تشتركين مع الجرح في الرسم ( كلم و كلم )
أعود إليك ... في انتظاري ككلمة سوداء في سبورة زرقاء
السماء سبورتي فماذا أخط عليها ؟
اصبعي حوارة تهش الغيوم عن السطر لتصبح السماء أوسع
هأنا أعود إليك لأقول لك زارني اليوم
و جاءني في المنام
و جاءني البيان
و الصوت هذا ، و سمعت العصفور ، شممت رائحة الندى ، و هذه في حمام السجن و هذه في التنفس ، و الصرخة هذه عند زيارة ابن رفيقي ليشاهد والده أول مرة .... كم هو صعب لقاء السجن الأول ؟!!
ألهذا تكون لقاءات العشاق الأولى ذكرى لا تمحى ؟
ألأنهم يلتقون خلسة ؟ كأن النجوم أعين الحرس ؟؟
صرت يا نملتي خزان أحاديثي في سجني الذي لم يزد شيئاً إلا خوفي من ظلي ! و قررت أن أفر منه بأن أعلن انفصالي عنه ، بأن أظهره !
سأخرج من زنزانتي لأواجهه ، هذا ظلي ورائي و ليس علي بمعرفة هذا الوراء ، لكنه متى أصبح أمامي ... سأكون مواجهاً له ،
ثم إلى متى أتعامل مع وضع غير طاهر بطهر ؟!
من أجل توقيع ؟
إلى متى سأبقى معلقاً التاريخ من جرة قلم ؟
إلى متى يسبقني التاريخ دون أن أسجل فيه كلمة واحدة ، أو ( قيد أُنملة ؟؟)
سأحررك أيتها الأنملة
ستكونين كلمة تتحدث بالنيابة عني ، لقد كبرتُ أيتها الأنملة و صار الزمن أضيق من أن يستوعب صرختي ، و عمرك أقصر من عمري
جهزي نفسك ... غداً أو بعد غد سأخرج و تكتمل الأوراق !
لكن ماذا ينقصك لتجهزي نفسك ؟
أنا من لديه تاريخ من الأشياء هنا و لا أعلم ماذا سآخذ معي و ماذا سأترك !!! ربما أكتفي بخروجك معي !
من منا اكتملت أوراقه يسكنني هذا الهاجس ! لا تكتمل الأوراق إلا بورقة النعوة يقول رفيقي الذي لم يوقع حتى الآن ...
لست بحاجة للأوراق سبورتي السماء  و كلمتي هذه الأنملة ، سمعنا طبيب السجن ، يوقع على الأوراق ( لم يعد يشكل خطراً ..فقد عقله )
هل هذا صحيح ..؟
أنت لا تسمعين الكلام ، لأن لغتك ليست كلاماً .. كلامي ضجيج لك .. لكنك رغم صغر حجمك قادرة على نقل ما أريد ككلمة !
***
أحملك على راحتي كحبة أرز كتب عليها اسم بلادي
***
و أخبر الجميع ... هذه النملة يا أصدقائي هي من سيخبركم حكاية الغريب الذي عرفتموه قبل جيل من حياة هذا الانسان ،
أنا و الأنملة
صورة كاملة
***
يضحك الأصدقاء .. يصر " أبو حياة " أن يحتفل بخروجي
ندخل المطعم ... يتشاغل الأصدقاء بأحاديثم و أريد أن أُبعدك عن هذا الضجيج ...
أطلب النادل لينقلك إلى النافذة البعيدة عني
ربما لأنك اعتدت سكن النوافذ
أو لأني أخاف عليك من يد أصدقائي
أقرأ اسمه عن لوحة على صدره
- أترى هذه الأنملة يا بُر
- عفواً....... عفواً
- هااااااااااااااااااااااان
كان اسم النادل يخرج و هو يمسح الأنملة بجرة إبهام !

 

                                         * الحر غزال

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...