الحوار مع إيران : وارن كريستوفر

15-06-2006

الحوار مع إيران : وارن كريستوفر

أعادني الإعلان الأخير، المرحب به، حول رغبة الولايات المتحدة بفتح محادثات مباشرة مع إيران، بالذاكرة إلى تجاربي الخاصة قبل 25 عاماً، كرئيس الوفد المفاوض في أزمة الرهائن الإيرانية.
كان موضوع هذه المفاوضات 52 دبلوماسياً أميركياً أخذوا كرهائن في طهران في الرابع من شهر تشرين الثاني من عام .1979 وكانت نتيجتها إطلاق الرهائن، بعد 444 يوماً، مع تدشين عهد الرئيس رونالد ريغن عام .1981 ومنذ ذلك الحين، لم تربطنا بطهران أية علاقات دبلوماسية، وأي حوار مباشر.
ثمة اختلافات واضحة بين اليوم وما كان عليه الوضع فترة أزمة 1979 .1981 كانت الولايات المتحدة هي من كان يرغب آنذاك بمفاوضات مباشرة. أما اليوم، فإيران هي من يريد محادثات مباشرة محادثات من شأنها أن تساعد على ترميم ما كان قادتها ينظرون إليه على أنه عقود من الإزدراء والاستغلال من قبل أميركا. وبينما كانت المفاوضات التي جرت قبل 25 عاماً تتعلق بمستقبل ومصير 52 شخصاً، فإن مفاوضات عام ,2006 إذا تمّت، تتعامل مع مشكلة من الممكن أن تهدد حياة الملايين.
ومع ذلك، هناك دروس من مفاوضاتنا فترة 1979 1981 مع إيران، بوسعها أن تغني جهودنا في عام .2006
أولاً، يجب أن نكون متأكدين من أننا نتحاور مع الاشخاص المناسبين. إن إحدى أكثر النهايات المسدودة إحباطاً التي تعرضنا لها في مفاوضات الرهائن، كانت اكتشافنا أنه بمعزل عن الجهود المطوّلة التي بذلناها للتوصل إلى تسوية مع أبو الحسن بني صدر، فإن هذا الأخير لم يكن يملك حتى سلطة نقل الرهائن من موقع إلى آخر، فما بالك بالقدرة على تحريرهم. لو يدرس مفاوضونا عام 2006 القوى المحركة للسلطة في إيران، فقد يكون بإمكانهم تجنب نهايات محبطة كتلك.
في الوقت الحالي، يحلّق الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عالياً. ولكنه قد لايكون قوياً كما يبدو عليه، وفي أي حال، فإن القوة قد تتغير مع الزمن. إن السلطة النهائية تبقى بيد آية الله علي خامنئي، وقد غاب عن الواجهة علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي سبق أن تولى رئاسة إيران لولايتين، ويرأس حالياً مجمع تشخيص مصلحة النظام. باختصار، يجب علينا أن نتمعن في أدق التفاصيل التي يقوم عليها بنيان السلطة.
ثانياً، على مفاوضينا أن يحضروا أنفسهم لما يمكن تسميته ب«سلوك البازار». على الرغم من كل المصاعب التي واجهتني مع مفاوضين شديدي المراس، مثل وزير الخارجية الصيني كيان كيشان، إلا أنني كنت أعلم دوماً ما كان يريده حقاً، وأن أي اتفاق يمكن التوصل إليه معه سوف يطبّق. أما مع الإيرانيين، فإن أسلوب التفاوض يشبه إحدى أسواق الشرق الأوسط، بالمطالب الغريبة، وحِيَل الانسحاب من عملية التفاوض، والمماحكة حول التفاصيل التافهة حتى اللحظة الأخيرة.
إذ حتى بعد توقيع الاتفاق في 19 كانون الثاني من عام ,1981 حاول الإيرانيون التنصّل من ملحق تقني ضروري. ولإرجاعهم إلى الخط، طلبت إلى ربّان طائرتي عبر هاتف كنت أعلم أنه كان مراقباً، أن يتحضّر للإقلاع، فما كان من الإيرانيين إلا أن تنازلوا بسرعة عن مطلبهم، وبعد يوم تمّ الإفراج عن الرهائن.
لو أتى الإيرانيون أخيراً إلى طاولة الحوار، يجدر بمفاوضينا أن يتحلوا بصبر يكاد يفوق الطاقة البشرية. إن ما يتفرّع عن أي شيء يفعله أو يقوله الايرانيون هو إحساسهم التاريخي بالضيم إزاء الولايات المتحدة، والذي يرجعهم إلى ذكريات قديمة أقلها الانقلاب المخطط له من الاستخبارات الاميركية ضد الحكومة، وإعادة الشاه الى سدة الحكم عام .1953
إن ما عرقل أزمة الرهائن على الأرجح، هو أن الإيرانيين رغبوا بتضخيم ظهورهم على المسرح العالمي، وبإذلال بلاد الشيطان الأكبر (ورئيسها) لأطول وقت ممكن.
وكانت إحدى أطول وأربك التأجيلات التي أعاقت تلك المفاوضات، آنذاك، رفض الإيرانيين أن يوقعوا أي اتفاق مباشر مع الولايات المتحدة. واقترحنا في النهاية أن يأخذ الاتفاق شكل وعود متبادلة معتمدة لدى الجزائر، وقد تمت الموافقة على الاقتراح لأسباب ما تزال مبهمة.
ثالثاً، إذا لم تقنع رزمة الحوافز الجديدة المعروضة من قبل بريطانيا، الصين، فرنسا، ألمانيا، روسيا والولايات المتحدة الإيرانيين بتعليق برنامجهم لتخصيب اليورانيوم، الذي كان شرط واشنطن للانضمام إلى المحادثات، فإنني أعتقد أن بإمكان العقوبات أن تؤدي دوراً قيّماً في المفاوضات.
لقد أظهرت أزمة الرهائن أن علينا أن نحشد أوسع جمهور ممكن من المشاركين، بما في ذلك الروس، في أي نظام للعقوبات. ورغم أن فرض العقوبات الذي حققناه عبر الأمم المتحدة آنذاك، أخذ يتآكل بنهاية المحنة التي استمرت 444 يوماً، إلا أن تأثيره كان بالغاً على الشعب الإيراني.
وحين كان على القيادة الإيرانية ان تخمّن المكاسب والخسائر المحتملة جراء الاحتفاظ بالرهائن، فإن العقوبات احتلت من دون شك وزناً ثقيلاً في الميزان.
وكما في أزمة الرهائن، فإن الحل العسكري هو على الأرجح غير حكيم وغير مناسب. وبينما يجب عدم تغييب الاستخدام الممكن لجيشنا عن طاولة المفاوضات، إلا انه يجب علينا التمسك بالدبلوماسية، وبخيار العقوبات الاقتصادية عند الضرورة.
على مفاوضينا أن يتحلوا بالحزم والتصميم، ليس فقط مع نظرائهم، بل أيضاً مع كل من الإعلام، الإدارة والرأي العام الذين سيعمدون بالتأكيد إلى الضغط عليهم لاستباق الإعلان عن انتهاء المحادثات.
قبيل عيد الميلاد عام,1980 وفي ظلمة إدارة مهزومة، تلقينا رسالة من الإيرانيين تطالب بثلاثة أضعاف الفدية المطلوبة للإفراج عن الرهائن، لتصل إلى 24 مليار دولار. وكنت على وشك الإنسحاب وتسليم زمام الأمور إلى إدارة ريغن الجديدة، ولكنني استنتجت أننا قطعنا أشواطاً لم يعد يجدر الاستسلام بعدها.
في النهاية، تم التنازل عن هذه المطالب، واختتمت المفاوضات على الشكل الذي عرضناه في السابق تقريباً. حين يواجه هؤلاء الذين سيمثلون أميركا في أي مفاوضات مقبلة لحظات مماثلة ولا بد أنهم سيواجهونها آمل أن يدركوا أن المثابرة هي أمر لا يمكن التنازل عنه من أجل تحقيق مصلحتنا الوطنية.
? شغل وارن كريستوفر منصب وزير الخارجية الأميركية بين عامي 1993 و,1997 ويشارك حالياً في الهيئة التي ترأس مجلس الهادئ للسياسة الدولية.


(عن هيرالد تريبيون)

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...