الدوحة: نخضع للأميركي... فقط
دخلت الأزمة الخليجية أمس مرحلة جديدة مع انخراط قطر في رهان آخر على الولايات المتحدة، قوامه تفعيل صفقات بيع السلاح، وهو ما يعني القبول بدفع المزيد من الأموال للإدارة الأميركية مقابل تأمين الأميركيين الحماية للدور القطري في المنطقة، وتجنيب الدوحة انزلاق الخلاف الخليجي نحو تصعيد أسوأ من طرف السعوديين.
الرهان القطري على «شراء» حماية واشنطن يسير بموازاة التعويل على حماية أنقرة التي تستعد للتحرك في أكثر من اتجاه، آخرها الإعلان عن زيارة لوزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، للسعودية، وعلى جدول أعمالها بند وحيد: البحث في سبل نزع فتيل الصراع الخليجي.
التحركات التركية هذه توضع في إطار المبادرة القطرية المضادة تجاه الهجوم السعودي ــ الإماراتي، والذي بدأته الدوحة قبل أيام بعدما استعادت زمام المبادرة واستوعبت الصدمة الأولى. اتصالات إقليمية، وتواصل دولي، وتحركات باتجاه مؤسسات القرار في واشنطن، يسعى عبرها القطريون إلى استعمال الأدوات الإماراتية والسعودية ذاتها لمجابهة «العزلة» وكبح جماح تيار في الإدارة الأميركية، يحظى بمباركة الرئيس دونالد ترامب، يلوح بالانحياز إلى الموقف السعودي الإماراتي وتأييد سياسة الإقصاء ضد قطر والتيار «الإخواني» عموماً. المعلومات تشير إلى أن هذا التيار تقابله دوائر أميركية أخرى لا تزال تصر على إبقاء قطر في موقع «الشراكة» مع واشنطن، وعدم التنكر لـ«خدماتها» الجمة عبر السنوات الماضية. لكن بأي حال، لا خلاف بين مؤسسات القرار كافة في واشنطن على جواز إطالة أمد الأزمة إذا ما كانت لمصلحة الاستثمار في تناقضاتها ومن ثم الاستحصال على عقود مربحة ينتجها التسابق الخليجي نحو كسب الود والرضى الأميركيين.
في الجولة الثانية، كسب القطريون الشوط على حساب الرياض وأبو ظبي على ما يبدو حتى الآن. هذا ما يفسره تمكن وزير الدفاع القطري، خالد العطية، من الوصول سريعاً، في هذا التوقيت، إلى العاصمة الأميركية، وتوقيع اتفاق على عجل، أعلن عنه البنتاغون، تبيع بموجبه الولايات المتحدة قطر 36 مقاتلة «أف 15»، بمقابل يصل إلى 12 مليار دولار. وفي الدوحة، أصر مسؤول قطري على تقديم الصفقة كدليل «على أن المؤسسات الأميركية معنا»، وفق ما قال مضيفاً «(إننا) لم نشك في ذلك قط... ودعم أميركا لقطر متأصل ولا يتأثر بسهولة بالتغيرات السياسية». خبر صفقة الـ«أف 15» ترافق مع خبر آخر لا يقل دلالة على أن الاتصالات القطرية أثمرت في الفوز برضى أميركي نسبي، وهو ما أعلنت عنه وزارة الدفاع القطرية في بيان كشف عن وصول سفينتين عسكريتين أميركيتين إلى ميناء حمد الدولي بهدف المشاركة في تدريبات مع القوات البحرية القطرية.
خلاصة هذه التطورات تشي بأن الدوحة لا تزال متمسكة بخيار تحدي الهجمة السعودية والإصرار على رفض «الوصايات»، ما عدا الأميركية منها. وإذا ما كان المطلوب تقديم تنازل ما في نهج قطر وسياستها الخارجية، فإن هذا التنازل سيكون لمصلحة الأميركيين حصراً. وبالتالي، فإن من شأن المضي القطري بهذا التوجه أن يفرغ الموقف الإماراتي السعودي من مضمونه، وأن يفسح المجال أمام الدوحة للخروج من الأزمة، محتفظة بهامشها المعتاد من العمل المستقل عن التحالف السعودي.
وإن كان من المبكر الحديث عن تطور حاسم في الموقف الأميركي يقضي بلفلفة الخلاف الخليجي وفق تسوية مماثلة، إلا أن واشنطن بدت في الساعات الأخيرة غير معنية بالذهاب بعيداً في مساندة التوجه السعودي، وخصوصاً في ظل تصريحات وزير الخارجية ريكس تيلرسون، الذي حذر من «التعقيدات» التي قد تواجه الولايات المتحدة وسياستها الدولية بحال تصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» على قوائم «الإرهاب»، بحجة أن الجماعة «تضم أجنحة متعددة باتت ضمن حكومات في بعض الدول». من هنا، تتوجه الأنظار في الأيام المقبلة صوب رد فعل كل من الرياض وأبو ظبي على التقارب القطري الأميركي، مع الإشارة إلى أن الحليفين الخليجيين يصران حتى الآن على مواصلة توجيه السهام إلى الدوحة، وإن بدا بشكل لافت في الأيام الأخيرة توافق ضمني على حصر تبادل الركلات الخليجية في نطاق الساحتين الخليجية والليبية. ففي الشرق الليبي، دعت، أمس، «المؤسسة الوطنية للنفط» إدارة ميناء مرسى الحريقة إلى وقف تحميل شحنات شركة «غلينكور» السويسرية نظراً «إلى صلاتها بقطر»، موضحة أنها تعمل بناء على خطابات من حكومة عبدالله الثني في الشرق.
وفي الساعات الماضية، تطرق وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إلى الحراك القطري الذي وصفه بـ«الحملة الإعلامية ــ الدبلوماسية الحالية»، معتبراً أنها «لا تتناول القضية الجوهرية: دعم قطر للتطرف والإرهاب». وشدد قرقاش على أن المطلوب من الدوحة هو أن «تتراجع عن دورها الحالي كبطلة الأجندة المتطرفة في المنطقة»، محذراً من أن «تكلفة سياستها غير المسؤولة مرتفعة جداً». وحتى انجلاء الموقف الأميركي بصورته النهائية، يواصل الأتراك لعب دورهم في التخفيف من هذا التوتر لمصلحة القطريين، حيث يصل وزير الخارجية التركي إلى السعودية الجمعة، بعد زيارته كلاً من الدوحة والكويت، من دون أن يقدم السعوديون بعد أي مؤشرات إلى إمكانية أن تقدم المبادرة التركية ما عجزت عنه المحاولة الكويتية، برغم تصريح جاويش أوغلو بأنه يعول على الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لقيادة حل للأزمة.
إضافة إلى تركيا، دخلت الجزائر أمس على خط تقريب وجهات النظر الخليجية، إذ أعلنت الخارجية الجزائرية استقبالها المستشار في وزارة شؤون الرئاسة لدولة الإمارات، فارس المزروعي، بالتزامن مع حضور وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة قطر، سلطان المريخي، القادم من جولة على دول القرن الأفريقي، أبرز ساحات التنافس الخليجي، والذي شهدت عواصمه كذلك جولات في الأيام الأخيرة لمسؤولين سعوديين وإماراتيين.
(الأخبار)
إضافة تعليق جديد