الزبداني ومضايا والفوعة وكفريا: هدنة هشّة بانتظار الاتفاق النهائي
هل يصدق المثل الشعبي وتكون «الثالثة ثابتة»، أم أن الهدنة التي جرى إبرامها بخصوص الزبداني ومضايا والفوعة وكفريا، وأعلن عنها أمس، ستلاقي مصير سابقتيها وتنتهي بالفشل، خاصةً في ظل المستجدات التي أفرزتها الساحة، وأدّت إلى زيادة الأطراف المتضررة جراء عقدها؟
وأُعلن، أمس، عن التوصل إلى اتفاق جديد بين الجيش السوري وحلفائه من جهة وبين «أحرار الشام» وحلفائها من جهة ثانية، بخصوص وقف الأعمال الهجومية كافة، تمهيداً لوقف كامل لإطلاق النار، في كل من مدينة الزبداني، التي تعتبر آخر معاقل الجماعات المسلحة قرب الحدود اللبنانية، وبلدتي الفوعة وكفريا اللتين تعتبران آخر نقطتين يتواجد فيهما الجيش السوري في ريف إدلب.
وبموجب الاتفاق دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الساعة الثانية عشرة من ظهر أمس، بعد توقف الأعمال الهجومية منذ ساعات الصباح، على أن يستمر وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة، يجري خلالها استكمال المفاوضات حول الشروط التي سيشملها الاتفاق على عقد هدنة نهائية بين الطرفين.
ويعتبر هذا الاتفاق هو الثالث من نوعه حول الزبداني والفوعة وكفريا. إذ سبقه خلال الشهر الماضي محاولتان باءتا بالفشل، ولم تنجحا في فرض هدنة نهائية، حيث كانت الاشتباكات تتجدد بمجرد انتهاء مدة وقف إطلاق النار وعدم التوصل خلالها إلى اتفاق حول شروط الهدنة، ليتبادل الطرفان في كل مرة الاتهامات حول المسؤولية عن فشل الاتفاق وانهياره.
وتشير عودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات للمرة الثالثة على التوالي، إلى دقة الحسابات التي تتحكم بجبهتي القتال في كل من الزبداني ومضايا والفوعة وكفريا، وإلى وجود قناعة غير معلنة لدى الطرفين بعدم ضرورة التسرع في الحسم العسكري، الذي تبدو تبعاته أكثر كلفةً من أي مكاسب يمكن أن يؤدي إليها، خاصة في ظل الحساسيات الطائفية والتدخلات الإقليمية التي تهيمن على هاتين المعركتين. وهو ما قد يفسر عدم استعجال الجيش السوري و «حزب الله» في حسم معركة الكيلومتر الأخير من الزبداني، واعتمادهما سياسة القضم البطيء تماشياً مع الحسابات المعقدة التي باتت تكتنف هذه الجبهة، خاصةً أن التقدم الميداني الذي تحقق في الزبداني أصبح كافياً لإخراج المدينة من إطار الخطر الذي كانت تمثله بالنسبة لهما. كما يفسر في المقابل تعمد «أحرار الشام» اتباع سياسة التصعيد المنضبط على جبهة الفوعة وكفريا، وعدم التسرع في خوض المواجهة النهائية مع أهالي البلدتين، نظراً لما يمكن أن يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة عليها، داخلياً وخارجياً، بسبب ما يمكن أن تؤدي إليه مثل هذه المواجهة من مجازر دموية.
لكن مشكلة «أحرار الشام» الأساسية كانت وما زالت في وجود خلافات بينها وبين حلفائها حول موضوع الهدنة، حيث ترفض العديد من الفصائل المسلحة، ومن بينها فصائل ضمن «جيش الفتح في إدلب»، موضوع الهدنة وتعتبره محاولة من «أحرار الشام» لتحقيق مكاسب سياسية على حسابها. وقد ساهمت «جبهة النصرة في وادي بردى» بإفشال محاولة الهدنة الأولى عندما أقدمت على قطع مياه نبع الفيجة عن العاصمة، بينما سعى «فيلق الشام» وبعض الفصائل الأخرى إلى إفشال الهدنة الثانية، ليعلن «الفيلق» بعد ذلك عن تشكيل وفد للمفاوضات، متعهداً بالالتزام بنتيجتها وذلك بعد مطالبات عديدة وُجهت إلى قادته بضرورة العمل على إنجاح المفاوضات بسبب الوضع الحرج الذي تمر به مدينة الزبداني.
وظهرت، أمس، بوادر تشير إلى إمكانية سعي فصائل أخرى إلى إفشال الاتفاق الثالث. حيث شهدت مدينة بنّش الملاصقة للفوعة تظاهرة حاشدة، شارك فيها مسلحون من «الحزب الإسلامي التركستاني» ومن «كتيبة الأوزبك» القريبتين من «جبهة النصرة»، للمطالبة بإلغاء الاتفاق واستكمال المعركة لاقتحام بلدتي الفوعة وكفريا. وتخلل هذه التظاهرة إطلاق نار من قبل بعض المشاركين فيها للدلالة على جدية مطالبهم.
وبالرغم من أن «أحرار الشام» اضطرت إلى طلب المعونة من فصائل «جبهة النصرة» و«التركستان» و«الأوزبك» و«جند الأقصى» لمساعدتها في الهجوم الأخير على بلدتي الفوعة وكفريا، وذلك بعد تكبدها خسائر فادحة في المعارك السابقة، إلا أن هذه المعونة قد تنقلب وبالاً عليها في حال عدم قدرتها على إقناع حلفائها بالموافقة على ما ينتهي إليه التفاوض من نتائج واجبة التنفيذ. ويأتي وقف إطلاق النار بعد هجوم عنيف شنته فصائل «جيش الفتح» في اليومين الأخيرين على بلدتي الفوعة وكفريا، تسبب، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، «بمقتل 66 مقاتلاً من الفصائل المسلحة وأربعين من المسلحين الموالين للجيش السوري وسبعة مدنيين».
وليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي يمكن أن تواجه «أحرار الشام» وتؤدي إلى فشل الاتفاق، فهناك مشكلة استجدت مؤخراً ويمكن أن تؤدي دوراً سلبياً على هذا الصعيد. وتتمثل هذه المشكلة في بروز موقف من قبل «جيش الإسلام» لا يقتصر على رفض الاتفاق والمطالبة بإلغائه، بل يتعدى ذلك إلى اتهام من وقّع عليه بالخيانة والتخاذل. ويعتبر «جيش الإسلام» أن أحد الأسباب التي دفعته إلى إطلاق معركة «ألله الغالب» في الغوطة الشرقية هو «نصرة الزبداني»، لذلك ينظر إلى عودة «أحرار الشام» إلى طاولة المفاوضات وعقد اتفاق جديد، بينما هو يخوض غمار معركته التي لم تنته بعد، بمثابة التخلي عنه، خاصة أن الاتفاق لم يتضمن أي بند يشمل مناطق الغوطة الشرقية.
ويأتي هذا التباين في المواقف بين «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» بعد ساعات فقط من تسريب مقطع فيديو تحدث فيه زهران علوش عن خضوع «أحرار الشام» لأوامر خارجية منعتها من اقتحام الفوعة وكفريا. وأشار بشكل خاص إلى تلبيتها للتوجيهات التركية. ورأى بعض النشطاء المقربين من «جيش الإسلام» أن «هدنة الزبداني ـ الفوعة من شأنها زيادة الضغط العسكري على جيش الإسلام في حرستا، لأن الجيش السوري سيتفرغ بعد هدوء الزبداني إلى حشد قواته لطرد جيش الإسلام من المناطق التي سيطر عليها مؤخراً، وأهمها جزء من أوتستراد حمص - دمشق يربط بين جسر حرستا وبين مخيم الوافدين».
وقد سرِّبت، مساء أمس، نسخة عما قيل إنه مشروع الاتفاق المطروح على التفاوض بين الطرفين خلال مدة وقف إطلاق النار. ويتحدث مشروع الاتفاق الذي يضع الزبداني ومضايا وبقين ووادي بردى وسرغايا في سلة واحدة مقابل الفوعة وكفريا، عن تقسيم الهدنة إلى مرحلتين: الأولى، هي وقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة قابلة للتمديد، والثانية هي تثبيت الهدنة لمدة ستة أشهر، داعياً إلى أن يكون التنفيذ تحت إشراف الأمم المتحدة.
ويشتمل مشروع الاتفاق المسرب على 25 بنداً، تتناول أحكام وقف إطلاق النار، وأنها تشمل أيضاً عدم جواز إغلاق الطرق الإنسانية والمنافذ إلى كل من بلدتي الفوعة وكفريا ولا إلى مضايا وبقين ووادي بردى. وتنص على خروج المسلحين من مدينة الزبداني بأسلحتهم الفردية وبرفقة من يريد من عوائلهم المتواجدة في أي بلدة يشملها الاتفاق، على أن تكون وجهتهم حصراً إلى مدينة إدلب في الشمال السوري، ولا يشمل هذا مسلحي مضايا باستثناء الجرحى ذوي الإصابات الصعبة. وخروج الراغبين من النساء والأطفال دون الثامنة عشرة والرجال فوق الخمسين من الفوعة وكفريا بحيث لا يزيد العدد عن عشرة آلاف مواطن سوري، يحتسب من بينهم الجرحى الذين يمكن علاجهم في الفوعة وكفريا إذا قرروا الخروج. ويتم في هذه الأثناء الإفراج عن 500 معتقل ومعتقلة من السجون السورية من دون الالتزام بأسماء محددة، على أن يكون اعتقالهم تم قبل تاريخ الأول من آب الماضي.
ونص مشروع الاتفاق على أن «يتم تشكيل مجموعة عمل تشمل مندوباً من الأمم المتحدة ومندوباً من إيران ومندوباً من طرف المسلحين، وتعتبر مرجعية لمتابعة تنفيذ الاتفاق وحل أي مشاكل قد تطرأ، ويتواجد مندوبو الأمم المتحدة وإيران في دمشق ويكون التواصل مع مندوب المسلحين».
أما المرحلة الثانية فتبدأ مع انتهاء المرحلة الأولى، وتشمل إطلاق سراح 500 معتقلة ومعتقل ليصبح العدد الإجمالي للمفرج عنهم ألفاً، كما تشمل تثبيت الهدنة لمدة ستة أشهر في المناطق المشمولة بالاتفاق، على أن تتم مناقشة تفاصيل الهدنة وآليات ضبطها أثناء اللقاء وجهاً لوجه.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد