السويداء .. إرهاب من نوع آخر
تمكّنت محافظة السويداء السورية من الحفاظ إلى حدّ ما على أمنها واستقرارها طوال سنوات الحرب الخمس, مقارنة بالوضع الأمني الذي عاشته المحافظات السورية الأخرى ، فكانت مظاهر الإرهاب مقتصرة على بعض الحوادث, ورغم موقع السويداء الحساس المتاخم للحدود الأردنية, والمتصل بمناطق سيطرة جبهة النصرة في درعا, لم يتمكن إرهابيو النصرة من السيطرة على أية بلدة في السويداء ، فمن يزور المحافظة ينسى للحظة أن معارك شرسة تدور في الآن ذاته على بعد بضعة كيلومترات خارجها
محافظة السويداء التي تقع في المنطقة الجنوبية على بعد 100 كم من العاصمة دمشق ، رغم أنها لم تعش المعارك بشكل مباشر, لكنها تواجه اليوم مفرزات الحرب ، فبين تردّي الأوضاع المعيشية والاقتصادية من جهة ،وبين انتشار السلاح بيد العامة بدافع حماية المحافظة من جهة أخرى ،بدأت تسجل حوادث اختطاف وسرقة وقطع طرق في بعض قرى السويداء خلال العامين الماضيين ،لتتطوّر اليوم إلى عصابات احترفت النصب والاحتيال, ووصلت في بعض الحالات إلى القتل إذا لزم الأمر
ولعل أبرز المناطق التي تنشط فيها عصابات "التشليح" كما يطلق عليها الأهالي هي مدينة "شهبا" في المنطقة الشرقية للمحافظة, والتي سجلت فيها عشرات حوادث سرقة السيارات لدرجة بات الجميع يتحاشى المرور منها
بدأ قطاع الطرق يظهرون أولاً في بعض الطرق الفرعية بين القرى, مستغلين وضع المحافظة الجيّد وحركة الناس الطبيعية ليلاً, فيعتدون على سيارة عابرة ويسرقون ركابها, ثم يبثون الرعب في قلوب السكان بإشاعة أن إرهابيّي النصرة تمكنوا من اختراق القرى.
لم تطل الحكاية كثيراً حتى اكتُشف أمرهم وعُرفوا أنهم من أبناء المنطقة, بناء على عدة مواقف حين كانت تقاومهم الضحية فتكتشف أن لهجة المعتدي ليست بغريبة عن المنطقة
تطوّر عمل هذه العصابات فباتت تبتكر أساليب محترفة لاستدراج الضحايا من محافظات أخرى ،حيث يعرضون سيارة للبيع بأسعار مغرية تصل أحياناً إلى أقل من قيمتها بمليون ليرة سورية, وعندما يصل الشخص الذي يريد شراءها إلى شهبا يقومون بسرقة السيارة الخاصة أو العمومية التي جاء بها, أو اختطافه وسرقة المال الذي يحمله ثم طلب فدية من عائلته
وتعددت الأساليب والطرق حيث تواصلت وكالة "آسيا" مع أحد الضحايا من أبناء السويداء الذي سرقت سيارته, فيصف الحادثة ويقول:
"كنت أملك سيارة تكسي تشكل مصدر رزقي الوحيد, وكنت أعمل عليها وأنقل الركاب بين القرى في المنطقة ،و في يوم من الأيام أوقفني شاب يريد الذهاب إلى قرية مجاورة ، تعامل معي بلطف وظل يتواصل معي على مدى أسبوع لأنقله من مكان إلى آخر, وكان يدفع لي بسخاء حتى تقرب مني وكسب ثقتي, ثم سرق سيارتي وأنا جالس بضيافته في منزله!!"
وفي سؤال عن الإجراءات الأمنية التي اتخذت بعد الحادثة قال "لقد تقدمت بشكوى للجهات الأمنية لكن لم ينتج عنها شيء ، بحجة أن لا أثر للسيارة ولا للشاب ،وحاولنا اللجوء إلى الحل العشائري, حيث تعهدت عائلته بحل الموضوع ودفع ثمن السيارة، لكن لم أستفد شيئاً منذ سنة"
مجاورة السويداء لمناطق سيطرة المسلحين في درعا جعل استرداد السيارات المسروقة أمراً صعباً، حيث تقوم العصابات بتشويه النمر والاتجاه ليلاً نحو الغرب , وتختفي بعدها السيارة في مناطق سيطرة المسلحين في درعا، أو يقومون بتفكيكها وبيع قطعها بشكل يجعل ملاحقتها أمراً مستحيلاً
لم يعد يقتصر الأمر على السرقة, فحوادث قتل السائقين ازدادت أيضاً, وأصبحت منطقة شهبا بؤرة يحذّر الأهالي بعضهم من المرور منها بعد أن فقد فيها أكثر من شخص ووجدوا مقتولين ومرميين في الأراضي الزراعية المحيطة، ويذكر من بينهم الشاب علاء الأطرش الذي وجد مقتولاً في شهر آب /أغسطس الماضي
أهالي المنطقة عموماً ومدينة شهبا خصوصاً باتوا قلقين كثيراً من تطور تلك الحوادث وتمادي العصابات, ومستغربين جداً من عدم اتخاذ الجهات الأمنية في المدينة إجراءات فعلية بحق المشتبه بهم، حيث يقول الأهالي "إنه على الرغم من عدم وجود أدلّة قاطعة تشير إلى الفاعلين, إلا أن أفراد تلك العصابات هم أشخاص معروفون من قبل الأهالي والجهات الأمنية بسوء تصرفاتهم وانعدام أخلاقهم وسوابقهم في النصب والاحتيال منذ سنوات, وعليهم عشرات الادعاءات والقضايا". ويذهب بعض الأهالي إلى تسميتهم فرداً فرداً ،لكن يبقى صمت الجهات المعنية مخيماً لا سيما أنه في أحد المرات عندما ألقي القبض على أحد المطلوبين قام رفاقه بمهاجمة قوى الأمن وأخذه منهم بالقوة تحت تهديد السلاح"
الحرب التي ألقت بظلالها على كل تفاصيل الحياة في سورية، دمّرت فوضاها أخلاق الكثيرين, فأفسدت جيلاً كاملاً وأخرجته عن سيطرة الأهل والقانون والمجتمع . لتدقّ بذلك نواقيس خطر ولادة إرهاب داخلي مقنّع, قد يكون التعامل معه أشد صعوبة.
لجين حجلي: آسيا
إضافة تعليق جديد