الشوندر السكري… بريقٌ أفلَ نجمه..! «الزراعة» و«الصنـاعة» تتحملان مسؤولية تلف محصول الشوندر السكري في الغاب
تقف الجهات المعنية بزراعة محصول الشوندر السكري متفرجة على تلف المحصول بسبب تأخر تسويقه بعد وصوله إلى مرحلة النضج، وكل المناقشات مع الجهات المعنية بزراعة المحصول تأخذنا إلى نتيجة واحدة وهي أن قرار تسويق الشوندر إلى شركة سكر سلحب وفرمه ونشره وتجفيفه لتسويقه لمؤسسة الأعلاف، الذي اتخذته وزارتا الزراعة والصناعة من دون معرفة هل تتسع الساحات لنشر المحصول والزمن اللازم لتجفيفه، تسبب بتلف جزء ليس بقليل من المحصول، وفي المقابل اتجهت دوائر الزراعة نحو التنحي عن مسؤوليتها بما يخص التسويق وقد توقفت شركة سكر سلحب عن استلام المحصول عدة مرات ولأيام معدودة بسبب امتلاء الساحات بالشوندر المفروم، بينما الفلاحون يتوسلون إلى هذه الجهات لإنقاذ محصولهم الذي يتعرض للتلف بسبب تأخر تسويقه في ظل عدم توافر المياه لري المحصول.. فلماذا وصلنا إلى هذه النتائج المأسوية في زراعة محصول الشوندر السكري في الموسم الحالي في محافظة حماة؟
كانت التوجهات الحكومية في بداية الموسم الزراعي الحالي تقضي بتقديم كل التسهيلات المطلوبة لتحفيز الفلاحين على زراعة أكبر مساحة بالشوندر السكري وبما يضمن إعادة تشغيل معمل سكر تل سلحب، وفعلاً صدرت تسعيرة مبكرة للمحصول بلغت /25000/ ليرة للطن ورفعت مديريات الزراعة سقف المساحات المسموح بزراعتها بالشوندر فكان في إمكان أي فلاح أن يزرع المساحة التي يريدها بالشوندر، أضف إلى ذلك أنه أول مرة في تاريخ زراعة الشوندر وصل بذار الشوندر إلى الفلاحين قبل موعد الزراعة في منتصف شهر تشرين الأول ونظمت مديريات الزراعة، بالتعاون مع إدارة شركة سكر سلحب، العديد من اللقاءات والندوات الإرشادية قدمت فيها الوعود للفلاحين بتأمين كل مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومحروقات ومياه، وقد وصل الفلاحون الظامئون إلى التخلص من مشكلات الدورة الزراعية الناتجة عن تكرار زراعة القمح لسنوات إلى إيمان قاطع بأن زراعة الشوندر عادت إلى الأيام المباركة التي كانت قبل سنوات الأزمة وقد وصلت المساحات المزروعة بالشوندر إلى / 947 / هكتاراً في مجال إشراف هيئة تطوير الغاب، بينما لم تتجاوز خمس دونمات في مجال مديرية زراعة حماة.
ويروي محمد إبراهيم رئيس الجمعية التعاونية الفلاحية في قرية المسحل أنه وسط شعور الفلاحين بأن مستقبلاً جديداً لزراعة محصول الشوندر على وشك أن يولد ضربت المحصول موجات متكررة من الصقيع أتلفت /70 – 80 %/ من المساحات المزروعة، وقد اتخذت الجهات المعنية قراراً بتوزيع بذار شوندر مجاني على الفلاحين المتضررة حقولهم بالصقيع لإعادة زراعتها من جديد ولكن لم يسمع الفلاحون بهذا القرار إلا بعد الانتهاء من زراعة أراضيهم ولم يستلم أي فلاح بذاراً مجانياً، وأعاد بعض الفلاحين زراعة أرضهم بالشوندر من جديد، لكن أغلبهم استبدل محصول الشوندر بمحصول القمح، علماً أن أغلب المساحات المتضررة كانت مزروعة بالقمح لسنوات متتالية، ما تسبب بتراجع إنتاجية القمح بشكل كبير وهذا تسبب بخسارة جديدة للفلاحين تضاف إلى خسارتهم بالشوندر الذي أتلفه الصقيع… بينما أكد المهندس وفيق زروف -مدير الثروة النباتية في الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب أن قرار توزيع البذار المجاني صدر بعد الانتهاء من الفترة المحددة لزراعة العروة الخريفية (15 / 10 – 15 / 11) وتعليمات تمويل المحصول بالبذار لا تسمح بتسليم بذار بعد موعد الزراعة وكان بإمكان الفلاحين استلام بذار مجاني عروة شتوية بعد /15/ كانون الثاني ولكن الفلاحين لا يرغبون بزراعة العروة الشتوية.
8 أشهر انتظاراً لتعويض أضرار الصقيع
في نهاية موجات الصقيع باشرت الهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب بحصر المساحات المتضررة بالصقيع واستمر الجدل عدة أسابيع بين فنيي الهيئة بشأن كيفية التحقق من نسبة الضرر في الحقول التي تستحق التعويض من صندوق التعويض عن آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، وتباينت الآراء بخصوص ذلك، فتارة تريد هذه الجهات صوراً فوتوغرافية للحقول المتضررة وتارة تكتفي بالكشف الحسي للإرشاديات الزراعية وفي نهاية شهر نيسان الماضي قدمت الجداول الاسمية بالمساحات المتضررة إلى الصندوق، وذكر المهندس تيسير حسن -مدير فرع صندوق التعويض عن آثار الجفاف والكوارث الطبيعية في الغاب أن الفرع عرض الجداول على لجنة تعويض الأضرار الزراعية الناتجة عن الكوارث في المحافظة في نهاية شهر أيار، ووافقت اللجنة على التعويض وفق نسب الضرر الواردة في الجداول، وبلغت المساحات المتضررة /8471/ دونم شوندر وتم تحديد قيمة التعويض بحوالي /70/ مليون ليرة، وقد أرسلت الجداول في بداية شهر حزيران إلى إدارة الصندوق في دمشق لإقرارها من مجلس إدارة الصندوق.
وأوضح حسن أن فرع الصندوق استغرق بإعداد جداول الأضرار وتدقيقها مدة لا تتجاوز الشهر لأن بعض الأقسام الزراعية في هيئة تطوير الغاب تشرف على مساحات متاخمة لمناطق سيطرة المسلحين والمراسلات مع هذه الأقسام تستغرق بعض الوقت لوصول المراسلة وإعداد الرد وإعادتها، ومن جهة ثانية من حق إدارة الصندوق التريث بإصدار جداول الأضرار لحين وصول المحصول لمرحلة النضج للتأكد من نسبة الضرر بالحقول التي ضربها الصقيع..
وفي اتصال هاتفي مع المهندس محمد البحري المدير العام لصندوق التعويض عن آثار الجفاف والكوارث الطبيعية أكد أن جداول التعويض عن أضرار الصقيع على شوندر الغاب عرضت على اللجنة الفنية في الصندوق وسيناقشها مجلس إدارة الصندوق برئاسة وزير الزراعة لإقرارها في الأيام القادمة.
الصقيع أحبط العزيمة
يروي حافظ سالم رئيس الرابطة الفلاحية في الغاب أن موجات الصقيع التي أتلفت / 80 % / من محصول الشوندر بخّرت آمال وزارتي الزراعة والصناعة بإمكانية إعادة الانطلاق بهذه الزراعة في الموسم الحالي إلى ما كان مأمولاً في بداية الموسم، إذ أدركت هذه الجهات أن كميات الإنتاج من المساحات المتبقية غير مجدية اقتصادياً لتشغيل معمل سكر سلحب وهذه النتائج غير المرضية أحبطت عزيمة الجهات المعنية بما يخص تقديم التسهيلات للمحصول، فلم تتخذ هذه الجهات قرارات موضوعية بما يخص توزيع الأسمدة من المصارف الزراعية فبعض الفلاحين استلم مخصصاته من أسمدة اليوريا بالسعر القديم البالغ /3600/ ليرة للكيس بينما استلم بقية الفلاحين مخصصاتهم بالسعر الجديد بعد وصول الأسمدة المستوردة والبالغ /10500 – 12000/ ليرة بحسب تكلفة النقل وأجور التحميل، واشترى بعض الفلاحين الكيس بسعر /15000/ ليرة من السوق المحلية لأن الأسمدة المستوردة تأخر وصولها عن موعد تسميد المحصول ومع ذلك نستطيع القول: إن هذه الجهات عملت ما في وسعها لتأمين المحروقات اللازمة لري المحصول.
الفلاح حسين علي محمد من قرية أبو فرج قال: كنت قد زرعت مساحة / 25 / دونماً بالشوندر وقلبت الحقل مرتين ومع ذلك بقيت الأمور مقبولة حتى المرحلة التي سبقت التسويق إذ بدأت مياه الري تجف من الأقنية والمصارف، وفي المقابل كانت المعلومات التي تصلنا من إدارة هيئة تطوير الغاب ومعمل سكر سلحب بأن التسويق سيكون من الأمور السهلة لأن كميات الإنتاج قليلة وتسويقها لا يحتاج إلى عناء وكانت الإرشاديات الزراعية تسأل الفلاحين من منكم يريد تسويق محصوله باكراً، ولذلك في ظل شح مياه الري توقفت أغلبية الفلاحين عن ري المحصول ومع بدء التسويق فوجئنا بأن التسويق يسير ببطء شديد كالسلحفاة ولم يعد بإمكاننا العودة لري المحصول بعد فطامه لأن ذلك سيتسبب بتلف المحصول بالوقت الذي لم تعد تتوافر مياه الري في أغلبية المناطق ومعمل السكر يوزع بطاقات توريد يومين ويتوقف عن التوزيع ثلاثة أيام ودخل المحصول مرحلة التلف والإرشاديات الزراعية تواجه مطالباتنا ببطاقات التوريد بأن ساحات المعمل مليئة بالشوندر المفروم وفي نهاية الأمر أبلغتنا الإرشاديات بأنه يجب علينا مراجعة معمل السكر لشرح وضعنا لكون عقود الزراعة موقعة مع معمل السكر، وهذا الإجراء من هيئة تطوير الغاب يعد تنصلاً من مسؤوليتها عن تسويق المحصول!!
قرار التسويق يفتقد مستلزمات النجاح
المهندس إبراهيم نصرة مدير عام شركة سكر تل سلحب قال: في 15 حزيران الماضي اتخذت وزارتا الزراعة والصناعة قراراً بتسويق محصول الشوندر السكري في الموسم الحالي والمقدر إنتاجه بـ /14000/ طن إلى شركة سكر سلحب على أن تبيعه الشركة إلى المؤسسة العامة للأعلاف بعد فرمه وتجفيفه بسعر التكلفة مضافاً إليه هامش ربح بمعدل /4 %/، والشركة تستلم المحصول من الفلاحين وفق الآلية المقرة بالقرار الوزاري.. وبلغت الكميات المستلمة حتى /8/ آب الجاري /9700/ طن وبمعدل كميات توريد يومية بلغت /200/طن، لأن مساحة ساحات الشركة المستخدمة لنشر وتجفيف الشوندر البالغة /50/ دونماً لا تسمح بزيادة طاقة الاستلام المعتمدة، ولاسيما أن نشر الشوندر لتجفيفه يحتاج عشرة أيام ونتيجة ذلك تتوقف الشركة عن الاستلام لأيام معدودة كلما امتلأت الساحات بالشوندر المفروم، وقد أبلغنا الوزارات المعنية بهذا الأمر وتم التوجيه لمؤسسة الأعلاف لبيع المباقر الكميات الممكنة من المحصول وقد استجرت المباقر كمية /1100/ طن من الشوندر المفروم الطازج ولكن استجرار هذه الكمية لم يحل المشكلة، وقد حاولنا تجريف وتسوية مساحة /30/ دونماً في مركز حبوب جب رملة لاستخدامه بنشر المحصول ولكن تبين فيما بعد أنها غير صالحة فنياً لكونها غير معبدة.
المهندس غازي العزي المدير العام للهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب قال: إن قرار التسويق الذي اعتمد لتسويق المحصول في الموسم الحالي اتخذ من دون العودة إلى المؤسسات القريبة من أرض واقع زراعة المحصول وكان بالإمكان الإعلان قبل مرحلة التسويق لبيع المحصول بيعاً مباشراً لمربي الثروة الحيوانية كما فعلنا العام الماضي، وهذا الكلام لم يعد يفيد في الموسم الحالي وبالتأكيد إن مابقي من المحصول من دون تسويق تعرض لضرر كبير.. ويروي المهندس وفيق زروف -مدير الثروة النباتية في الهيئة أن الهيئة خاطبت كل الجهات المعنية بتسويق الشوندر السكري بهذا الواقع السيئ لتسويق المحصول وأبلغنا وزارة الزراعة بمخاطر تأخر التسويق وقد مضى 50 يوماً على بدء التسويق ولا تزال كمية تزيد على /6100/ طن بالحقول من دون تسويق وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة وعدم توفر مياه الري فإن المحصول يتعرض للتلف وتزداد نسبة الضرر بمرور الأيام على تأخر التسويق، لذا بدأ يتكون لدى الفلاحين ردة فعل تدفعهم لعدم زراعة المحصول في المواسم القادمة في الوقت الذي لا تتوافر فيه محاصيل بديلة كافية لتطبيق الدورة الزراعية المتكاملة.
الزراعات البديلة للشوندر ليست الحل
أكد المهندس غازي العزي المدير العام للهيئة العامة لإدارة وتطوير الغاب أن تعثر تسويق محصول الشوندر السكري في الموسم الحالي تسبب بتلف جزء من المحصول وهذا أوجد حالة من الجفاء وعدم الثقة بين الفلاحين والجهات المشرفة على زراعة المحصول، ولتجاوز هذه الحالة السلبية لابد من تقديم مغريات لضمان عودة الفلاحين لزراعة المحصول بزيادة سعره زيادة مجزية لأن تكلفة الدونم الواحد المزروع بالشوندر تتجاوز الـ /100/ ألف ليرة ومن غير الطبيعي أن يلجأ الفلاح لزراعة عشر دونمات شوندر تكلفتها مليون ليرة وينتظر سنة كاملة (العمر الزراعي للمحصول) ليحقق ربحاً بسيطاً لا يتناسب مع الجهد المبذول وتكلفة الاستثمار، وخير دليل على ذلك أنه عندما تم رفع سعر محصول التبغ في الموسم الحالي ازداد توجه الفلاحين لزراعة المحصول وتجاوزت أغلبية الفلاحين قلة خبراتهم بزراعة المحصول وأصبحت رغبة الفلاحين بزراعة محصول التبغ تأتي بالمرتبة الثانية بعد الرغبة بزراعة القمح.
وأوضح العزي أنه تتوافر محاصيل بديلة عن محصول الشوندر كالثوم وحبة البركة والحمص وغيرها من المحاصيل البديلة لكن لهذه المحاصيل منعكسات سلبية لا يمكن أن يتحملها الفلاحون فأسعار هذه المحاصيل مرتبطة بالسوق وتحكم التجار بالسعر وفق قوانين العرض والطلب، والفلاحون غير مستعدين للمغامرة بقوت أولادهم بزراعة هذه المحاصيل بمساحات واسعة، وخير مثال على ذلك أن سعر كيلو الثوم في الموسم الزراعي الماضي بلغ /800 – 1000/ ليرة بينما انخفض في الموسم الحالي إلى /70 – 100/ ليرة وكذلك سعر كيلو حبة البركة انخفض من/700– 800/ ليرة بالموسم الماضي إلى /300 – 400/ ليرة، وبالإجمال يمكن عدّ هذه المحاصيل البديلة داعمة للمحاصيل الاستراتيجية (قمح – شوندر) وليست بديلة عنها، ولاسيما أن محصول الشوندر يعد محصولاً اجتماعياً يوفر فرص العمل لمئات العائلات ويحد من مشكلة البطالة في المنطقة، ويوفر مادتي الخميرة والتفل للثروة الحيوانية، أضف إلى ذلك أن توقف معمل السكر عن العمل يتسبب باهتلاك تجهيزاته التي تتجاوز قيمتها ما يمكن أن تخسره الدولة بدعم زراعة وتصنيع محصول الشوندر السكري.
وأخيراً
إن وزارتي الزراعة والصناعة اللتين حاولتا إعادة نسغ الحياة لزراعة محصول الشوندر السكري في بداية الموسم الزراعي الحالي، بتقديم كل التسهيلات المطلوبة لزراعة المحصول، عادتا واتخذتا قراراً بتسويق المحصول بما لا يتناسب مع الواقع، وهذا تسبب بتلف جزء ليس بقليل من المحصول، والموقف لا ينتظر الاعتذار عما حصل بقدر ما يحتاج تكثيف دعم هذه الزراعة بسخاء لتكون المحصول الاستراتيجي الثاني بعد القمح في المواسم القادمة.
علي شاهر أحمد - تشرين
إضافة تعليق جديد