الصناعةتتخلى عن بعض شركاتهاوخبراتها طواعيةإلى الاستثمارالخدمي
إن من يقرأ برنامج تأهيل وإعادة هيكلة القطاع العام الصناعي الذي بنته وزارة الصناعة على أنقاض مشروع قانون إصلاحه يدرك جلياً مدى التخبط الذي وقعت فيه الوزارة مؤكدة مرة أخرى أن هذا القطاع لايزال ساحة لسماع الضجيج دون رؤية العراك... وحقل تجارب لمعظم الوصفات الاقتصادية الفاشلة عالمياً..
وإذا كانت السنوات الماضية قد أتاحت لوزراء الصناعة المتعاقبين امكانية التجريب بهذا الحقل ما أوصله إلى وضع اليباس.. فإن الأيام القادمة لاتسمح بمزيد من المغامرة غير المدروسة أو المحسوبة النتائج..
خاصة إذا ماعلمنا أن البرنامج الاصلاحي المذكور يعتمد أسلوب البترو القص لأطراف الصناعة وتخصيص المبتور منها.. وهو ما يناقض التوجهات المحلية والدولية الداعية إلى توسيع الصناعة وليس تقليصها... فضلاً عن معارضة وزارة المالية والاتحاد العام لنقابات العمال لهذا البرنامج العتيد..!!!
- وفي هذا السياق تشير الوزارة في برنامجها إلى أنها أعدت دراسة عن فائض العمالة والعمالة غير المنتجة في المؤسسات التابعة أكدت أن لديها /15/ ألف عامل فائض ولذلك ترى عدم تحميل أجور هؤلاء العمال للعملية الانتاجية وبالتالي إلى تكلفة وحدة المنتج خاصة بعد الزيادة الأخيرة في كتلة الرواتب وارتفاع أسعار بعض المشتقات النفطية الأمر الذي سينعكس سلباً على نتائج معظم المؤسسات الاقتصادية والتي ستنقلب إلى خاسرة وتوجيه الجهات الإدارية في المحافظات بسحب هذه العمالة حسب احتياجاتها وفق برنامج زمني تعده الوزارة المختصة بالتعاون مع المحافظة المعنية على أن لاتتجاوز هذه العملية الستة أشهر تبدأ عند اقرار هذا البرنامج مع التنويه أن الوزارة حالياً بصدد إعداد قوائم بأسماء هذه العمالة مع مؤهلاتهم العلمية والفنية والشركات التي تعمل فيها وكتلة رواتبهم وأجورهم. ويتضمن البرنامج أيضاً إحداث صندوق بموجب مرسوم تشريعي في وزارة الصناعة يسمى (صندوق إعادة تأهيل القطاع العام الصناعي) يتم رفد هذا الصندوق من العائدات الناجمة عن طرح بعض الشركات للاستثمار..
والبدء بعرض كل شركة متعثرة وغير قابلة للاصلاح تحتل موقعاً استراتيجياً هاماً ضمن المخططات التنظيمية للمدن والمحافظات للاستثمار في كل مؤسسة على حدة وحسب الأولويات بعد السماح بإغلاق هذه الشركات وتوقيف الدوام فيها.
والوزارة تتابع حالياً إعداد دراسة تفصيلية عن واقع الشركات الرابحة والهامة التي تشغل مساحات واسعة ضمن المخططات التنظيمية للمدن.. بعدها سيتم إعداد دراسة تفصيلية عن أوضاع هذه الشركات كل على حدة ومتطلبات إعادة تأهيلها لتبقى منافسة عربياً ودولياً.. مشيرة إلى أن عملية تأهيل الشركات القائمة والمحددة أنشطتها ضمن استراتيجية الوزارة لعام 2015 تحتاج لضخ استثمارات كبيرة كالآتي:
يحتاج قطاع الاسمنت لاستثمارات تقدر بـ /30/ مليار ليرة سورية لرفع الطاقة الانتاجية إلى 3،12 مليون طن.
وقطاع الصناعات الهندسية يحتاج تأهيله إلى ضخ استثمارات في شركة حديد حماة وشركتي الكابلات ما يقارب /5،3/ مليار ليرة وإذا ما تم إضافة مشروع اللواقط الكهروضوئية وتطوير صناعة الخلائط الفولاذية الخاصة إلى مجمل الاستثمارات فتصبح حاجة هذا القطاع حوالي /25،4/ مليار ليرة.
أما بالنسبة لقطاع الصناعات الكيميائية فيحتاج تأهيله إلى حوالي /15،53/ مليار ليرة يتركز 80% منها في تأسيس مشروعي الأسمدة (اليوريا والسماد الفوسفاتي) أما النسبة الباقية فسيتم ضخها لتطوير بعض الصناعات الاستراتيجية ضمن الشركات القائمة..
ويحتاج تأهيل قطاع الصناعات الغذائية إلى حوالي /65،2/ مليار ليرة يتركز الانفاق فيها على المشاريع الاستثمارية الواردة ضمن الاستراتيجية.
أما قطاع الصناعات النسيجية فيحتاج إلى حوالي /6،9/ مليارات ليرة لتأهيل بعض الشركات والتركيز على الأنشطة التي تتمتع فيها سورية بميزة نسبية تنافسية كصناعة الجينز وأقمشة البشاكير والغزول الممزوجة والممشطة والبرادي وأقمشة المفروشات.
وبخصوص باقي الشركات الخاسرة فقد أشار البرنامج إلى أنه سيتم اعداد دراسات جدوى اقتصادية لتغيير نشاطها أو استثمارها أيهما أجدى.. وأن تمويل عملية إعادة تأهيل القطاع العام الصناعي بما فيها نقل هذه الشركات إلى خارج المخطط التنظيمي للمدن من الوفورات الناجمة عن عمليات استثمار بعض الأصول الثابتة للشركات الخاسرة والتي لا جدوى اقتصادية من بقائها أو تغيير نشاطها ومن الفوائض الاقتصادية للمؤسسات التابعة.
علماً أن تنفيذ هذا البرنامج يتطلب تعديل قانون العقود والقانون رقم /2/ لعام 2005 باتجاه منح صلاحيات أوسع لأعضاء اللجان الإدارية ومجالس الإدارة في الشركات والمؤسسات.. والسماح باجراء عقود إدارية مع أشخاص عاديين أو اعتباريين لإدارة بعض الشركات.. والتأكيد على وضع آلية جديدة لتعيين مديري المؤسسات والشركات... والتأكيد على وضع آلية جديدة لتعيين مديري المؤسسات والشركات.
- ولتتمكن وزارة الصناعة من تنفيذ برنامجها الاصلاحي المذكور أعلاه طلبت الموافقة على تفويضها بتسديد رواتب وأجور العاملين في بعض الشركات الخاسرة والمتعثرة من فوائض الشركات الرابحة والعائدة للمؤسسة ذاتها..
ولكن جواب وزارة المالية جاء حاسماً معتبرة أن الحلّ الأمثل لتجاوز الصعوبات هو توجيه الجهات المعنية للاستفادة من الطاقات الإنتاجية المتاحة لديها وترشيد تكاليف الإنتاج وتحقيق توازن بين أسعار المدخلات ومخرجاتها ومعالجة المخازين المتراكمة لديها بما يؤمن السيولة اللازمة.
- بدوره الاتحاد العام لنقابات العمال وضع ملاحظاته على برنامج وزارة الصناعة المذكور أعلاه، منها: ان إعداد الدراسة تم بتجاهل كامل لأحد أهم أطراف الإنتاج وهم العمال، علماً أنهم شركاء في القرار وتحمل المسؤولية.. فضلاً عن أنها جاءت مخالفة لتوصيات المؤتمر القطري الذي أوصى بدراسة واقع كل شركة على حدة وليس بالجملة كما ذكرت.
والدراسة مجتزأة من مسودة قانون إصلاح القطاع العام الصناعي الذي استوفى حقه من الدراسة وأصبح طي النسيان.
وتساءل الاتحاد: ما هي النيات حول الشركات الرابحة والمهمة والتي تقع ضمن المخططات التنظيمية.. وما هي طرق معالجتها لزيادة إنتاجيتها وريعيتها وتنافسيتها..؟
وأضاف: في حال تغيير نشاط أي شركة خاسرة يمكن ذلك مع بقائها ضمن إطار وزارة الصناعة ومؤسساتها، لكي لا نصل في النهاية الى بلد لا يملك قطاعاً صناعياً من خلال تغيير نشاط شركة بعد أخرى الى سياحي أو خدمي أو عقاري.. إضافة الى أن البرنامج المطروح يعني في حال استمراره انتفاء القطاع العام الصناعي بالمحصلة من خلال طرحه للاستثمار العقاري والسياحي والتجاري والخشية من أن يمتد الى باقي الشركات.
وحددت الوزارة فائض العمالة بـ15 ألف عامل دون اعتماد أي معيار في تحديد الفائض وتقترح الصناعة تحويل العمال الى الجهات الخدمية تارة وأخرى الى وزارة العمل وثالثة تضمينهم في دفاتر الشروط الفنية في إعلان الاستثمار.. وهذه المهارة في التعامل مع اليد العاملة دليل التسرع في معالجة قطاع استراتيجي بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأشار الاتحاد الى أن المسألة بتخفيض كلفة المنتج لا تكمن فقط بتخفيض اليد العاملة بل بحالات الفساد ولجان الشراء والعقود والصفقات والإدارات التي تقف وراء هذه الكلفة ووزارة الصناعة تعرف ذلك أكثر من غيرها.
كما ان اقتراح وزارة الصناعة بإحداث صندوق مخصص لتأمين موارد من خلال استثمار بعض الأصول الثابتة لبعض الشركات هو سلسلة لا تنتهي ويخشى مع كل خسارة أن يتم الإعلان عن طرح شركات جديدة لدرجة لا يبقى لدينا شيء اسمه قطاع عام صناعي.
ويتساءل الاتحاد: ما هي المؤيدات القانونية التي اعتمدتها الصناعة في طرحها لتحويل فائض العمالة الى وزارة العمل..؟ وما هي ولاية وزارة العمل في هذا المجال ونعتقد والكلام للاتحاد بأنه لا ولاية لها وهذا يدل على عدم اعتماد الدقة في وضع البرنامج.. لافتاً الى أن الموضوع لا يكمن في تعديل القانون /2/ ولا قانون العقود، بل في مراسيم إحداث الشركات وطبيعتها ومهامها التي نصّت عليها هذه المراسيم، كما أن الشركات الخاسرة تعامل وفق برنامج التأهيل المقترح على أنها أراض سيتم الإعلان عن استثمارها وليس باعتبارها منشآت قائمة ومحدثة بمراسيم.. وهي ليست ملكاً لوزارة الصناعة، ومن حقها أن تحدد الطريقة التي سيتم استثمارها بها تجارياً أو سياحياً أو عقارياً..
ويرى الاتحاد أن إشارات البرنامج الى السماح بإجراء عقود إدارية مع أشخاص عاديين أو اعتباريين لإدارة بعض الشركات يعني خصخصة الإدارة ومن ثم يأتي لاحقاً خصخصة الباقي..
وبخصوص البرنامج الزمني للبرنامج فيرى الاتحاد انه بعيد المنال ويبقى في إطاره النظري غير القابل للتطبيق.
- وفي السياق ذاته، يقترح الاتحاد إذا كانت هناك نيات حسنة تجاه القطاع العام الصناعي، وبعيداً عن كل الرؤية المذكورة البرنامج ان يترك لوزارة الصناعة الفوائض والأرباح والضرائب لهذا القطاع لمدة خمس سنوات فقط والتي تقدر سنوياً بأكثر من 30 مليار ليرة سورية وهي كافية لإصلاحه وهيكلته..
كما يقترح تشكيل لجنة للحوار الدائم لمناقشة القضايا الاقتصادية من (الحكومة والعمال والحزب) على غرار لجنة الحوار الثلاثي الدائمة من أطراف الإنتاج (العمال أرباب العمل وزارة العمل) وذلك بغية التوصل الى مفاهيم مشتركة تجاه القضايا الاقتصادية كلها.
ويتساءل: هل الظروف المعيشية الحالية للعمال الذين سيفقدون العديد من مكاسبهم مناسبة لإجراء هذه الصدمات..؟ لذلك يرى انه من الضرورة دراسة الأمر بتأن وهدوء لكل شركة بعيداً عن الحلول ذات المنعكسات السلبية على الشرائح الاجتماعية الفقيرة..
ويأمل الاتحاد التوجيه من قبل الجهات العليا بإعادة الدراسة لوزارة الصناعة وإعداد دراسة شاملة عن واقع القطاع العام الصناعي وإجراء تقويم موضوعي للواقع الحالي للمعامل والمصانع كلها والجدوى الاقتصادية لكل منها.. ومن ثم تقديم برنامج لإعادة تأهيل وهيكلة هذا القطاع وتعزيز قدرته الإنتاجية والتنافسية باعتباره الذراع الوحيدة التي تمتلكها الدولة في المجال الصناعي وذلك بمشاركة جميع أطراف الانتاج..
كما ان اصلاح هذا القطاع الاستراتيجي الهام والابقاء عليه مع الصناعات القائمة في القطاع الخاص واستمرار دعم الدولة ورعايتها للصناعة في القطاعين العام والخاص هي التي تخلق تنمية حقيقية في البلاد وقيمة مضافة وبالتالي معدلات نمو حقيقية وليس التوسع في المضاربات العقارية والقطاع الخدمي.
عمران محفوض
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد