الطلاق المرعب: كيف يمكن تربية أبناء أسوياء بعد الانفصال؟
في الطلاق.. الشبح المُسيطر على مخاوف الأبوين، هم الأبناء، ماذا سيكون وضعهم بعد الطلاق؟ هل سيمكن الاستمرار في تربيتهم بشكل طبيعي؟ أم يصبح هذا مستحيلاً؟ ما ذنب الطفل في خطأ أبيه أو أمه؟!
أفكار قاسية تواجه كلا من الأبوين، ويضيف العجز عن التوصل لاتفاق واضح حول الأولاد مخاوف إضافية، إضافة لأن تربية الأبناء في الظروف العادية أصلا أمر صعب، فما بالك بالظروف الاستثنائية كانفصال الأبوين.
هل هناك أمل؟ أم الفشل هو النتيجة الحتمية؟
الأبناء غالبا ما يحبون الأب والأم معا ويكرهون الشجارات التي تحدث بينهما، ويتمنون أن يبقى الأبوان معا لأنهم لا يستطيعون الاستغناء عن أحدهما، لكن إذا تحولت علاقة الأب والأم معًا لعلاقة مؤذية لأحدهما، فهذا كفيل بتشويه الطفل، مثلما قد يشوهه الطلاق بالضبط، فكثرة المشاكل داخل البيت الواحد تؤثر على نفسية الطفل وتنتج شخصًا غير سوي، حتى لو حاول الوالدان إخفاء مشاكلهما عن الأبناء فالأطفال لا يجب أن يروا ليشعروا. يكفي إحساسهم، فهم يقرأون الحقيقة دائمًا.
حياة الطفل مع والديه هي الحالة الأكثر صحية لتننشئة الطفل، لكن إذا وصلت الأمور بين الوالدين إلى طريق مسدود يمكن وقتها أن يكون الطلاق خيارًا أفضل بشرط أن يتعاون الوالدان في تربية أطفالهما ويفصلان بين مشاكلهما الشخصية والأبناء ويحاولان معًا تجاوز مشاكلهما التي يفترض أن الطلاق قد حدث لتخطيها، فلا داعي لإثارة المشاكل مرة أخرى، حتى لو من أجل خاطر الأبناء.
أولا، من المهم جدا أن يحصل الوالدان على دعم نفسي لمساعدتهما على تخطي مشاكلهما وإرشادهما لكيفية التعامل مع أبنائهما في هذه الفترة والفصل بين مشاكل الطلاق وتربية الآبناء.
ما هي المشاكل الشائعة التي يتعرض لها الطفل عند الانفصال؟
الطفل بحاجة لكلا والديه في جميع الأحوال حتى لو حاول أحد الطرفين تعويضه عن الطرف الآخر، فهذا لا يعوضه عن فقده أحدهما، كلما كانت علاقة الأبوين مستمرة بعد الطلاق بشكل ودي أمام الطفل سهل ذلك على الطفل تقبل انفصال والديه وقلل من المشكلات النفسية والضغط الذي يواجهه. والوالدان اللذان يهتمان باحتياجات أبنائهما ويستطيعان أن يضعا خلافاتهما جانبا ويتعاونا من أجل أطفالهما هم أكثر قابلية لتنشئة طفل سوي ناجح على الرغم من انفصال أحدهما عن الطفل.
لكن لا مفر في البدايات من مواجهة الطفل لبعض المشاكل التي ستنتج عن الانفصال حتى يتأقلم وحياته الجديدة، فيواجه مجموعة من المشاعر المضطربة والصدمات، الحزن، الغضب، أو حتى الاستغاثة بالوالدين ليعودا لبعضهما مرة أخرى.
وطبقًا للجمعية الأمريكية لطب الأطفال فإن معظم الأطفال يعانون بعد انفصال والديهما على المدى القصير من المشاعر السلبية، والرجوع لمرحلة عمرية سابقة، أما على المدى البعيد فهم يعانون غالبا من مشاكل أكاديمية، وعاطفية، واجتماعية، وسلوكية. الطلاق أمر شديد الصعوبة في الحقيقة.
ويتوقف رد فعل الأطفال على حسب مراحلهم العمرية ونموهم وعلى قدرة الوالدين على تفهم احتياجات أطفالهم والتعامل معها أثناء الانفصال، على الرغم من الضغط الكبير الذي يتعرض له الآباء نتيجة الانفصال.
كيف نساعد الطفل على الخروج بأقل الخسائر من مشاكل الطلاق؟
بعد الانفصال على الوالدين أن يكونا أكثر حذرًا في التعامل مع أطفالهما، فالطفل يشعر بحزن كبير وبألم الفقد نتيجة انفصال والديه، كما أن هذه الفترة الحساسة ستؤثر على حياته كلها، سيظل متذكرا هذه الفترة طوال حياته، لذلك هناك بعض الأمور التي يجب مراعاتها للحفاظ على الصحة النفسية لأطفالكما ومستقبلهم.
أبرز الأمور التي يجب مراعاتها بعد الانفصال
– يمكن أن يكون أسلوب التفكير المتفائل للوالدين عاملا أساسيا في مساعدة الطفل؛ لتقبل فكرة الانفصال، وتجنب أنماط التفكير الكارثي التي تفترض أسوأ الاحتمالات في كل الظروف.
– يكون الأطفال أكثر صمودًا وأقل توترًا عندما يكون النزاع بين والديهما هادئًا وعندما يخرجهم الطلاق من بيئة مليئة بالصراعات لبيئة أخرى هادئة، من المهم أن تحمي طفلك من الدخول في النزاعات قدر الإمكان، سواء قبل الطلاق أو بعده.
– يتحسن أداء الطفل إذا استمر الوالدان في المشاركة بشكل إيجابي في حياته، وعلى وجه الخصوص إذا كان الوالد غير المقيم يقيم علاقة وثيقة وداعمة مع الطفل، فالأب عليه دور كبير جدًا.
– على كلا الوالدين الاستمرار في الاستماع إلى الطفل حول مشاكله وتوفير الدعم العاطفي والمساعدة في القضايا اليومية والحفاظ على الحدود والقواعد المتفق عليها بينهما مع الطفل، والاتفاق على ما هو مسموح وما هو ممنوع في تربية الطفل.
– اتباع منهج مستقر ومتسق بين الأبوين في تربية الطفل أثناء وبعد الطلاق أمر مهم، فالانضباط الأبوي المتواصل مهم لأنه يضمن حدودًا واضحة لا تختلف اختلافًا كبيرًا بين المنازل. فلا يسمح الأب بشيء وتنهاه الأم ولا العكس.
– من المهم أن يدعم الآباء سلطة الطرف الآخر، وعدم الاستهزاء بها أو التهاون بها.
– الحفاظ على الروتين للأبناء قدر الإمكان حتى في أوقات الاضطراب والتوتر.
– الأطفال الذين يحصلون على الدعم ممن حولهم من الأسرتين هم الأكثر قدرة على التكيف مع تغيرات الطلاق.
– يحتاج الطفل لمزيد من جرعات الحنان والاطمئنان من الطرفين في تلك الفترة، على الرغم من صعوبة تقديم ذلك من الأبوين لانغماسهما في الحزن، لكن ذلك ضروري حتى يطمئن الطفل أن الطرفين لن يتخلا عنه فهو بحاجة للشعور بالأمان والاستقرار. يمكنك التأكيد بالقول والفعل على حبكما لطفلكما (أنا ووالدك نحبك).
– اجعلا للطفل المساحة الخاصة به في كلا المنزلين، حتى يشعر بالخصوصية والانتماء للمنزلين.
– لاحظا التفاصيل الصغيرة لطفلكما، واهتما بها، وناقشاها. لذلك حافظا على علاقة جيدة بينكما على الرغم من صعوبة الحفاظ على ذلك بعد الانفصال، إلا أنه يجب أن يكون بينكما لغة حوار هادئة لوضع قواعد مشتركة بينكما لتربية طفلكما.
بعض الأمور التي يجب تجنبها بشكل نهائي مع الأطفال عند الانفصال
– لا تتحدث بسوء عن الطرف الآخر مع الطفل أو أمام الطفل، ولا تحرض طفلك عليه بأي صورة، ولا تسمح للآخرين بحديث السوء أمام الطفل سواء عن أبيه أو أمه، وامنع حدوث هذا من كل أفراد الأسرتين
– الجدات مثلاً، فالطرف الآخر ربما لم يكن زوجا/ة جيد/ة لكنه ربما يكون والد/ة جيدة فافصل بين الأمور ولا تحدث تضاربا لمشاعر طفلك. وحاول الحفاظ على صورة الطرف الآخر جيدة لأن ذلك سيفقده ثقته بكل منكما فيما بعد. ، وطبعا عدم الذم في الطرف الآخر لا مع الطفل ولا حتى مع الآخرين أمام الطفل. هذه أمور غاية في الأهمية.
– لا تجعل طفلك وسيطًا بينكما، فمهما كانت الرسائل بسيطة أو مهمة لا تٌقحم الطفل فيها، فذلك يزيد من شعوره بالخلاف بينكما، خاصة إذا كانت لهذه الرسائل دلالات خلافية.
– لا تُجند طفلك كجاسوس على الطرف الآخر إذا أردت معرفة شيء يمكنك معرفته بأي طريقة أخرى بعيدا عن استخدام طفلك في خلافاتكما.
– لا تحاول استمالة الطفل ناحيتك بكسر الحدود والقواعد المتفق عليها بينكما. فذلك سيجعله غير مستقر نفسيا وستصعب عليه معرفة حدود الصواب والخطأ.
– إذا فقدت السيطرة على انفعالاتك أمام الطفل بادر بإصلاح ما قمت به في لحظته.
في النهاية الآباء غالبا ما يشعرون بالذنب حول الطلاق لأن علاقتهم فشلت، ويقلقون بشأن تأثيرها على الأبناء. لا داع للقلق إذا كان الآباء سوف يكونون أكثر سعادة عندما يعيشون بشكل منفصل، فذلك سيكون أفضل لهم وتبعا لذلك سيكون لديهم الوقت الكافي للاهتمام بأنفسهم وتقديم الدعم الإيجابي لأطفالهم والتعاون لتنشئة أطفالهم تنشئة سوية.
فأحيانا يكون الانفصال أفضل للأبناء من العيش تحت سقف مليء بالصراعات والتوتر.
إضاءات
إضافة تعليق جديد