اللباس الموحد: مطبق وغائب
تقودنا المتغيرات الحياتية المعاصرة, للنظر بمشكلات لم نكن نلامس أبعادها ونتائجها بهذه الحدة, ودون أن نبحث عنها
نجدها تتكرر أمامنا بمشاهد يومية في حياة الناس.. فمسألة ( توحيد اللباس المدرسي) التي أقرت لتقريب المسافات بين طلاب ينتمون لشرائح اجتماعية مختلفة, للقضاء على التفاوت الاجتماعي بينهم والتي كانت تبدو مسألة ثانوية بالنسبة لأصحابها وللمجتمع.. بدت اليوم وكأنها ساحة لحمى تنافسية في اللون والموديل ونوع القماش ومكان الشراء ,يتسابقون إليها أكثر من تسابقهم إلى التعلم.
وفي ظل غياب التطبيق العملي لهذا القرار, و النظرة المادية وتنوع السوق واختلاف الجهة المنتجة لهذه الملابس? ماهي ردود الأفعال تجاه هذه المسألة , ما الواقع, وما المطلوب! هذا ما نحاول رصده في هذه الآراء:
وترى الآنسة وفاء محفوظ مديرة مدرسة جاك فرعون : إن اللباس الموحد يخفف من الفروقات بين الطلاب على الأقل داخل الحرم المدرسي.. وما نراه من تعدد الموديلات وارتداء الجينز الأزرق بدل البدلة أو البلوزات القصيرة بدل القمصان والتي تقبل على أنها لباس نظامي.. سببها أن هؤلاء الطلاب يعيشون مرحلة المراهقة, وفي هذه المرحلة يشعر الشاب أنه بحاجة ليكون محط أنظار الآخرين ولفت انتباههم.
يمتنع الناس عن اللجوء للمجمعات الاستهلاكية لشراء حوائجهم بسبب فقدان الثقة بنوعية الأقمشة المصنعة ومنها الملبوسات لأن أغلبها قديم وبتفصيلات غير مرغوبة لدى جيل الشباب إضافة إلى أن أسعارها مرتفعة بالنسبة للأسواق الشعبية وهي غير منافسة أبدا.
المعلمة صفاءالصباغ تقول: مسألة الفروقات الاجتماعية تظهر في المرحلة الاعدادية حيث يرتدي كل طالب ما يريد دون محاسبة ويتفاخر بالأشياء والمستلزمات التي اشتراها من محلات معروفة في البلد.. وأعتقد أنه من المهم أن تكون هناك مؤسسات مسؤولة عن اللباس المدرسي لتنظيم فكرة توحيد الملابس المدرسية.
وتقول الآنسة شعاع متري: إن الفروقات الاجتماعية لابد وأن تظهر فهي إن لم تكن واضحة بالبدلة المدرسية فإنها تظهر بالبوط والحقيبة والمطرة ونوع الطعام والمصروف الشخصي.. فهناك الكثير من الأولاد لا يغيرون ملابسهم طوال السنة الدراسية وهناك اولاد كل اسبوع يأتون بجديد.
والمرشدة الاجتماعية ناديا زغيب ترى بان المشكلة تنبع من داخل البيت فعندما يلتزم الاهل بالتعاون مع المدرسة ذلك سيساعد في حل الكثير من الامور المتعلقة بنفسية الطالب وتصرفاته واجتهاده, وانا اقترح بأن يتم توزيع القماش على الطلاب والاهل يتولون مسألة الخياطة وبذلك نكون قد وحدنا اللون والقماش على الاقل اضافة الى شعورهم بالتساوي.
السيدة وفاء عيسى تعتقد ان السعي وراء الموضة والبهورة مسألة تتعلق بنوع التربية اكثر مما تتعلق بالفروقات المادية.
> الاستاذة ليلى فلاح عضو مكتب ريف دمشق لنقابة المعلمين ترى بأنه مجرد أن يشتري الطالب بدلته المدرسية من محلات ( هلا.. أو نف نف.. أو بينيتون..) ب 5000 آلاف ليرة.. وطالب آخر يرتدي بدلة من سوق الخجا بقيمة 700 ل.س, يوجد تفاوت اجتماعي.
وتقول: لو أنهم يريدون فعلا توحيد اللباس وتحقيق الهدف الذي طرح من أجله هذا الموضوع.. لما غاب دور الدولة وترك الموضوع بأكمله لتجار السوق يتحكمون به من كل النواحي من فرض للقماش المخزن لديهم, أو الموديل, أو الأسعار, وأعتقد أن اللون والزي الذي طرحته الدولة مغاير للون والزي الذي تطرحه الماركات اضافة إلى أن جودتها لاتختلف عما تطرحه مؤسسة سندس أو السوق الشعبية, الا أنها تحمل اشارة خضراء تدل على مكان الصنع والترخيص العالمي.. هذه الشهرة وهذا الصيت تحول إلى استغلال لشعب أصبح يحب الدعاية والمظاهر.
وتضيف فلاح : ان افتتاح المدارس هو موت حقيقي للكثير من العائلات لأن ذلك يعني شراء للبدلات والقمصان والأبواط والجوارب والبيجامات الرياضية.. اضافة إلى أنه شهر المونة.. فماذا يفعل الراتب في ظل هذه الحاجات.
إنه مرض اجتماعي ومصيبة كبرى عندما ترى المعلمين يشترطون على الطلاب شراء أقلام ودفاتر وقرطاسية من النوع الغالي ( نريد دفتر نهاري سلك, ونريد دفتر ليلي سلك, وسعر هذا الدفتر 60 ل.س) دون مراعاة للقدرات المادية وللمشاعر السلبية التي تصيب الفقراء منهم .
> الآنسة غادة رزق أمينة سر لمدرسة ابتدائية تقول: هذه الفروقات غير موجودة في المراحل الأولى من التعليم لكنها تظهر مع انتقال الطالب إلى المراحل المتقدمة وكوني معلمة وأعرف أجواء التعليم أرى أن هناك أشياء جيدة حتى بوجود ظاهرة عدم التقيد باللباس الموحد.. فالتعليم مجاني والكادر التدريسي جيد في جميع المراحل, الكتب بالنسبة للحلقة الأولى والثانية مجانية.. وبالطبع هذه المسائل تنعكس على مشاعر الطلاب بالشكل الايجابي وبالتالي مسألة الفروقات تكون خامدة في هذه المراحل.
وكأم لثلاثة أولاد جميعهم في المرحلة الاعدادية والثانوية تقول: ليس لدي فكرة عن أسعار الماركات لأنني لا أستطيع الشراء منها. أما المحلات العادية فسعر البدلة فيها يتراوح بين 1200 و1400ل.س وهذه الأسعار لو أضفناها إلى القرطاسية والحقائب والأبواط وغيرها من المستلزمات نجد أن كل ولد يحتاج إلى 5000 ل.س مع بداية العام الدراسي. وهذا بحد ذاته عبء ثقيل على الأهل.
محمد صالح قناطرة- الصف العاشر من مدرسة جودت الهاشمي.. اللباس في مدرستنا نظامي لكنه يختلف باختلاف المكان الذي يشتري منه الطالب فأنا اشتريت بدلتي من محلات عمو هشام ووجدتها أجمل شيء بالنسبة للمعروض بالسوق, لكنني أشعر بالضيق اذا كان زملائي المقربين يرتدون أفضل مني.. ولا تفرق معي ماذا يرتدي الطلاب الآخرون, مثلا مصروفي المدرسي كبير وهناك طلاب يأتون بدون مصروف.. لا أشعر بالفوقية ولكن أقول لهم الله يعينهم ونصيبهم هكذا.
الطالبة هبة أبو عتين من الصف الثامن: معجبة ببدلتي لأن قماشتها قريبة من الجينز ولونها يميل إلى السواد ولم أجد أحدا في المدرسة يرتدي مثل هذه التفصيلة.. سمعت انتقادات كثيرة من صديقاتي بأنها بدلة ضيقة وجاكتيها قصيرة, وكيف يسمحون لك أهلك بالخروج هكذا.. أعتقد أن ذلك سببه الغيرة وقد قطعت علاقتي مع بعضهن لأنهن وصفوني بأني شايفة حالي ومغرورة وهذه الأشياء تحدث كثيرا بين الطالبات.
توجهنا بهذه المسألة الى الاستاذ شفيق ياسين الاختصاصي الاجتماعي فاجاب: عندما وحد اللباس في المجالات التعليمية كانت الغاية منه اولا تنظيمية وثانيا القضاء على الفوارق الاجتماعية بين الطلاب وهذا مبدأ جيد وله بعد انساني عميق, إلا انه عمليا لم يطبق كما حدد له لامرين: الاول يتعلق بالطلبة انفسهم لان اللباس لم يرض اذواقهم فاخذوا النموذج واشتروا ما يماثله من الاسواق.
واعتقد حتى تلغى هذه الفروقات بشكل فعلي وحقيقي يجب ان يوحد اللون والقماش والخياطة ولكن بشكل ان يكون مغريا ومحببا للطلبة ويرضي فضولهم في هذه المرحلة.
وارى انه من الضروري ان تلغى التداخلات الخارجية والاستثناءات لان الواقع يدل على ان هذه الفروقات بقيت كما هي بل انها تتضخم وتشكل ضغطا قويا على الاهل من حيث المادة والقدرة على التعامل مع الابناء.
فهذه الخطوة لاتكفي لحل مسألة التفاوت الاجتماعي وانتفاء الشعور بالقومية أو الدونية بين الطلاب ,فهناك الحقيبة التي يحملها الطالب والقرطاسية وأنواع الأقلام والدفاتر والمصروف الشخصي.. والقدرة على الذهاب إلى الرحلات.. بالطبع كل ذلك دافع قوي لكي يتأثر الطالب الفقير وقد يدفعه ذلك للكذب أو لترك المدرسة.. فالنواحي المادية أخذت تسيطر على سلوك الطلاب وعلى نمط تفكيرهم.. ولهذا بعد نفسي و اجتماعي كبير قد لايظهر الآن لكن نتائجه ستكون سيئة..
ميساء الجردي
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد