المستشفى اليتيم في دير الزور: عن الذين لم يغادروا.. والموت
منذ خمس سنوات لم تعش دير الزور يوماً هادئاً، وزادتها الأشهر الأخيرة بؤساً مع استمرار حصارها من قبل تنظيم «داعش». غير أن الأيام القليلة الماضية كانت كفيلة بالبحث عن جانب من حياة الناس وعلاقتهم بالمستشفى الوحيد الذي يخدم الآلاف يومياً رغم كل الصعاب.
حتى بداية الأحداث في سوريا، وفي دير الزور كان في المدينة ثلاثة مستشفيات حكومية، اثنان منها شاملان لكل الاختصاصات والثالث مختص للأطفال والتوليد، بالإضافة إلى بضعة مستشفيات خاصة كانت تستقطب عموم أبناء المنطقة وكذلك الريف، بل وقللت من اضطرار المرضى للانتقال إلى حلب ودمشق لطلب العلاج، لا سيما مع وفرة الأطباء.
ولكن هذا المشهد بدأ يتراجع تدريجياً حتى الانكسار في تموز العام 2012، حين تصاعد الاقتتال بين مجموعات المسلحين والجيش في الريف، وكذلك في أحياء مثل الرشدية والحويقة حيث يقع المستشفى الوطني ومستشفى الفرات، ما فرض بطبيعة الحال خروج المبنيين من الخدمة وما يعنيه ذلك من اختفاء الكثير من المعدات الطبية والتجهيزات التي فشلت الكثير من محاولات إنقاذها عبر كوادر مديرية الصحة في تلك الفترة بحسب شهادة عبد الله، وهو ممرض وصل منذ أسابيع إلى دمشق. ويضيف: «بين ليلة وضحاها تحول المستشفى إلى خط تماس مباشر. دخلوا وسرقوا الكثير من الأجهزة ثم عرضوا بعضها للبيع.. كان همهم المال فقط».
وحده مستشفى الأسد بقي صامداً أكثر من غيره، وقد يعود ذلك، وفقاً لقول العديد من العاملين فيه، لبعده عن خطوط الاشتباكات، حيث يقع على طريق دولي إلى دمشق، ويجاوره عدد من الأبنية الحكومية التي انتقلت حديثاً إلى مواقع جديدة، مثل قيادة الشرطة والمرور والسكن الجامعي وكليات تتبع الى جامعة الفرات.
وبحسب شهادتهم، فإن العديد من الأطباء والممرضين العاملين في المراكز الخارجة عن سيطرة الدولة قد انتقلوا إلى العمل في الصرح الطبي الوحيد، الذي بات يخدم أبناء المدينة خلال السنوات المتتابعة من عمر الحرب.
الحصار والجوع وهاجس البقاء
لعل الفاصلة الأكبر في حكاية المستشفى كانت مع بدء فرض تنظيم «داعش» حصاره على المدينة الواقعة تحت سيطرة الدولة، وانعكاس ذلك على الحياة وظروف الناس التي تتراجع تدريجياً.
تتحدث طبيبة هناك عن الفترة القاسية، بالتزامن مع بدء سفر العديد من الأطباء إلى خارج المدينة، ما ضاعف من ضغط العمل كثيراً. وتقول: «نعمل في ظروف صعبة جداً. في أحيان كثيرة نستقبل أكثر من مئة مريض يومياً، وأحياناً أكثر في أيام العواصف الغبارية، ولم يعد هناك الكثير من العاملين. كانوا يرسلون لنا المواد والتجهيزات الطبية عبر الطريق البري، ولاحقاً عبر الطيران. وزاد الأمر سوءاً بعد المعارك قرب المطار الوحيد في المدينة، فأصبحوا يلقون بعضها بالمظلات بطريقة المساعدات الغذائية نفسها».
وبرغم كل هذا، بقي عدد من الأطباء والممرضين يعملون، مع وجود مولدات تؤمن الطاقة الكهربائية لاستمرار العمل ولو بالحد الأدنى، وفق قول القادمين من المدينة المنسية. فالمشكلة لم تكن بالإجراءات العلاجية، إذ كانت العمليات الجراحية والإسعافات تتم بشكل يومي ومستمر، خاصة مع تصاعد سقوط القذائف، كما استقبل المستشفى عدداً من جلسات غسل الكلى، وما زال الكثير من التخصصات في أمراض العيون والأطفال والتوليد والأمراض الداخلية يعمل فيه، رغم النقص الحاد لدرجة غياب بعض الاختصاصات بشكل كامل. وبالطبع كانت المشكلة تتعقد في حال غياب الوقود، وبالتالي انقطاع الكهرباء في بعض الحالات.
أما العقبة الكبرى، فكانت نقص الدواء، فالكثير من المواد العلاجية أصبح مفقودا، ليس في المستشفيات وحدها، بل وفي الصيدليات التي تبيع ما لديها بأسعار خيالية وفق شهادات المدنيين هناك، ما يزيد من إشكاليات الناس أو في حال تدهور الحال الصحية لأحدهم واضطراره للدخول إلى العناية المشددة، ما يعنيه ذلك من مستلزمات دوائية مفقودة.
ولكن ما الذي يدفعهم للبقاء هناك؟
لا شيء. هذا ما يصفه طبيب ثلاثيني هناك. ويقول الطبيب إن «تمسك الكثير من الناس بالمكان الوحيد الذي يؤمن لهم العلاج ضمن الإمكانات المتاحة يدفع الكوادر للبقاء، رغم الأوضاع المأساوية للحياة هناك». ويضيف: «هؤلاء لا يملكون ثمن السفر خارج المدينة. ربما لا يملكون غير الجدران الأربعة التي تؤويهم. ماذا لو غادرنا جميعا؟ لم يعد هناك سوى هذا المستشفى يستقبلهم، فأين يذهبون؟».
يذكر ان الجيش السوري كان استعاد السيطرة على مستشفى الاسد الاحد الماضي، وذلك بعد ساعات من سيطرة تنظيم «داعش» عليه. وأعلنت وزارة الصحة السورية أن «مجموعة مسلحة من تنظيم داعش اقتحمت مستشفى الأسد في دير الزور، وارتكبت مجزرة مروّعة بحق الكادر الطبي، بعد قيامها باحتجاز بعضهم واختطاف عدد من الأطر الطبية العاملة في المستشفى وأجهزت عليهم بالسلاح الأبيض». ولم يذكر البيان عدد الذين أعدمهم التنظيم، غير أن النشطاء كانوا تحدثوا عن اختطاف العشرات من العاملين في المستشفى بين أطباء وممرضين وعمال إداريين.
طارق العبد
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد