المعاكسة نوع من العنف دون ضرب
«يسلم لي هالطول»، «يقبروني عيون الغزلان»، «شو هالوجه مثل القمر». هذه بعض العبارات المستخدمة في المعاكسات أو التحرشات التي تتعرض لها عبير من شبان ومراهقين تلتقي بهم وهي في طريقها إلى جامعتها في حلب. غير أن الأمر لا يزعجها إلا عندما يخرج ما تسمعه من دائرة الغزل والتحبب إلى دائرة جرح المشاعر والبذاءات التي تتناول منطقة «الزنار ونازل» كما يقولون في العامية. «أحيانا أسمع كلاما بذيئاً يتناول مناطق من جسمي بشكل لا أقوى على سماعه». وتقول عبير: «عندما أسمع ذلك يحمر وجهي وأحاول مع زميلاتي الهرب بعيداً من الأعين». وتروي أمال انها تعرضت لتحرش جسدي من قبل شاب جلس بجانبها في سيارة أجرة (سرفيس)، وعندما حاولت إيقافه عند حده قال بصوت عال إنها هي التي تتحرش به وهي متضايقة لأنه لم يستجب لإشارتها. فما كان منها إلا أن خرجت من السيارة باكية مسرعة بعيداً من الأنظار.
هذه القصص هي غيض من فيض ما تتعرض له الفتيات هنا من تحرش مؤذ يقعن ضحيته لأن المجتمع غالباً ما يلقي باللائمة عليهن. «كثيرون يعتقدون بأن الفتاة لا تتعرض للتحرش إلا عندما تكون متبرجة بألبسة ومجوهرات مثيرة، أو عندما تعطي إشارة ما يعتبرها الشاب ضوءاً أخضر له»، تقول آمال. لا بل ينظر كثيرون الى التحرش الكلامي كمظهر من مظاهر الرجولة، وهو رأي يسخر منه العجوز القروي أبو إسماعيل (80 سنة): «عندما كنت شاباً كان التحرش بحق الفتيات عار يتعرض من يقوم به للنبذ من جانب محيطه الاجتماعي ناهيك بالعقاب الصارم الذي كان يتلقاه من والده بغض النظر عن ثخن شواربه». وهذا ما توافق عليه أم إسماعيل الذي تقول: «عندما أسمع ما تتعرض له حفيدتي التي تدرس في دمشق من معاكسات بذيئة أسأل نفسي من أين يأتي شباب اليوم بهذه العبارات العدوانية والبذيئة التي لم أسمعها في شبابي». أما الحفيدة سحر، الطالبة الجامعية، فتروي حكايات عن الشباب الذين يتجمعون على مفارق الطرق ومداخل المدينة الجامعية بحثاً عن فتاة يضايقونها ويؤذونها بشتائم وألفاظ نابية. وتزيد حدة هذه الشتائم إذا تبين لهم ان الضحية غريبة، أي ليست من سكان العاصمة: «أحياناً لا يكتفون بالألفاظ وإنما يقتربون حتى الملامسة ما يثير خوفي وحذري من الخروج وحيدة». وفي حالات أخرى قد تتعرض فتاة للتحرش على رغم وجود شاب معها ما يتسبب في حدوث عراك مع المعاكسين كما حصل مع سيلفانا، اذ تعارك شقيقها مع شباب تحرشوا بها ووصلت الأمور إلى الطعن بالسكاكين ونقل الجرحى الى المستشفى قبل أن تتولى الشرطة والقضاء النظر في ملابسات الحادثة.
وبغض النظر عما يقال من ان بعض الفتيات يرغبن بالمعاكسة من باب لفت النظر، فإن ظاهرة التحرش بمجملها مرفوضة من الغالبية الساحقة منهن، وهي تترك تبعات نفسية سيئة كما تقول إنعام: التي تحضر رسالة الماجستير في اختصاص علم الاجتماع. وتقول إنعام «تتجلى مظاهر ذلك في التشنج والعدائية التي تواجه بهما الفــتاة المحــيطين بها».
وتضيف: «تدل الى ذلك أيضاً مظاهر التجهم غير المبررة التي تسود وجوه الكثير من فتياتنا عندما يخرجن إلى السوق والأماكن العامة». أما أسوأ ما في الأمر فيتمثل في أن هذه الظاهرة أصبحت من سمات الحياة اليومية لجيل الشباب، وهي آخذة بالتزايد بينهم لأسباب عدة لعل أبرزها زياد حالات الفصل بين الجنسين في الـــمدارس واماكن اللعب، وما يولده ذلك من كبت وحرمان وشــوق كل طـــرف لمعرفة الآخر انطلاقاً من مبدأ أن كل «ممنوع مرغوب».
ومن بين الأسباب الأخرى للتحرش إلى جانب الفصل بين الجنسين حالات الإحباط التي يتعرض لها الشباب في علاقاتهم العاطفية وانتشار البطالة في شكل واسع في ما بينهم مما يشجع على تنفيس الغضب بأشكال عنيفة سواء عبر الإيذاء الجسدي أو اللفظي، خصوصاً أن الأخير لا يعـاقب عليه القانون.
عفراء محمد
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد