المنطقة الوسطى نحو التسوية.. ماذا سيبقى؟
تتّجه المنطقة الوسطى للتحوّل إلى منطقةٍ خاضعةٍ لسيطرة الدولة السوريّة بشكلٍ كامل، وذلك من خلال الاتّفاق الذي بدأ تطبيق تفاصيله بين الدولة السوريّة والفصائل المسلّحة المنتشرة في المنطقة، وبطبيعة الحال فإنَّ دمشق التي أنجزت مهمّةً كبيرةً في منطقةٍ تمتدّ بين ريف حمص الشماليّ وريف حماة الجنوبيّ من دون التوجّه إلى عمليّةٍ عسكريّة، لأنّها تضع في حساباتها الجواب للسؤال الذي يقول، ماذا بعد ذلك..؟
عمليّاً لم يبقَ في الأراضي السوريّة سوى منطقتَين محتملتَين مرشّحتين لتصدّر المشهد السوريّ، الأولى في إدلب وريفها، والثانية في درعا والمنطقة الجنوبيّة، إلّا أنَّ الاحتمال الأقرب يؤكّد أنَّ دمشق ستتّجه بزخمها العسكريّ نحو مناطق شمال غرب الأراضي السوريّة، لتحقيق جملة من الأهداف، أهمّها القضاء على وجود تنظيم “جبهة النصرة” الذي تتّخذ قيادته من مدينة إدلب مقرّاً أساسيّاً لها، كما أنَّ فكّ الطّوق عن بلدتي “كفريا و الفوعة” سيكون له من الأثر السياسيّ ما يعادله من أهميّةٍ على المستوى الإنسانيّ في حسابات دمشق.
وتقول مصادر ميدانيّة سوريّة: “إنَّ التوجّه نحو عمليّةٍ عسكريّةٍ انطلاقاً من نقاط الجيش السوريّ في ريف إدلب الجنوبيّ الشرقيّ، أو من ريف حلب الجنوبيّ الغربيّ من شأنها أنْ تزيد الطّوق الآمن حول مدينة حلب أوّلاً، وقد تذهب نحو التوغّل بعمقٍ أكثر نحو بلدتي “كفريا – الفوعة”، إلّا أنَّ الانتشار التركيّ قد يعيق حريّة العمل العسكريّ السوريّ، فالأخير لن يذهب نحو خرق اتفاقيّات مناطق “خفض التصعيد”، لأنّ دمشق ملتزمةٌ بها، إلّا أنَّ توجّه الفصائل المنتشرة في المنطقة إلى المسارعة في خرق هذه المناطق لتقديم الدعم الميدانيّ لـ”النصرة” وحلفائها برغم وجود خلافاتٍ جذريّةٍ بين هذه الفصائل والنصرة، قد يخدم العمليّة السوريّة، ويُجبر أنقرة على إنهاء العمل بهذه المناطق وسحب نقاط المراقبة التي نشرتها”.
وبحسب مصادر مراقبة للميدان في إدلب، فإنَّ الفصائل التي تتقاسم حاليّاً جملةً من الخلافات مع “النصرة”، ستذهب نحو محاولة تقديم الدعم الميدانيّ لها، وذلك على أساس تقاسم المخاوف من خسارة المناطق، فتوسّع الرقعة الجغرافيّة التي يسيطر عليها الجيش السوري يعني المزيد من الضعف في الموقف الميداني لأعدائه، إضافةً إلى أنَّ هذا التقدّم سيضيف لدمشق المزيد من القوّة على طاولة السياسة في أيّة مناسبةٍ يوضع فيها الملفّ السوريّ على طاولة النقاش.
الاحتمال الثاني، وهو الجنوب، يضع دمشق أمام مواجهة أخطر أعدائها، فالاحتلال الإسرائيليّ الذي يمتلك مخاوف ممّا يسمّيه بـ “الوجود الإيرانيّ وحزب الله” في الجنوب سيدفعه إلى تقديم دعمٍ أكبر للفصائل المنتشرة بالقرب من شريط الفصل مع الجولان السوريّ المحتل، والحديث هنا يشمل تنظيم “جبهة النصرة” الذي يسيطر على مجموعةٍ من القرى الكبرى بالقرب من شريط الفصل، أبرزها “جباتا الخشب”، والأخيرة تمتلك طريقاً مباشراً إلى الأراضي المحتلّة أعدّته الفرق الهندسيّة الإسرائيليّة خلال الصيف الماضي.
وإنْ كان الحديث عن الجنوب معنيّ بـ”الحدود الأردنيّة”، فإنَّ عمّان كانت قد صرّحت أكثر من مرّةٍ أنّها مع خيار تسليم المعابر الحدوديّة للدولة السوريّة، وهنا تبرز معلومات عن انضمام مجموعةٍ كبيرةٍ من القرى إلى خارطة المصالحة خاصّةً القرى المحيطة ببلدات “الصنمين – الشيخ مسكين”، وتبعا لذلك فإنَّ الذهاب نحو عمليّةٍ عسكريّةٍ ضخمةٍ سيحمل طابع الضغط على الميليشيات للتوجّه نحو إنهاء الوجود المسلّح في مناطق الجنوب، إلّا أنَّ التوجّه نحو الشمال لن يكون مسموحاً إلّا لمجموعات النصرة وبعض من الفصائل المتحالفة معها، فغالبيّة الفصائل المنتشرة في الجنوب تُعتبر من الفصائل غير المرغوب بها في إدلب، نتيجةً لعدم توجّهها لفتح جبهات الجنوب خلال معارك كلّ من “داريا – خان الشيح – وادي بردى – الغوطة الشرقية”.
الجنوب السوريّ ومحافظة إدلب هما أكثر المناطق ترشيحاً لتصدّر المشهد السوريّ خلال المرحلة التي ستلي خلو المنطقة الوسطى من الفصائل المسلّحة بتنفيذ الاتّفاق، الذي من شأنه أنْ يعيد ربط محافظتي حلب ودمشق بشريان تجاريّ هام يقلّل من تكاليف الإنتاج الاقتصاديّ في عددٍ من الملفّات، وعلى هذا الأساس يمكن القول إنَّ دمشق تتقدّم نحو إنهاء الحرب لصالحها بخطى متسارعة بالاستفادة من جملة التحرّكات الروسيّة مع أنقرة وسواها من الأطراف المتدخّلة في الملفّ السوريّ.
محمود عبداللطيف - أسيا
إضافة تعليق جديد