النساء العربيات ضحايا الرجال والإيدز، أمية وتقاليد قاسية ووصمة اجتماعية
كـــان مجرد تلميحها له بأنها سمعت طبيبـــاً في التلفزيون يتحدث عــن الواقـي الذكري، وكيف أنه يقي الزوجة خطورة بعض الأمراض المعدية كفيلاً بأن يرمي عليها يمين الطلاق الذي يبث الرعب في قلبها. ولولا استعطافها له، وتقبيلها يده إمعاناً في الاعتذار لكان أتم التفوه باليمين الثالث، ولتحقق تهديده المزمن لها بأن تجد نفسها وأطفالها الأربعة في الشارع.
باءت محاولتها لإنقاذ نفسها بالفشل كالعادة. فهي تعلم علم اليقين أن زوجها متعدد العلاقات النسائية، ولا يمانع في التعامل مع نساء يبعن الجنس في مقابل المال. وهي تجد نفسها بين الحين والآخر مصابة بمرض ذي طابع جنسي، وهو ما دفع الطبيبة التي تتردد عليها والتي استأنست لها فحكت لها عن حياة زوجها الجنسية، إلى تحذيرها من خطورة التقاط عدوى أخرى أكثر ضراوة وأعمق شراسة، إن هي لم تتخذ احتياطاتها.
لكن للأسف، هذه الاحتياطات بالنسبة إلى النساء في عالمنا العربي تعد تعدياً على مفهوم الرجولة وقيمة الذكورة. وهذه إحدى أهم النقاط التي يتطرق إليها التقرير الدولي عن «وضع الإيدز الوبائي في العالم 2010» الذي تم إطلاقه إقليمياً في الأول من كانون الأول (ديسمبر) الجاري في القاهرة، بالتزامن مع اليوم العالمي للإيدز.
تقول المديرة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز للشرق الأوسط وشمال أفريقيا الدكتورة هند الخطيب: «المعرفة بالإيدز في المنطقة لا تزال محدودة للغاية». وتشير الى أن النساء «أكثر عرضة للإصابة من الرجال، لسبب غير منطقي، وهو قلة المصادر المتاحة لهن للحصول على معلومات خاصة بالفيروس، وانخفاض قدرتهن على الوصول إلى مراكز الوقاية من الفيروس، وتدني أحوالهن الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأمية بينهن».
واقع الحال العربي يشير إلى تعرض النساء العربيات أكثر من غيرهن لخطر الإصابة بالإيدز، وذلك لا يعود إلى ممارسات أكثر خطورة من قبلهن، أو حتى لانتشار نسبة الإصابة في بيئاتهن أكثر من غيرها، ولكن لأنهن ببساطة محرومات من حق التفاوض على حقوقهن البديهية، ومنها الصحية وحماية أنفسهن، حتى في داخل مؤسسة الزواج. كما أن العادات والتقاليد وقائمة طويلة من الموروثات الثقافية البالية تسلبهن القدرة على الاختيار، أو الخضوع للاختبارات التي تندرج تحت بند «الوصمة» في مثل هذه الأحوال.
زهرة سيدة بسيطة الحال، حاصلة على دبلوم تجارة، ومتزوجة من تاجر ثري لكنه حاصل على قدر متواضع من التعليم وتعيش معه في حي شعبي حيث متجره الرئيسي. وهو دأب على السفر إلى بلاد الشرق الأقصى في السنوات الأخيرة للاتفاق على توريد سلع ومنتجات عدة، بالإضافة إلى «الصياعة والفسوق» على حد قول زهرة. وهي بذلك تعني إقامة علاقات جنسية مع نساء هناك. وتحكي زهرة عن «تلك النظرة» التي رمقها بها الجميع في مختبر التحليلات الطبية الذي توجهت إليه في حي بعيد تماماً عن ذلك الذي تسكن فيه للسؤال عن إمكان الخضوع لاختبار هذا المرض الذي سمعت عنه من التلفزيون. وهي النظرة التي جعلتها تبرح المكان من دون أن تنجز المهمة التي أتت من أجلها.
وعلى رغم القصور العام للإحصاءات المتوافرة في خصوص نسب الإصابة بالإيدز في الدول العربية، وهو ما يجعل تقصي الوضع الوبائي للمرض أمراً صعباً وغير دقيق، بحسب ما ورد في التقرير، تؤكد المؤشرات أن الفتيات والنساء المتعايشات مع الإيدز في الدول العربية يشكلن نحو نصف حالات المصابين بالمرض، وهو ما يعني زيادة عدد النساء المصابات، إذ شكلن 40 في المئة عام 2001.
أما الفئة العمرية الأكثر عرضة للإصابة بين النساء، فهي الفئة بين 15 و24 سنة، إذ ترتفع احتمالات الإصابة بينهن إلى نحو الضعف مقارنة بالذكور العرب في الفئة العمرية نفسها. وإذا كانت الحجة المستخدمة في المنطقة العربية لعدم إيلاء الإيدز وجهود الوقاية منه القدر المناسب من الاهتمام هي أن عادات وتقاليد المنطقة بالإضافة إلى ميل سكانها للتدين بوجه عام هي خير واق، فإن الأرقام التي أعلنها التقرير الجديد تؤكد ارتفاع معدلات الإصابة في المنطقة خلال العقد الماضي بأكثر من الضعف.
فقد بلغ عدد المصابين نحو 460 ألف شخص بنهاية عام 2009 مقارنة بنحو 180 ألف شخص عام 2001، كما ارتفع عدد المصابين الجدد من 36 ألف شخص عام 2001 إلى 75 ألف شخص عام 2009. وزاد عدد المواطنين العرب الذين توفوا بسبب الإصابة بالإيدز من 8300 شخص عام 2001 إلى 23 ألف شخص عام 2009.
وعلى رغم تدني هذه النسب قياساً الى مناطق أخرى في العالم، وعلى رغم أن العادات المحافظة تقي نسبياً من خطر الإصابة، إلا أنها لا تكفي للحد من انتشار الإصابة بالفيروس. وتلفت المســـتشارة الإقلـــيمية للإعلام في برنامج الأمم المتحدة المعني بالإيدز لارا دبغي إلى أن «الإصابة بالفيروس تتركز في شرائح معينة من السكان، وعلى رأسها متعاطو المخدرات من طريق الحقن، والمثليون، والعاملات بالجنس».
وبالطبع فإن الفئتين الأخيرتين تثيران الكثير من الجدل في المنطقة العربية. فالرجال المقصودون في هذا الصدد ليسوا مثليين لأنهم قد «يكونون ممن يمارسون الجنس مع النساء ولكن اضطروا لممارسته لفترة مع رجال» وهم في عرف منظمات الأمم المتحدة ليسوا «شاذين» لما في التسمية من حكم مسبق عليهم. الفئة الأخرى والتي لا تقل إثارة للجدل هي «العاملات بالجنس»، وبحسب ما ورد في التقرير، فإن العمل بالجنس يشيع في أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على رغم انخفاض مستوياته مقارنة بمناطق أخرى. ويقدر أن نسبة تتراوح بين 0.1 وواحد في المئة من سيدات المنطقة يمارسن الجنس في مقابل المال أو غيره من السلع. وفي حين يضيء التقرير على تراجع معدلات الإصابات الجديدة بين الشباب في 15 من أكثر الدول إصابة بهذا المرض بأكثر من 25 في المئة، فإنه يشير إلى أن الوباء ينتشر في شكل كبير بين العاملات بالجنس في جيبوتي ومناطق أخرى من الصومال وجنوب السودان. وتصل النسبة بينهن في جيبوتي إلى نحو 26 في المئة.
وسواء كانت النساء في العالم العربي عاملات في مجال موصوم ومسكوت عنه، أم كن في إطار مؤسسة الزواج الشرعي القانوني، فهن في حاجة إلى نظرة موضوعية لمد يد العون إليهن، سواء لتلقي العلاج، أم للوقاية من الإصابة، أم حتى للوصول إلى المعلومة حتى يتحقق الهدف المرجو وهو «أجيال خالية من إصابات جديدة، وخالية من الوصمة والتمييز، وخالية من الوفيات بسبب الإيدز».
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد