انهيار شعبية ساركوزي بعد سنة من ولايته
بعد سنة على تحقيقه انتصاراً ساحقاً في انتخابات الرئاسة الفرنسية، يسعى نيكولا ساركوزي الآن إلى اعادة تنشيط رئاسته المتعثرة واستعادة شعبيته الضائعة.
وقد أدى مزيج خطر من صعوبات اقتصادية ومشكلات شخصية إلى انحدار شعبية ساركوزي إلى مستويات متدنية قياسية بعد 12 شهراً فقط من انتخابه رئيساً.
وبين الاستطلاعات التي نشرت في اليومين الماضيين، أظهر استطلاع المجلة "اري ماتش" نشر أمس ان 72% من الفرنسيين غير راضين عن أداء ساركوزي، في حين يعتقد 65% منهم انه لم يلتزم بوعوده الانتخابية.
وحسب الاستطلاع ذاته، فإن 17% فقط من الفرنسيين يعتبرونه أفضل من سابقيه.
وقد أوردت وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) تقريراً حول الموضوع بعنوان "دبلوماسية ساركوزي الناشطة أمام اختبار الواقع"، قالت فيه: حقق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي خلال العام الأول من ولايته بعض الانجازات من خلال نشاطه الدبلوماسي الحثيث قبل أن يرغم على خفض طموحاته لتنسجم مع الواقع.
وحين انتقل الرئيس الجديد إلى قصر الاليزيه في 16 مايو/أيار بعد عشرة أيام من فوزه على الاشتراكية سيغولين روايال في ختام حملة خاضها تحت شعار "القطيعة" مع العهد السابق، كان يطمح بصورة معلنة إلى "تحريك خطوط" الدبلوماسية الفرنسية.
وكان عازماً على اعادة احياء المسيرة الأوروبية وتوطيد العلاقات مع الولايات المتحدة والابتعاد عن السياسة الخارجية التي انتهجها سلفه جاك شيراك والتي اعتبرت غير كافية على صعيد حقوق الإنسان.
وبدأ ساركوزي سياسته الخارجية بنجاح باهر تمثل في اطلاق سراح الفريق الطبي البلغاري المحتجز في السجون الليبية.
وحقق نجاحاً ثانياً حين أقرت دول الاتحاد الأوروبي ال27 مسودة المعاهدة "المبسطة" التي وضعها والتي أعادت تحريك البناء الأوروبي المتعثر منذ أن رفض الفرنسيون معاهدة الدستور في استفتاء عام 2005.
غير أن مسار ساركوزي الأوروبي بعد ذلك كان أكثر صعوبة، وشهد مشاجرات متواصلة مع ألمانيا وانتقادات متكررة للبنك المركزي الأوروبي وتحفظات شركائه على مشروع الاتحاد المتوسطي الذي طرحه.
وتبقى السمة الأبرز لدبلوماسية ساركوزي نشاطها المفرط حيث يضاعف الرئيس الزيارات إلى جميع انحاء العالم، مثيراً الفضول غالباً والاستياء أحياناً.
ويبدي الرئيس اندفاعاً للعب دور مسؤول المبيعات لحساب الشركات الفرنسية وقد حطم كل الأرقام القياسية بفوزه بعقود تفوق قيمتها عشرين مليار يورو في الصين.
وهذه الزيارة التي أهمل خلالها اصطحاب سكرتيرة الدولة لحقوق الإنسان راما ياد، كانت مناسبة لصدور أولى الاتهامات بحقه على صعيد حقوق الإنسان، وقد ازدادت حدة هذه الانتقادات حين سارع لتهنئة فلاديمير بوتين على الفوز المثير للجدل الذي حققه حزبه في الانتخابات التشريعية الروسية، ثم حين استقبل بمراسم احتفالية الزعيم الليبي معمر القذافي في باريس.
وتتهم المعارضة اليسارية ساركوزي بالتخلي عن "دبلوماسية حقوق الإنسان" لمصلحة دبلوماسية "دفتر الشيكات".
غير ان هذا الانتقال إلى "السياسة الواقعية" لم يأت بثماره بعد، إذ لا تزال روسيا تتمنع عن معاقبة إيران على طموحاتها النووية، فيما لم يسفر استئناف العلاقات والمشاورات مع سوريا عن النتائج المرجوة في لبنان، كما لم تسمح اليد الممدودة إلى الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز بالافراج عن الرهينة الفرنسية الكولومبية انغريد بيتانكور.
ورأى فيليب مورو ديفارج الخبير في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية ان "الرئيس أثبت عن قلة خبرة كبيرة"، مؤكداً ان "الحيوية لم تكن يوماً كافية في العمل السياسي".
ولم تعد "المصالحة" مع "الصديق الأمريكي" والتقارب مع الحلف الأطلسي مقنعين وإن كان ساركوزي يؤكد ان هاتين المبادرتين سمحتا لفرنسا بزيادة نفوذها، إلا أن العديدين بمن فيه من اليمين لا يرون فيهما سوى امتثالاً لموقف واشنطن.
وفي إفريقيا أثار الرئيس انتقادات شديدة إذ أعلن في يوليو/تموز في داكار ان "مأساة إفريقيا هي ان الرجل الإفريقي لم يدخل التاريخ بالشكل الكافي".
وتندد المعارضة باستمرار بتناقضات الدبلوماسية الفرنسية، وقال نويل مامير من حزب الخضر ساخراً مما يسميه "عهد النفاق"، ان ساركوزي "يعد بالدفاع عن حقوق الإنسان لكنه يخص بزيارته الأولى الدكتاتور عمر بونغو" في الغابون.
ولخص فيليب مورو ديفارج الأمر قائلاً "إن سياسة ساركوزي في افريقيا كما في أي مكان آخر تترنح باستمرار بين الخطاب والواقع"، مضيفاً "إن هذه الوقائع تقاوم في الوقت الحاضر عزمه على القطيعة، وفي نهاية المطاف، لا نعرف جيداً أين يريد أن يصل".
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد