اهالي القلمون يروون: طُردنا من حقولنا و’النصرة’ باعت المحصول لعرسال
منذ أن طهر الجيش السوري قرى القلمون من المسلحين في ربيع 2014، تحوّلت جرود تلك المنطقة إلى ملاذ للمجموعات المسلحة الهاربة من تقدم الجيش السوري والمقاومة، استمر تواجدهم في هذه الجرود على حساب الاهالي اولاً وأمن واغلاق الحدود ثانياً، حيث سعى المسلحون للتمدّد نحو قرى القلمون وحمص والقصير من الشرق والشمال، وإلى الداخل السوري واللبناني من الغرب والجنوب الغربي.
في هذه الجرود، وعلى امتداد النظر، تلال وجبال وسهول، انتشروا فيها، مانعين اهالي تلك القرى من الوصول الى مزارعهم، وكانوا يقابلون أي وصول للاهالي لتفقد اشجارهم ومزارعهم بالرصاص الحي، ما شكل عبئا جديدا، وحربا جديدة، بوجه أخر، انها حرب الارزاق، وضاعت احلام عشرات لا بل مئات العوائل.
أبو محمد، ذلك الرجل الذي انهى العقد الرابع من عمره قبل ايام، قابلنا بابتسامته رغم التعب الواضح على وجهه، فهو احد ابناء بلدة عسال الورد، وله من الابناء 6، ثلاثة منهم متطوعون في قوات الدفاع الشعبي والاخرون كانوا يعملون معه في الاراضي، استقبلنا ابو محمد وأصر ان نزور منزله في القرية، ليشرح لنا قربها من منطقة الجرود، وكيف حول منزله لاستراحة لضباط الجيش السوري والمقاومين، وذلك مع تحرير منطقة عسال الورد، ثم التحق هو وابناؤه وحمل السلاح، وبدأ يشرح رحلته مع تطهير جرود عسال الورد، " في البداية كانت مع تقديم الماء وبعض المسلتزمات لأفراد الجيش السوري والمقاومين، ومن ثم طلبت منهم ان اساعدهم في عملهم، كوني كنت جندياً في الجيش السوري، واني استطيع ان اتجول في جرود بلدتي، وانا ابن المنطقة يضيف ابو محمد ولا احد يستطيع ايقافي" هذه الكلمات فتحت ذاكرة ابو محمد على اول ايامه مع قوات الدفاع الشعبي والجيش والمقاومة، حيث اوضح انها " لم تكن علاقة رئيس ومرؤوسين، بل كانت علاقة اقرب للصداقة، كانوا يتعاملون مع المتطوعين على انهم الاساس في تلك العملية، ويشاركونا الرأي كوننا ابناء المنطقة ونعرف جغرافيتها".
تقدمنا اكثر مع "أبو محمد" نحو الطريق الواصل الى الجرود، وبدأ يشير بيده نحو تلة بعيدة تظهر بالأفق، ليرفق اشارته بابتسامة تدل على ذكرى ما لهذه التلة، ويخبرنا انها تلة خربة النحلة الاستراتيجية المشرفة على جرود عسال الورد وشرق جرود بريتال، والتي شارك ابو محمد ورفاقه من متطوعي بلدة عسال الورد، في الضغط على المسلحين نارياً من الجهة الغربية عبر جرود عسال الورد اثناء تطهير المقاومة لها، مبيناً أن " العملية بدأت فجراً، وكان عددنا يتجاوز المئة مقاتل، حين بدأنا مع الجيش السوري عملية رمي تمهيدي، واحاطة نارية لكل ما يتحرك من الحدود نحو جرود عسال الورد، مستدرجين مسلحي جبهة النصرة نحو مصيدة في وادي الدار ووادي الصهريج" لم تفارقنا ابتسامة الخمسيني طوال فترة جولتنا في جرود عسال الورد.
انتقلنا بعدها لجرود الجبة، لنصل الى موقع لقوات الدفاع الشعبي، وقد رفع عليه العلم السوري، اما جدران الموقع فقد دوّن عليها المقاتلون ذكرياتهم، وكأن لسان حالهم يقول ان تلك الجدران ستسجل للتاريخ هذه المعارك. استقبلنا ابو الفداء قائد الموقع، ومن لكنته عرفنا انه من اهل قرى القلمون، فلهجته المحببة تشي بأنه يعرف الكثير من اسرار هذه المعارك، اخبرنا احد مرافقيه انه من اهم مالكي الاراضي في المنطقة، حيث سبقنا للحديث ليوضح سبب انضمامه لقوات الدفاع الشعبي، بعد استغرابنا، فشرح لنا قصته قائلاً: " من الصعب على الانسان ان يرى وطنه يضيع، ومن الاصعب ان يرى تعب عمره يسرقه بعض الارهابيين ويقف مكتوف الايدي" وتابع ابو الفداء " انا واخوتي ورثنا عدة بساتين مزروعة بأشجار الكرز في الجرود، وبعد ربيع السنة الماضية، حاولنا جني الموسم لكننا حين اقتربنا من ارضنا، خرج لنا ملثمون يتبعون لجبهة النصرة، واخذوا سيارة النقل التي نملكها، واحتجزونا لساعات، واثناء وجودنا في سجنهم بالجرود، كنا نستمع لتجار الكرز، من بلدة عرسال يفاوضون المسلحين على ثمن المحصول، واكتشفنا ان جبهة النصرة قد باعت محصولنا قبل قطافه لتجار من عرسال قاموا بنقله الى داخل لبنان". هنا توقف ابو الفداء للحظات وهو يشد على بندقيته، ونظر الى تلك البساتين التي تلوح في الافق، وتابع حديثه "عندما اطلقوا سراحنا، التحقنا مباشرة بقوات الدفاع الشعبي، وتلقينا تدريبات على يد المقاومة والجيش السوري، وكانت لنا مهام خاصة ننفذها بسهولة، كوننا ابناء هذه الجبال ونعرفها كما نعرف وجوه امهاتنا، وساهمنا معهم في تحريرها من جبهة النصرة".
كلام ابو الفداء حمل معه الكثير من الالم، فأشجار الكرز والتفاح التي زرعها والده في تلك البساتين، كانت تقتلع امامه من قبل مسلحي النصرة للتدفئة عليها في الشتاء، بالإضافة الى الخسائر المادية الفادحة التي لحقت به، حاله حال جميع مزارعي المنطقة، حيث اخبرنا مسؤول الوحدة الارشادية الزراعية في بلدة الجبنة، ان محصول الكرز كان يدر على اصغر فلاح فيهم سنوياً ما يعادل مليوني ليرة سورية والآن يؤكد لنا الاهالي انهم منذ الايام الاولى لتنظيف هذه البساتين والتلال بدأوا بالعودة الى تلك الحقول للاهتمام بموسم الكرز وهو الآن على الابواب
قوات الدفاع الشعبي التي شاركت في معارك جرود القلمون، هم ذاتهم ابناء هذه الجبال والجرود، فالقوى الرديفة للجيش والمقاومة، كانت لهم كلمتهم في تلك المعارك والتي سيذكرها التاريخ، ان اهل الارض هم من قاوموا وجود كل جسم تكفيري، هدفه الحاق الضرر بجسم الوطن الواحد، لصالح الكيان الاسرائيلي.
إضافة تعليق جديد