بائعات الهوى: الطلاق والاغتصاب والفقر سبب انحرافنا
لنتسلل قليلاً إلى المشاعر ونصم الآذان على إيقاع الألم, لنرى؟ بأن هذه المرأة وخاصة الفقيرة التي وضعنا على ميسم وجهها وحتى في وثائق علاقاتنا بها وشم البغاء, هي امرأة لم تركب جذوة النزوات ولا استحالت إلى اسفنجة أوكلت نفسها لامتصاص اللذة والبحث عنها دوماً ولكنها ببساطة امرأة أًصيبت بيأس الظلم في حياتها.
لنقرأ إذن هذا التحقيق ولنتابع هذه الشهادات لأنها شهاداتنا, الفقر, الأمية, انعدام فرص العمل, ارتفاع نسبة الطلاق, بنية تحتية تجعل من مهنة الدعارة تنمو وتنتعش فيتداخل الاقتصادي بالسياسي, والنفسي بالاجتماعي لتتحول بعض الأمكنة إلى سوق البغاء تخضع لقوانين العرض والطلب يكره بعضنا هذه الفئة من مجتمعنا وكأنها هي المسؤولة عن اختياراتها ومسلكيتها وتصرفاتها.. يحتقرها بعضنا الآخر من دون أن يسأل لماذا؟ وكيف كانت البداية ولماذا وصلت إلى ما هي عليه الآن؟ ولكن بائعات اللذة كما يسميهن البعض يقلن (لسنا مجرمات) ولكننا ضحايا ولم يسبق لأغلبيتهن التمدرس.
التقيت بعض الشابات اللواتي لا يمارسن البغاء من أجل الغنى, ولكن فقط لكي لا يمتن جوعاً, وهن ينشرن أجسادهن ببعض المواقف وسألتهن عن أسباب الخروج كما يسمونه؟ فما الذي تقوله هذه الفئة من ضحايا واقعنا.
تجيبني رقية بدهشة تسألني لماذا أمارس البغاء؟
جلبابها القديم وصندل البلاستيك يلخص وضعها, ليست من عاهرات الفيلات والقصور والدولار ولم تدخل عالم البغاء حباً في هذا العالم شابة في 26 من عمرها مطلقة تعيل طفلين تصحو على صوت ابنيها اللحوح من أجل لقمة (العيش) استعصت عليها عندما أغلقت في وجهها كل منافذ الشغل والعيش الكريم والمشحون في الوقت ذاته ماذا أفعل عندما يقول لي ابني أمي أريد خبزاً ولداي لا يطلبان لحماً فقط خبزاً ولا أجده..!
يبقى الطلاق من أهم الأسباب التي توجد مواقف البغاء التي تؤثث بأجساد بنات الليل وهذا ما تؤكده روعة 30 سنة: كنت طفلة أحبو عندما توفي والدي بنت أمي حياتها مع زوج جديد فعشت أنا وأخواتي ربيبات لزوج أمي الذي كان يظهر لنا كلما كبرنا أن البيت يضيق بنا, وهو كذلك لهذا اعتبرت أول رجل يتقدم لي سيخرجني من هذا القهر وولدت ابني وبعد سنوات قليلة حكم زوجي في إحدى القضايا بأربع سنوات سجناً لأجد نفسي مع ابني في الشارع بعدما طردنا صاحب البيت.. طلبت الطلاق (خرجت لهذا الشيء) زوجي يعرف أنني أمارس البغاء وأنا أقوم بهذا لكي لا يموت ابنه من الجوع, إذا خرج من السجن وأراد أن يعيدني سأرجع إليه.
ولا أحد منا ينكر ما للاغتصاب من مخلفات نفسية واجتماعية خطيرة, هذا ما يتجسد أمامي واقعاً مادياً ولكبيرة 19 سنة تضغط كفا بكف وتقربهما من انفها (إنها تشم), صنفها المجتمع وهي طفلة بكل قسوته عندما يقسو في خانة النساء الساقطات وتحكي بلا مبالاة ناتجة عن مفعول ما تشم كان عمري 15 سنة عندما تم اغتصابي من طرف شخص حكم عليه وحكم علي الناس فبدؤوا يحتسون بسيرتي كؤوس الشاي, فقدان عذريتي مع وجودي داخل البيت مع سبعة إخوان وأخوات وأمي وأبي وجود غير مرغوب فيه, إحدى الصديقات كانت تعرف مشكلتي هي التي احضرتني إلى موقف البغاء هذا.
هل نجرؤ على الحديث عن إمكانية الابتعاد عن هذه المواقف؟ عندما سألت رقية هل تغادر هذ المكان إذا وجدت شغلاً؟ أجابتني بكل اقتناع البغاء مهنتي ولا أفكر في الابتعاد عنها حالياً, الناس يشغلونك بدون مقابل أجرة شهرية لا تكفي حتى لأسبوع.
هذا الموقف مكتوب علي وسأظل واحدة من بين بنات الليل وستظل رقية تأكل لقمة مغمسة بالذل وبإلغاء كرامتها وإنسانيتها كإنسانة فكلما شح سوق العمل, ازدهر سوق البغاء حيث تتكلم سلطة الجسد, وحيث يأتي الرجل حيواناً لا إنساناً تجاهلت الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
وأعدت السؤال مرة أخرى على زهرة هل يمكن حدوث طلاق بينها وبين هذا الموقف إذا وجدت عملاً بسرعة, ردت زهرة لا أقف هنا حباً ولكنني لا أجد عملاً, لو وجدت لكل واحدة منا عملاً لما وجدت مثل هذه المواقف في كل مكان, أمنية وجود عمل صعبة المنال لأصحاب الشهادات, فكيف يمكن أن تحقق لمن لا صوت لهن لضحايا الهامش هؤلاء.
قالت لي زهرة أريد أن أرى في عيون الناس إنني إنسانة ضحية ولست مجرمة فهل سيرحم المجتمع هؤلاء وهل ستسامح زهرة نفسها؟
إدريس أسعيد الباحث التربوي يقدم وجهة نظر علم الاجتماع في ظاهرة, البغاء الموضوع واسع وقد حان الآوان لفتح حوار حول الظاهرة ويمكن أن نتحدث عن أنواع متعددة للبغاء, فالبغاء مثلاً يعرفه القانون بأنه علاقة جنسية بمقابل مادي عندما يصبح جسد المرأة والرجل كذلك سلعة للتداول تخضع لقوانين السوق فنحن هنا أمام البغاء.
والبغاء واقع يومي ولكن ليس له وجود قانوني لهذا يمكننا أن نتحدث عن بغاء موسمي لا يمارس من طرف المحترفات وإنما من طرف هاويات كالتلميذات والموظفات والعاطلات ويستخدم هذا النوع أساساً للحصول على مدخول تكميلي إما لمواجهة مصاريف العيش أو لمسايرة ضغوط الموضة النسائية ويزدهر هذا النوع أساساً في مواسم معينة كالعطل. فالبغاء يحول الشارع إلى ملك للرجال ويعرض المرأة إلى تحرشات جنسية وأما عن أسباب الظاهرة فإن الدراسات السوسيولوجية تبين أن البغاء كشكل من أشكال الشذوذ موجود دائماً ولكنه لا يتحول إلى ظاهرة جديرة بالدراسة إلا إذا تجاوز حدوده الدنيا ويمكن أن نسجل بعض الملاحظات كالتردي السريع للمستوى الاقتصادي, التحولات الاجتماعية السريعة التي تمنع من تجذر نظام قيم اجتماعية قادرة على محاصرة هذه الظاهرة وتصدع العلاقات الأسرية والعائلية وعدم تعويضها بعلاقات أخرى.
- انتشار ظاهرة الطلاق وخصوصاً في السنتين الأوليين بعد الزواج.
- ضعف الحماية القانوية للمطلقات وغياب قوانين وتشريعات واضحة تحمي من استفحال هذه الظاهرة.
ولكن مهما قست الظروف وتشعبت الاسباب لن تكون هذه المهنة مبررة,فآثارها السلبية سواءَ الصحية أو النفسية أو الاجتماعية ستكون أقصى من أي مردود مالي قد يحققنه , وما زالت الفرص للعمل متاحة للجادات فقط....وصدق من قال:( تموت الحرة ولا تأكل بثدييها).
محمد عكروش
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد