(باب المقام) الفيلم الذي صنعته الشائعة
لابدّ لمشاهد فيلم باب المقام للمخرج السينمائي محمد ملص (عُرض مؤخراً في مهرجان جبلة الثقافي الثالث) من أن يتأمل باستغراب الضجة المفتعلة حول الفيلم منذ انتهاء تصويره قبل ثلاث سنوات.
حيث أُشيع وخلال تصوير الفيلم أنه ممنوع من العرض في سورية، لذلك أكمل المخرج تصوير الفيلم والعمليات الفنية خارج البلد، وباعتبار أن الفيلم بحسب صانعيه (ممنوع من العرض) جال الفيلم في عدة مهرجانات عربية ودولية خلال العامين الماضيين (مهرجان مراكش ومهرجان فالنسيا ومدينة عمان العاصمة الأردنية) وكأن شائعة منع الفيلم كانت نوعاً من الدعاية والتسويق له حيث تلقفته المهرجانات لإنقاذه من (الاضطهاد الرقابي) والتضييق على (المبدعين)!!
كما حاز الفيلم في مهرجان فالنسيا عام 2005 جائزة السيناريو (كتبه حسب الملصق ثلاثة: محمد ملص وخالد خليفة وأحمد عطية) ما زاد من الدعاية حول الفيلم فبدأ المهتمون بالسينما والمثقفون يتساءلون عن موعد عرض الفيلم في سورية مع سريان همهمات التضامن مع المخرج المضطهد الذي لم يستطع عرض تحفته السينمائية الثالثة (بعد فيلم أحلام المدينة وفيلم الليل).
مع مجيء الدكتور رياض نعسان آغا وزيراً للثقافة (شباط 2006) كان من قراراته الأولى عرض فيلم (باب المقام) في دار الأسد للثقافة والفنون عرضاً إعلامياً (مساء 12/3/2006).. العرض الإعلامي للفيلم في أهم منشأة ثقافية سورية أذاب جبل الشائعة الثلجي في لحظات وتبين أن حكاية المنع هي مجرد افتراض وراءه رغبة تسويقية ليس إلا.
ومع خروجنا من الصالة بعد العرض الأول فجّر الكاتب خالد خليفة قنبلته الإعلامية باتهام المخرج ملص بحذف اسمه من النسخة الأجنبية للفيلم مع وضع اسم المنتج أحمد عطية على الملصق كمشارك في كتابة السيناريو الأمر الذي فتح المجال لحرب قضائية بين الكاتب خليفة والمخرج ما زاد من دعاية الفيلم والترويج له حيث تكرر اسم (باب المقام) آلاف المرات في وسائل الإعلام المختلفة نتيجة التصريحات المتضاربة بين كاتب السيناريو والمخرج، والتي تناولت الحقوق المعنوية والمادية لكلا الطرفين.
ولم تكد حرب التصريحات تضع (أوزارها) حتى بدأت جولة جديدة منها بعد اكتشاف الكاتب خليفة (منذ ثلاثة أشهر) حصول الفيلم على جائزة السيناريو في مهرجان فالنسيا عام 2005 دون علمه فبدأ كالزوج المخدوع وبدأت من جديد الصراعات القضائية والإعلامية وكل منهما يزج بوثائقه أمام الإعلام مع دخول مؤسسة السينما كطرف ثالث على الخط (أدخلها كاتب ومخرج الفيلم)، فانشغلت الصحافة بالخلاف الناشب بين صُنّاع فيلم (باب المقام) والمتجدد بين فترة وأخرى.
وهذا ما جدّد تعطّش جمهور السينما لرؤية الفيلم الذي لم يغب اسمه عن وسائل الإعلام، والسؤال المتكرّر: متى يتم عرض الفيلم جماهيرياً؟ وهل هو فعلاً ممنوع؟!..
جمعية العاديات في جبلة جاءت بالفيلم ومخرجه وعرض (باب المقام) في اليوم الثاني من مهرجان جبلة الثقافي الثالث وتبعته ندوة جماهيرية مع مخرجه محمد ملص.
الندوة تناولت بعض جوانب الفيلم كالمونتاج والألوان وموضوع الفيلم.. كما تحدّث المخرج عن قصة فيلمه التي تعود لعام 2001 عندما قرأ عن امرأة قُتلت لأنها تحب الغناء حيث اتهمها أقرباؤها (أخوها وعمها) بشرفها.. فيما تجنّب المخرج أي إشارة للخلافات والصراعات القائمة بسبب الفيلم.
(باب المقام) (اسم موسيقي، وفي الوقت نفسه اسم حي بحلب) يحاول معالجة الجرائم المرتكبة في سورية تحت اسم (جرائم الشرف) تقدّرها بعض الإحصاءات بـ(300) جريمة سنوياً، أغلبها قائم على الشكّ والتخمين أو نوع من الثأر القبلي لخروج بعض البنات على التقاليد المناطقية وزواجهن من رجل من خارج الملّة، وهذه المسألة هي نقطة التميز الوحيدة في فيلم (باب المقام) التي تتهادى الكاميرا فيها وكأنها في فيلم تسجيلي تلاحق تفاصيل البيئة أكثر من ملاحقة الخيوط الدرامية للجريمة ما أبطأ من إيقاع الفيلم الفقير بالأحداث والضعيف بحبكته الدرامية، فكل الأسباب التي أدّت لقتل إيمان هي أسباب ضعيفة جعلت القتل عملية مجانية غير مقنعة لأنها قامت على سبب جوهري هو الغناء وترديد أغاني أم كلثوم، بينما زيارة إيمان للمغنية وشراؤها الأشرطة من محل شمس الأصيل لا تشكل أسباباً درامية لهذا القتل الفاجع (سكين الأخ) ومسدس العم الذي أطلق على المسجلة رصاصتين (قتل الفرح)، والتشنج الدائم الذي يتصف به العم (ناصر وردياني) غير مقنع فنياً رغم محاولة الفيلم إعلامنا أنه ضابط مطرود بسبب ابن أخيه المعتقل السياسي، في حين كان دور زوج إيمان (أسامة السيد يوسف) دوراً هامشياً على الصعيد الدرامي في الفيلم فهو زوج يعشق الغناء مع زوجته ويحب الأخبار، لكن دوره لم يتعد دور الشاهد على الأحداث السياسية التي نسمعها من راديو سيارته (سائق تاكسي) ومن اليافطات الموزعة في الشوارع معلنة عن انتخابات عبثية مع بعض مشاهد المظاهرات المنددة بأميركا وبغزوها للعراق وهي مشاهد قصد منها الفيلم الربط بين الهزائم السياسية وتخلّف المجتمع وتفككه من الداخل.
إذاً كانت الكثير من أحداث الفيلم متمحلة تمحلاً وهو أي الفيلم أقرب لفيلم تلفزيوني مصنوع على عجل بقصد المشاركة في مهرجان القاهرة التلفزيوني (مثلاً) فبعض المعلقين على الفيلم وإثر انتهاء عرضه في مهرجان جبلة الثقافي الثالث استغرب حصول الفيلم على جائزة السيناريو رغم أنه العنصر الأضعف في الفيلم، كما استغرب هذه الحرب الضروس على فيلم هو الأضعف بين الأفلام السورية، اللهم إلا موضوعه وجرأة التناول (جرائم الشرف)، فيما لفت التصوير نظر المشاهدين لما فيه من حميمية وتفاصيل مكانية وقدرة على نقل أحاسيس الشخصيات، لذلك كان حرياً ببعض المهرجانات إعطاء الفيلم جائزة وحيدة هي جائزة التصوير!!
أحمد الخليل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد