بيكاسو في الذكرى 125 لولادته
ضمن احتفال اسبانيا العام 2006 بالذكرى 125 لميلاد الفنان القرن العشرين بامتياز «بابلو بيكاسو» المولود في «ملقا» باسبانيا عام 1881 والمتوفى في منزله على مقربة من مدينة (نيس) بفرنسا في الثامن من نيسان عام 1973، شهدت العاصمة الاسبانية (مدريد) مطلع العام الماضي، معرضين مهمين لأعماله.
الأول أقيم في متحف (برادو)، والثاني في (رينا صوفيا) ضمّا ما يربو على مئة عمل فني «لبيكاسو» تعود لأكثر من مرحلة في تجربته الفنية الطويلة والغزيرة والمتنوعة أسلوباً وتقنية. ونتيجة للإقبال الجماهيري الكبير على مشاهدة هذه الأعمال، تم تمديد فترة عرضها حتى شهر أيلول الماضي، وقد قدر عدد زوّار المعرضين بنصف مليون شخص.
نُظّم المعرضان احتفالاً بالذكرى الخامسة والعشرين لوصول لوحة بيكاسو الشهيرة «الغورنيكا» الى اسبانيا، وهي اللوحة التي تناول فيها حادثة قيام النازيين الألمان بقصف مدينة (غورنيكا) الواقعة في إقليم الباسك، شمال اسبانيا، إبان الحرب الأهلية الاسبانية. وكان بيكاسو قد رفض السماح بعرض هذه اللوحة في اسبانيا خلال وجود الدكتاتور (فرانكو) على قيد الحياة التي فارقها عام 1975، وفي الوقت نفسه، تزامن المعرضان مع احتفال اسبانيا العام 2006 بالذكرى 125 لميلاد بيكاسو.. الفنان الذي عاش الحياة والفن حتى الثمالة، تاركاً وراءه إرثاً فنياً كبيراً وعظيماً، بات يُشكّل اليوم، علامة بارزة في الفن التشكيلي العالمي المعاصر، قدّره الخبراء بمئة وأربعين ألف لوحة، ومئة ألف محفورة ومطبوعة، وأربعة وثلاثين ألف صورة تزيينية، وثلاثمئة منحوتة وقطعة خزف، تتوزع على اتجاهات وأطياف وتلاوين الفن كلها.
تشير الدراسات الٍى أن بيكاسو تحرر من الهموم المالية وهو في الثامنة والعشرين من عمره، وأصبح من الأثرياء في الثامنة والثلاثين، وبعد الخامسة والستين أصبح مليونيراً. وفي خط مواز لصعوده المالي، صعدت شهرته لتغطي أركان المعمورة كلها.
اعتبر الباحثون أن من يضاهي بيكاسو شهرة في العالم هو الممثل الكوميدي «شارلي شابلن» الذي حقق هذه الشهرة عن طريق شعبية أفلامه. أحاطت بحياة بيكاسو أقاويل وحكايا حوّلته الى شخصية أسطورية، ومن هذه الأقاويل: بيكاسو العجوز مازال بوسعه أن يتزوج الصبايا. بيكاسو عبقري.. بيكاسو مجنون، بيكاسو أعظم فناني القرن العشرين، فن بيكاسو هراء في هراء، بوسع طفل أن يبزه. بيكاسو يضحك على ذقوننا.. وغيرها الكثير.
من جانب آخر¾ عُرف بيكاسو بمغامراته وغرامياته العديدة التي عمّقت أسطورته، وزادت من شهرته وانتشاره وغموض شخصيته في آن معاً!!.
أهم وأبرز علاقاته العاطفية، كانت مع ماري تيريز والتر التي تعرّف إليها عام 1931 وقام برسمها بطريقة خاصة فيما يربو على خمسين لوحة، غدت بعدها رمزاً مهماً من رموز فنّه وحياته.
قال فيه الكاتب الفرنسي المعروف (جان كوكتو): «إن موكباً من الأشياء يتوالى في يقظة بيكاسو، وهي تؤدي له فروض الولاء والطاعة على نحو كانت الوحوش تطيع (أورفيورس). وهكذا يلذّ لي تقديمه: أنه ما إن يضع يده على شيء جديد حتى يروّضه فيتخذ شكلاً لا يمكن إدراكه إذا ما نظرنا إليه بعين العادة. إن ساحر الأشكال هذا، إنما يتخفى في زي ملك جامعي الخرق الذي لا يني يكنس الشوارع في سبيل الحصول على شيء يفيد منه».
أما بيكاسو فيقول عن نفسه: «إنني أرى بالنيابة عن الآخرين، أي انني أضع على قماشة الرسم الرؤى المفاجئة التي تفرض نفسها عليَّ، فأنا لا أعلم مسبقاً ما سوف أضعه على القماشة، كما لا أعلم أية ألوان سأستعمل، وما إن أشرع برسم لوحة ما، حتى ينتابني إحساس بأنني قد قذفت بنفسي في الفضاء، ولا أعرف أبداً ما إذا كنت سأستقر على قدمي، ولا أستطيع أن أقدّر أثر ما قمت به إلا فيما بعد».
(جون بيرجير) يرى أن بيكاسو هو الفنان النموذجي لمنتصف القرن العشرين، لأنه يجسّد قصة النجاح في أحلى صورها. فهناك فنانون آخرون تكالبوا على النجاح، أو تكيّفوا مع متطلبات مجتمعهم، أو تنكّروا لمنطلقاتهم، أما بيكاسو فلم يفعل شيئاً من ذلك بتاتاً، ولم يستهوه النجاح إلا بمقدار ما استهوى (فان كوخ) الفشل، ولم يكن أي منهما كارهاً لمصيره، ولكن كانت تلك هي الحدود المرسومة لما توافر لهما من نجاح، لقد كان النجاح مصير بيكاسو، وهذا ما يجعله الفنان النموذجي لعصرنا، مثلما كان فان كوخ الفنان النموذجي لعصره!!
محمود شاهين
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد