تحولات جهاد سعد المسرحية
في خارطة مسرحنا السوري لا تبرز أسماء كثيرة على صعيد الاخراج تمكنت من ايجاد أسلوب إخراجي بها يتيح لمشاهد نموذج من نماذجها أن يعرف من يقف وراءها دون الاطلاع المسبق على اسم المخرج، ذلك أن معظم مخرجينا يفضلون أن ينهلوا من مختلف مشارب المسرح وألوانه دون أن يقيدوا أنفسهم بأسلوب أو نمط واحد من الاخراج وأحياناً كان هذا التعدد طريقاً للتخصص بأسلوب معين يقضي المخرج المسرحي ردحاً من عمره وهو يبحث عنه فإما أن يصل إليه أو لايصل ، وفي الحالتين يكون المخرج قد قدم ما عنده من محاولات لا يعني عدم وصولها الى نتيجة محددة فشلاً بل ايماناً من المخرج المعني أنه قام بواجبه، وحسبه أنه أغنى الحركة المسرحية وساهم في تقدمها.
أما مخرجونا الذين اختاروا منذ البداية أن يقدموا أنفسهم لجمهورهم بلبوس واحد لا يحيدون عنه الا بمقدار فهـــــم قلة، ويعد المخرج جهاد سعد أحد هؤلاء القلة، فهو اختار منذ البداية أن يكون احد رواد المسرح الطقسي - الفرجوي القـــــائـــــــــــم على لغــــــات متعــــــددة كلغــــــــــــة الجســــــــــد والضــــــــوء واللـــــــون والايقاع الموسيقي... إلخ من هذه العناصر التي تعد ركائز في مسرح جهاد سعد على وجه الخصوص، وفي المسرح الذي يعتبرالنص المسرحي عنصراً لا يفوق بقية العناصر أهمية على وجه العموم، ولو عدنا بالذاكرة إلى سنوات خلت واستعرضنا الاعمال المسرحية التي اخرجها سعد لرأينا كيف أن معظمها اعتمد على النصوص المسرحية التي تتحمل الشيء الكثير من الاجتهادات البصرية التي يغرم بها جهاد سعد ففي مسرحياته «كاليغولا - حكاية جيسون وميديا- كلاسيك- هجرة انتيغون» حضر الطقس المسرحي بشكل لا يخالجه شك، وها هو جهاد سعد يتخلى نهائياً عن اسلوبه المعهود في عمله الجديد الذي قدمه للمسرح القومي بدمشق مؤخراً «الاشباح» للكاتب هنريك إبسن صاحب الاعمال ذات الطابع الاجتماعي الانساني العميق ، ففي هذا العمل ينتقل جهاد سعد نقلة جذرية متخلياً عن هوايته في التحليق مع النص المسرحي باتجاه الغيوم مفضلاً السير على أرض ممهدة... فما الذي جرى حتى غيّر جهاد سعد اسلوبه الاخراجي ولماذا؟.
لا شك ان طرح هذا التساؤل ومحاولة الاجابة عليه لا تعني ادانة مسبقة لهذا التحول، بل محاولة للوقوف وراء الدوافع الكامنة وراء وصول المخرجين المسرحيين المعروفين بأسلوب اخراج معيّن الى مرحلة يرون فيها أنه قد آن الأوان للاستغناء عن هذا الاسلوب او على أقل تقدير لأخذ استراحة محارب مل صليل السيوف وتوقف ليستنشق قليلاً من عبير الياسمين.
إن جهاد سعد وهو يحاول أن يبدّل رداءه المسرحي يبدو واثقاً الى حد بعيد من اختياراته ومن قدرته على الاستغناء المؤقت او الدائم عن هذا الثوب، ذلك أنه في« الاشباح» لم يحاول أن يقصر أسلوبه الخاص على نص مسرحي مختلف عن كل ما قدمه حتى الآن، بل كان مقتنعاً تمام الاقتناع أن المضي بهذا العمل الى غير الوجهة التي ينبغي أن يتوجه إليها سيكون مقتلاً له بكل تأكيد فهنا نحن أمام عمل اجتماعي واقعي لا مجال فيه لاستعراض المهارات الاخراجية التي تنحصر مهمتها عند خدمة النص وشخصياته الغنية والعميقة وباستثناء حملة الاضواء الذين ظهروا بشكل شفاف في أكثر من مشهد لم نلحظ وجود ما يشي أن المخرج يريد أن يضم هذا العمل الى قائمة الاعمال ذات اللون والاسلوب الواحد او المتشابه .
جهاد سعد و هو يخطو هذه الخطوة يؤكد من جديد على حق الفنان في أن يجرب كل الاساليب التي يرتاح اليها، بشرط أن يضيف من خلالها جديداً لا أن يهوي معها وبها الى الهاوية.
جوان جان
المصدر: البعث
إضافة تعليق جديد