تركيا واللاجئون السوريون: إعادة التوطين لا تزال خياراً
علاء حلبي:
لا يمكن فصْل تصاعُد خطاب الكراهية في تركيا ضدّ اللاجئين السوريّين، عن سياسات الحكومة التركية وخططها الاستثمارية في الشمال السوري، الذي بات يمثّل حديقةً خلفية لتركيا، وأحد الساحات الاستثمارية المفتوحة التي تضخّ فيها الملايين، على رغم تواتر الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعانيها، مجبرةً إيّاها على إعادة هيكلة اقتصادها الداخلي، وتغيير بعض ملامح سياستها الخارجية
لا يُعتبر الحديث عن الاستثمارات التركية في الشمال السوري أمراً مفاجئاً أو حديثاً، حيث بدأت تركيا توسيع دائرة استثماراتها في الداخل السوري منذ تدخّلها العسكري المباشر في سوريا عام 2016 (درع الفرات) وما نتج منه من سيطرة مباشرة على مناطق في الشمال، توسّعت مع زيادة التدخّل خلال السنوات اللاحقة عبر عمليات «غصن الزيتون» و«نبع السلام»، وما تبعها من اتفاقات روسية ـــ تركية ضمنت دخول القوات التركية إلى إدلب. وظهرت السياسة التركية الاحتلالية، بشكلٍ واضح، عن طريق إعادة هيكلة المجتمع السوري، وربط المناطق السورية التي تسيطر عليها تركيا بولايات تركية حدودية، وإتباعها لها، بالإضافة إلى فرض سياسة «التتريك» الممنهجة، سواءً في المدارس أو الجامعات، أو حتى إدخال مؤسسات حكومية تركية وافتتاح فروع لها في تلك المناطق، سعياً لتحقيق هدفين: الأوّل ضمان استمرار النفوذ التركي حتى بعد انتهاء الحرب، والثاني تمهيد الأرض لعمليات إعمارٍ وبناء لاحقة لنقل اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا، والذين يبلغ عددهم وفق الإحصاءات التركية نحو 3.7 مليون سوري.
ومنذ وصولهم إلى تركيا، اختبر اللاجئون السوريون سياسات متقلّبة ومتفاوتة من الحكومة التركية، بدءاً من تسهيل عمليات دخولهم، وصولاً إلى فتح الأبواب أمامهم للنزوح إلى أوروبا، وابتزاز الأخيرة في وقت لاحق من أجل إغلاق هذه الأبواب، وهو ما تُرجم بصفقةٍ بين أنقرة والاتحاد الأوروبي تعهّد خلالها الأخير بدفع نحو 6 مليارات يورو لتركيا مقابل عدم السّماح باستمرار تدفّق السوريين إلى القارة العجوز. وبينما مثّلت طريقة تعامل الحكومة التركية مع هذه القضية إحدى النقاط الإشكالية بين حزب «العدالة والتنمية» الحاكم والأحزاب المعارضة الرافضة لسياسات أنقرة تجاه اللاجئين السوريين، برز تحوّل عام 2019 بإعلان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أمام الأمم المتحدة، عن مخطّطات لبناء عشرات المدن والقرى لإعادة توطين السوريين في الداخل السوري. وعلى رغم الاعتراضات التي طاولت مخطّطات إردوغان تلك، خصوصاً أنها ستؤدي إلى تغيرات ديموغرافية كبيرة في تركيبة المجتمع السوري، بعد عمليات الطرد التي مارسها الجيش التركي للأكراد الذين كانوا يعيشون في مناطق حدودية مع تركيا، بالإضافة إلى توطين لاجئين سوريين في مناطق جديدة في أقصى الشمال والشمال الشرقي من سوريا، تابعت الحكومة التركية تنفيذ مشروعها، عن طريق دعمٍ مالي قطري بالإضافة إلى مساهمات رجال أعمال أتراك بدأوا استثمار عمليات البناء الجديدة. ومنذ الإعلان عن المشروع المذكور، أنشأت تركيا 11 تجمّعاً سكنياً، بالإضافة إلى مئات المشاريع السكنية العمرانية في مناطق مختلفة، والمشاريع الخدمية والاستثمارية، فضلاً عن إقامة شركات كهرباء واتصالات ترتبط بتركيا بشكل مباشر.
في هذا الوقت، لوحظ تصاعد خطاب الكراهية ضدّ السوريين في تركيا بشكل كبير خلال العامين الماضيين، وذلك بعد التغيّرات التي شهدتها تركيا، منذ التحوّل إلى النظام الرئاسي، وما تبعه من انتخابات. وترافقت تلك التغييرات مع تصاعد الاتهامات لـ«العدالة والتنمية» باستخدام ورقة اللاجئين لتمرير مشاريعه، خصوصاً في ظلّ حملة تجنيس انتقائية للاجئين السوريين نفّذتها الحكومة التركية، من دون وجود أرقام دقيقة حول عدد المجنَّسين، باستثناء تصريحات الداخلية التركية العام 2019، والتي ذكرت أن عدد المجنّسين يفوق السبعين ألف شخص. وأضيفت إلى ما تَقدّم الأزمة الاقتصادية التي ولّدتها جائحة «كورونا»، متسبّبةً بتراجع عدد السياح بنسبة تجاوزت الـ60% العام الماضي، ونحو 40% في الربع الأول من هذا العام، وفق إحصاءات «معهد الإحصاء التركي»، وهو ما رفع، بدوره، حدّة الانتقادات ضدّ اللاجئين. وأظهر استطلاعٌ أجراه مركز الدراسات التركي في جامعة «قادر هاس»، أن نسبة الرفض التركي للاجئين السوريين وصلت إلى 67% العام 2019، بعدما كانت نحو 57% العام 2016. ويمكن ملاحظة تزامن ارتفاع هذه النسبة مع الإعلان عن مشاريع البناء التركية، بالإضافة إلى عمليات نقل اللاجئين بشكل قسري إلى الداخل السوري، وهو ما أكدته تقارير أصدرتها منظمة «العفو الدولية» (أمنستي) العام 2019، ومنظمة «هيومن رايتس ووتش» في العام نفسه أيضاً.
وخلال الأعوام القليلة الماضية، أمّنت الفصائل السورية التابعة لتركيا الحماية الجزئية لهذه المشاريع في الشمال السوري، إلّا أنها عجزت عن فرض حالةٍ من الأمان يمكن أن تشجّع اللاجئين السوريين على العودة والسكن فيها. وهي إشارة التقطها زعيم «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، الذي بدأ يفرض نفسه بديلاً من تلك الفصائل، و«شريكاً» يمكن لأنقرة أن تثق به، وهو ما أفصح عنه بشكل مباشر خلال لقاء قبل نحو ثلاثة أشهر عندما قال إن «المرحلة الحالية هي مرحلة إعداد وبناء مؤسسات»، داعياً إلى «توحيد الفصائل المعارضة»، التي اعتبر أنها فشلت في فرض الأمن في مناطق شمال حلب، مقارنة بالأوضاع في إدلب (التي تسيطر عليها الهيئة)، الأمر الذي اعتبرته مصادر معارضة تمهيداً لتوسيع دائرة سيطرة «الهيئة» بعد أن تمكّنت من القضاء على معظم الفصائل التي كانت تنافسها في إدلب. وأظهرت الخريطة التي عرضها الرئيس التركي أمام الأمم المتحدة قبل عامين، مشاريع يجري العمل عليها بشكلٍ متوازٍ ضمن مراحل متّفق عليها، وذلك في الشريط الحدودي الشمال الشرقي لسوريا وصولاً إلى إدلب، حيث نفوذ الجولاني، الذي يبدو أنه أدرك حجم تلك الاستثمارات، وما يفوته منها في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة في شمال حلب، خصوصاً مع إصرار تركيا على استكمال مشاريعها، وتوقّعاتها بنقل نحو 800 ألف لاجئ إلى الداخل السوري خلال العامين، الجاري 2021 والمقبل 2022، وفق تصريحات مديرية الهجرة التركية.
الأخبار
إضافة تعليق جديد