تفاقم أزمة المياه في دمشق وريفها
مع تفاقم أزمةالمياه في دمشق وريفها تتواكب مساع وجهود حثيثة لمواجهة هذا التحدي من خلال البحث عن حلول قريبة وبعيدة المدى وخاصة ان الوضع المائي وصل الى مستويات من العجز ليس لأسباب تتعلق فقط بالجفاف وقلة الهطولات المطرية خلال السنوات الماضية في المنطقة بل أيضاً لأسباب ترتبط بالتنامي السكاني المتزايد واتساع وتيرة تطور الحياة وانتشار المنشآت الاستثمارية بعد صدور قرارات تشجيع الاستثمار ولا سيما في المجال السياحي حيث يتطلب وجود مثل هذه المنشآت توفير كميات من المياه باتت تشكل عبئاً متزايداً على الوضع المائي الذي يزداد حرجاً مع تقدم الأيام في محافظة ريف دمشق بشكل ملحوظ.
وإذ تتصاعد الشكوى من قبل سكان العديد من مناطق ريف دمشق مطالبة انقاذها من العطش فإننا نحاول في هذا اللقاء مع الدكتور عبدالناصر سعد الدين مدير عام مؤسسة مياه ريف دمشق الوقوف على بعض الحقائق المتعلقة بواقع أزمة العجزالمائي في المحافظة والجهود المبذولة في إطار البحث عن حلول كافية والمعوقات التي تعترض مسيرة عمل مؤسسة المياه في ريف دمشق.
الحقيقة الأولى التي لابد من الوقوف عندها هي ان العجز المائي حالياً في دمشق وريفها وصل الى 400 مليون م3 سنوياً وهذا الوضع حسب قول الدكتور سعد الدين جعل الحكومة ووزارة الاسكان والإدارة المحلية والمؤسسة العامة للمياه في سباق مع الزمن لمواجهة هذا التحدي. والحقيقة الثانية المهمة أيضاً هي ان الآبار العشوائية التي تلعب دوراً كبيراً في استنزاف الحوض المائي الجوفي تبلغ نسبتها أكبر من نسبة الآبار المرخصة وحسب الدكتور سعد الدين فإن احصاءات مديرية الموارد المائية بدمشق وريفها تبين ان عدد الآبار يتجاوز /50/ ألف بئر والمرخص منها لا يتجاوز /12/ ألف بئر وهذه الآبار تزيد من العجز المائي سواء في مجال مياه الشرب أو مجال الري الزراعي.
إذا كانت إقامة مشاريع مائية لتلبية هذه الاحتياجات المتنامية تتطلب وجود دراسات حول المصادر المائية، فهل تتوفر مثل هذه الدراسات لدى الجهات المعنية في ريف دمشق؟..
الدكتور سعد الدين يجيب: لا نمتلك الدراسات الكافية لا الآنية ولا بعيدة المدى المتعلقة بالمصادر المائية،وتقوم المؤسسة العامة للمياه بالتعاون مع مديرية الموارد المائية بدمشق وريفها بدراسة المنطقة للبحث عن أماكن مأمولة على المدى الآني لحفر الآبار وتجاوز أزمة العطش خلال فترة لا تتعدى السنوات الخمس القادمة ويشير الدكتور سعد الدين الى ان هناك دراسات قديمة حول الحوض المائي لدمشق وريفها قامت بها جهات روسية في بداية الثمانينيات حيث كان هناك عدة مقترحات حسب هذه الدراسة منها انشاء سد في منطقة العادلية بحجم تخزيني يقدر بنحو /250/ مليون متر مكعب لكن استنزاف المياه الجوفية بسبب حفر الآبار العشوائي في السنوات الماضية من ناحية وقلة الهاطل المطري من ناحية أخرى أدى الى جفاف نهر الأعوج وعدم وصول نهر بردى الى بحيرة العتيبة ما جعل تنفيذ هذا الاقتراح غير ذي جدوى اقتصادية..
ويؤكد الدكتور سعد الدين بأن هذا الحجم، الكبير من العجز المائي السنوي المقدر بنحو /400/ مليون متر مكعب سنوياً في دمشق وريفها يذهب معظمه لري المساحات الزراعية ولا سيما مايروى منها بمياه الآبار الجوفية ولذلك فإن الجهود تنصب حالياً لتحويل هذه المياه لصالح مشاريع الشرب والاستعاضة عنها لصالح ري المزروعات بتوفير المياه الناتجة عن محطات معالجة الصرف الصحي..
وفي إطار هذا التوجه فإن هناك حزمة من المشاريع يتم العمل لانجازها خلال الخطة الخمسية الحالية حيث يتم حالياً تنفيذ /11/ محطة معالجة صرف صحي في أنحاء ريف دمشق.. وتقوم وزارة الاسكان بتنفيذ محطتين وهناك أربع محطات مدروسة لتنفيذها مع بداية العام القادم /2007/..
كما تم التعاقد مع مجموعة من الشركات المالية بموجب قرض من البنك المركزي الماليزي قيمته /60/ مليون يورو لتنفيذ /23/ محطة معالجة صرف صحي بالإضافة الى إقامة 15 وحدة تنقية مياه نصفها ممول من الحكومة السورية وتتمكن هذه المحطات من تخديم ما بين 35 ـ 40% من سكان محافظة ريف دمشق بالصرف الصحي وستوفر ما يقارب /30/ مليون متر مكعب من المياه التي سيتم تحويلها لري المساحات الزراعية كما سبق القول. وإضافة الى ذلك تم ربط العديد من مصبات الصرف الصحي في منطقة الغوطة الشرقية بمحطة معالجة عدرا التي تسهم بتخديم ما بين 25 ـ 30% من عدد سكان المحافظة بالصرف الصحي وبالتالي سيصبح في نهاية الخطة الخمسية العاشرة الحالية نحو 65% من سكان ريف دمشق مخدمين بمحطات معالجة الصرف الصحي.
وإضافة الى ذلك كما يقول الدكتور سعد الدين تقوم وزارة الاسكان ومؤسسة المياه بالتعاون مع بنك الاستثمار الاوروبي الذي قدم قرضاً يبلغ نحو/ 90/ مليون يورو بدراسة وتنفيذ شبكات وخطوط جر مياه واقامة أربع محطات معالجة صرف صحي لتخديم/14/تجمعاً سكانيا في ريف دمشق تشمل الكسوة وقراها ـ عرطوز جديدة عرطوز ـ كناكر ـ سعسع والقرى الموجودة على هذا المحور اضافة الى مخيمي خان الشيح وخان دنون فيتوقع المباشرة بتنفيذ هذا المشروع في الشهر الرابع من العام القادم 2007 وهناك ايضا دراسة اولية تقوم باعدادها مؤسسة المياه مع بنك الاعمار الالماني قدم قرضاً بقيمة 26.7 مليون يورو لتنفيذ شبكات مياه وتأهيل شبكات صرف صحي في يلدا ـ بيت سحم ـ عقربا ـ السيدة زينب ـ ببيلا ـ اضافة الى محطة معالجة صرف صحي تخدم هذه التجمعات ويذكر ان تكاليف الدراسة البالغة نحو 1.2 مليون يورو قدمت منحة من قبل البنك.
وان تنفيذ هذا الحجم من العمل والمشاريع خلال خطة خمسية واحدة يعد انجازاً كبيراً جدا بالقياس بما تم انجازه في خطط السنوات السابقة
واذا كان الاعتماد على حفر آبار ضمن مناطق حدود دمشق وريفها يعد حلاً آنياً لتفادي جزء من العجز المائي بمياه الشرب فإن البحث عن حلول دائمة وطويلة الامد مرتبط بخطط استجرار المياه من خارج دمشق وريفها ولاسيما من مشروع جر فائض مياه الساحل السوري.. وحول هذا المشروع يقول الدكتور سعد الدين: ان دراسة استجرار المياه من الساحل باتت جاهزة والتنفيذ مرتبط ببعض الاجراءات المتعلقة بالتمويل... واذ اكتفى د. سعد الدين بهذا القدر المقتضب من الحديث عن المشروع فإن المعلومات المتوفرة لدينا تشير الى ان مشروع استجرار المياه من الساحل الى دمشق وريفها يتم تنفيذه على مرحلتين: المرحلة الاولى ستؤمن كمية من المياه مقدارها نحو مليون ومئتي ألف متر مكعب يومياً بحلول عام 2020..وفي المرحلة الثانية سيتم استجرار كميةمياه تقدر بنحو مليونين واربعمئة الف متر مكعب من المياه يومياً.. ومن المتوقع ان تكون نتيجة هذا المشروع توفير مامقداره/ 350/ مليون متر مكعب سنوياً لدمشق وريفها.
وكان لابد من التطرق الى المعوقات والصعوبات التي تعترض سير العمل في مجال قطاع المياه ومعالجة العجز القائم.. وقد ركز الدكتور سعد الدين على عامل مهم وهو تعدد الجهات الوصائيةو المستثمرة لهذا القطاع وعدم وجود الادارة المتكاملة للموارد المائية. اذ إن هناك عدة جهات تناط بها مسؤوليات تتعلق بهذا القطاع... مثل وزارة الري صاحبة المصادر المائية.. ووزارات اخرى تسهم باستثمار المياه مثل وزارة الاسكان ومؤسسات المياه، وزارة الزراعة، وزارة الادارة المحلية متمثلة بالبلديات وهذه تعمل في مجال الصرف الصحي داخل الحدود الادارية بينما تعمل وزارة الاسكان خارج الحدود الادارية والمصبات.
وهذا برأي د. سعد الدين يؤدي الى عدم وجود تكامل في أعمال تلك الوزارات.. ومن المعوقات التي تواجه سير العمل في مؤسسة مياه ريف دمشق.
- عدم وجود القدر الكافي والمؤهل لدراسة ومتابعة تنفيذ أعمال ومشاريع المؤسسة
- قدم الآليات وعدم الجدوى الاقتصادية من استثمار هذه الاليات وبسبب ذلك فإن المؤسسة اضطرت لاستئجار نحو/ 50/ سيارة بيك آب .
-قدم شبكات المياه المنفذة أصلاً بطرق غير صحيحة فنياً. فالكثير من خطوط المياه نجدها تحت خطوط الصرف الصحي حيث يؤدي ذلك الى حصول تلوث بمياه الشرب
- كما أن التعديات من قبل المواطنين على شبكات المياه يؤدي الى حصول عجز فني في الشبكة .
- ومن المعوقات اعتبار المؤسسة ذات طابع اقتصادي تخضع للربح والخسارة علماً ان كلفة انتاج /1م3/ من المياه وسطياً تزيد عن /6 ل.س/ ولايتم استرداد اكثر من 3.5 ل.س فقط من هذه الكلفة هذا عدا عن كميات المياه المهدورة نتيجة التعديات وهو مايؤدي الى زيادة سعر الكلفة الى أكثر من ذلك..
نديم حاتم
تنويه : بلغت قيمة الانفاق الاستثماري لغاية النصف الاول من هذا العام في المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بدمشق 651 مليون ليرة سورية من اصل الاعتماد المخصص لها والبالغة قيمته 910 ملايين ليرة مخصصة لمشاريع مياه الشرب وبنسبة انجاز 71%.
واشار السيد حازم الصفدي مدير التخطيط في المؤسسة الى ان الانفاق تركز على مشاريع الاستبدال والتجديد واعادة تأهيل شبكة المدينة ومشروع تعزيز المصادر الاحتياطية الذي وصلت نسبة الانجاز فيه الى 92% وكذلك مشروع دراسة مصادر مائية جديدة الذي وصلت نسبة الانجاز فيه الى 80%. ونوه بأنه تمت المباشرة بعدد من المشروعات الجديدة. وهي مشروعا استجرار مياه لمدينة دمشق من مصادر جديدة باعتماد قدره 365 مليون ليرة سورية حيث بلغت نسبة الانجاز لهذا المشروع 88% وكذلك مشروع اعادة تأهيل وتقوية انفاق الجر لمدينة دمشق لافتا الى ان هذين المشروعين يتم تنفيذهما بالتعاون مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا).
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد