تلك قصة السوريين مع «الجهاز العجيب»
بدأت الحكاية في العام 1960 عندما انطلقت الإشارة الأولى للتلفزيون السوري، من قمة جبل قاسيون في دمشق. عندها بدأت قصة السوريين مع «الجهاز العجيب»، وحلّ الصندوق الخشبي ذو النافذة السحرية بديلاً عن الحكواتي ومسرح أبي خليل القباني و«سينما دمشق».
المدير الأول للتلفزيون حفيد أبي خليل، صباح قباني، قدم نهاد قلعي ودريد لحام ورفيق سبيعي في مشاهد كوميدية على الهواء مباشرة، دون أي مونتاج. ومنذ ذلك الوقت، كرس الأخ الشقيق للشاعر نزار قباني عادة جديدة في المجتمع السوري، وهي مشاهدة التلفزيون في شهر رمضان.
في أواخر الستينات ومع دخول المونتاج وزيادة ساعات الإرسال، وجد الراحل خلدون المالح فرصة لتقديم جرعة من الكوميديا الخفيفة في شهر رمضان، فقدم دريد ونهاد في «حمام الهنا»، و«صح النوم»، وقدمت تلك الأعمال البيئة الدمشقية والعمل الاجتماعي المعاصر في آن معاً، وسببت تلك الأعمال حالة تشبه «حظر التجوال» في شوارع دمشق آنذاك ببساطتها وعفويتها.
وقدم التلفزيون السوري في سبعينات القرن الماضي عشرات الأعمال الخالدة في ذاكرة السوريين بالأبيض والأسود منها «أسعد الوراق» من بطولة هاني الروماني ومنى واصف صاحبة الصرخة الأشهر في تاريخ الدراما السورية.
ومع دخول الألوان إلى التلفزيون السوري في الثمانينات، بدأت سلسلة «مرايا» لياسر العظمة، وأصبحت تقليداً سنوياً وبقيت حتى وقت قريب طقساً من طقوس شهر رمضان، إلى أن وقعت في فخ التكرار والنمطية وابتعدت عن البساطة.
وفي الثمانينات أيضاً، تنوعت خيارات المواطن السوري بين قناة أولى وثانية وإمكانية استقبال التلفزيون الأردني الذي وجد فيه الجمهور السوري وجبة مختلفة من الدراما والبرامج في شهر رمضان.
وكانت نقطة التحول الكبرى في بداية التسعينات، حين استطاع السوريون استقبال عدة قنوات لبنانية عبر البث الأرضي، منها «المستقبل»، والـ LBC، والـ MTV، والمنار، ووجد المواطن السوري في هذه القنوات خطاباً إعلامياً مختلفاً تماماً عن تلفزيونه الرسمي، وقدمت له وجبة منوعة من الدراما العربية والبرامج الترفيهية في خاصة في رمضان، لّذا بدأ يتململ شيئاً فشيئاً من الإعلام الحكومي.
أما الثورة الإعلامية الكبرى، فكانت في منتصف التسعينات، مع إطلاق القمر الصناعي «عرب سات». وجد المشاهد السوري نفسه وجهاً لوجه أمام الشبكات العربية الكبرى ومنها «راديو وتلفزيون العرب»، وتلفزيون «دبي»، و«أبو ظبي»، وقناة mbc السعودية.
تعددت خيارات المشاهد السوري مع الإنتاج والعرض الخليجي الذي أنعش صناعة الدراما السورية، وتحوّلت الدراما إلى تجارة حقيقية في منتصف التسعينات، بدأت مع المسلسل البدوي «جواهر» من إخراج نجدت أنزور، وسلسلة الفنتازيا التاريخية «الجوارح» للمخرج نفسه.
أما دراما البيئة الشامية، فبدأت في التسعينات مع مسلسلات «أيام شامية» لبسام الملا، وأبو كامل، وحمام القيشاني، وتلبية لحاجة الفضائيات الناشئة في ملء ساعات البث انتشرت مسلسلات الكوميديا الرخيصة من قبيل سلسلة عيلة النجوم.
ومع إطلاق القمر الصناعي «نايل سات»، تكاثرت الفضائيات العربية مطلع عام 2000، وأصبح المشاهد السوري أمام خيارات أكبر، وعادت الصحوة قليلاً لصناع الدراما السورية، وبدأ إنتاج مسلسلات ذات سوية أعلى نسبياً، مثل «الزير سالم» و«الفصول الأربعة»، و«أسرار المدينة»، وأصبحت الدراما السورية جزءاً أساسياً من أي قناة عربية، وأعيد عرض أعمال كثيرة مثل «عودة غوار» و«دنيا» و«الخوالي» و«بقعة ضوء».
ومنذ العام 2005 وجد المشاهد السوري نفسه أمام مئات المحطات العربية التي تعرض عشرات المسلسلات، منها إنتاج تاريخي ضخم لا مبرر لإنتاجه سوى إرضاء الممول الخليجي، وإنتاجات سخيفة لا ترقى لمستوى الدراما كسلسلة «صبايا».
وكانت نقطة التحول الكبرى في هذه المرحلة إنتاج مسلسلات معاصرة مثل «غزلان في غابة الذئاب» و«عصي الدمع»، و«تخت شرقي» (الصورة)، و«الانتظار»، و«زمن العار» التي شكلت علامة فارقة في تاريخ الدراما السورية.
ومع اندلاع الأزمة في سورية قبل أكثر من خمس سنوات، انقسم الجمهور السوري بين نازح في الداخل ولاجئ في الخارج «يشاهد الدراما عبر الانترنت»، وانقسم صناع الدراما والممثلون، وانتشرت الدراما العربية المشتركة بالافادة من السوريين المهاجرين.
ووجد الجمهور نفسه أخيراً أمام أكثر من 1500 محطة عربية، مع إنتاجات درامية ضخمة تروي الأزمة السورية كما يراها المنتج، أو يضطر لمشاهدة مسلسلات مرتبطة بالأزمة تشبه نشرات الأخبار، وفي أحسن الأحوال وجد نفسه أمام مسلسلات «البان آراب» المنفصلة عن الواقع المرير الذي يعيشه.
صدام حسين
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد