توقع تغيير في الموقف الأردني تجاه سورية بعد زيارة الملك عبدالله لموسكو
تتوج الزيارة التي قام بها العاهل الأردني الملك عبدلله الثاني ليوم واحد لموسكو الثلاثاء وقد يعقبها توقف ليوم عمل آخر في تركيا تحولا دراماتيكيا قد يصل لمستوى الإنقلاب في الموقف السياسي الأردني من الملف السوري.
وهو تحول برأي نخبة من خبراء مؤسسة القرار الأردنية سبقته العديد من المقدمات وقد يقود إلى (منتج جديد) تماما في التجارة البينية السياسية التي تنشط في كواليس العلاقة الأردنية السورية وخلف الأسوار وستائر الحدث.
بوضوح شديد تحدث الخبر الرسمي الذي بثته وكالة أنباء موسكو عن بحث الزعيم الروسي بوتين مع ملك الأردن عدة ملفات كان بينها التعاون في مجال الدفاع وصناعة الأسلحة.
نظرا إلى سجل عمان المعروف في التعاون إستراتيجيا وعسكريا مع الولايات المتحدة يمكن إعتبار عبارة (التعاون العسكري) التي أشارت لها بالتوازي وكالة الأنباء الرسمية الأردنية بترا نقطة الإرتكاز في تفويض أمريكي ضمني سمح للحكومة الأردنية بإطلالة محسوبة بدقة على التصور الروسي لسيناريو المشهد السوري.
ونقطة إرتكاز بهذه الإثارة تطلبت فيما يبدو حسب الوكالة الروسية عقد إجتماع مغلق (رأس برأس) وبدون مترجم بين عبدلله الثاني والرئيس بوتين كما أشارت وكالة عمون المحلية في عمان تم تنظيمه بعدما طلب من المرافقين المغادرة وكذلك الإعلام.
طبعا لا أحد يمكنه التوثق من طبيعة الملفات التي بحثها الزعيمان سرا.
لكن نتائج ما طرح في هذا اللقاء (الهام جدا) كما وصفته مصادر القدس العربي بالنسبة للموضوع السوري ستظهر سريعا في العاصمة عمان وتنعكس أثارها على الحدود الأردنية السورية.
وكذلك على الوضع الإستثماري والإقتصادي الأردني حيث بحث الزعيمان أيضا ملف التعاون الإستثماري وهي صيغة تعني بأن بوتين يظهر إستعدادا (لمداخلة روسية مالية إستثمارية) قد تساعد عمان عشية صيفها المالي اللاهب.
السفير البريطاني في عمان بيتر ميلييت أكثر من مداخلاته القلقة حول مستقبل الوضع السياسي والإقتصادي في المنطقة والأردن تحديدا مؤخرا لكن في غرف مغلقة أبلغ السفير ميلييت نشطاء مدنيين بأن الأردن حصل على ما وصفه (بفرصة جيدة) مؤخرا لتسويق خياراته الإصلاحية البطيئة جدا بسبب (دور ما) تطلبته الإستراتيجية الجديدة تجاه الموضوع السوري.
الإنطباع الذي أنتجه السفير ميلييت الخبير في شئون المنطقة أشار مبكرا لإن القمة الروسية- الأردنية السريعة والخاطفة قد تمهد لأرضية الدور المحتمل للأردن في (سوريا الجديدة) التي يشرف الروس الأن على صياغة تسويتها السياسية بروح مرنة وصبورة حسب المحلل الإستراتيجي المتخصص بالشئون السورية عامر سبايله.
وفقا لشروحات دبلوماسيين غربيين في العاصمة عمان سوريا المتوقعة بإختصار هي حصريا الخالية من جبهة النصرة الجهادية وتنظيم القاعدة والمتأهبة لتسوية ملف اللاجئين خصوصا في ثلاثة بلدان هي تركيا ولبنان والأردن والتي تغيب فيها عن الأفاق المحتملة عبارة (إسقاط أو تقويض) نظام الرئيس بشار الأسد.
هذه العناوين الثلاثة الأساسية لمستجدات الملف السوري دفعت عمان للهرولة بإتجاه طاولة مفاوضات التسوية الروسية فالأردن طرف أساسي في ملف اللاجئين وهو المؤهل أمنيا بالمنطقة أكثر من غيره للإشتباك مع جبهة النصرة والسلفيين ,وموقفه السياسي من الأزمة كان من حيث المبدأ العمل على إنتقال سلمي للسلطة في دمشق.
قبل أسابيع قليلة أبلغ مسئول أردني رفيع المستوى (القدس العربي) مباشرة بأن نظام بشار لن يسقط قريبا كما يتوقع كثيرون وتحديدا في النادي الخليجي.
ونافذة بوتين الذي منحته عمان قبل فترة وجيزة الحق في دعم وإسناد مشروع إقامة كنيسة روسية بالقرب من منطقة المغطس فتحت مباشرة بعد عبارات المجاملة التي أطلقها الرئيس بشار الأسد بإتجاه عمان ممتدحا أمام وفد أردني ألبسه عباءة بدوية بإسم الشعب موقف الأردن المتوازن قياسا بحجم الضغط الخليجي.
لذلك يبدو لقاء (الرأسين) بين العاهل الأردني والرئيس بوتين مقدمة مهمة تتوج حالة (التحول) أو الإنقلاب في الموقف الأردني من معطيات الملف السوري, الأمر الذي يثير ضمنيا حفيظة دولة قطر ولا يجد معارضة من وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي (تواصل عدة مرات) خلف الكواليس مع الأردنيين قبل إطلالتهم من نافذة بوتين.
قبل هذا الإنقلاب برزت مقدمات لا يمكن إسقاطها من حساب السياسة إقليميا فقد سجل نشطاء مدنيون بكاميرا الفيديو شاحنات أردنية تنقل حمولتها من مادة الديزل وتفرغها في مخاون تابعة لقوات الجيش النظامي السوري فيما تفيد المصادر بأن جهات أردنية وصلت جنودا سوريين في أكثر من موقع على الحدود تقطعت بهم السبل بكميات من الطعام والمياه والديزل.
هذه بطبيعة الحال (لفتة إنسانية) تتساوى مع تعاون الأردن بمسألة اللاجئين الذين لا يطالب بشار الأسد بإعادتهم لبلادهم قسرا بل يوعز لحكومته بالإتصال بالأردنيين لتشكيل لجنة تضمن عودة كل مواطن سوري إلى أرضه بأمان وبإتفاق مع (الأشقاء الأردنيين).
اللافت في السياق مقدمات أكثر تأثيرا فالمنشق السوري الأكبر حجما رياض حجاب إشتكى مؤخرا لشخصيات مساندة للمعارضة من توقف هاتف وزير الخارجية الأردنية ناصر جوده عن الإستجابة لإتصالاته.
وجهات أردنية ناشطة جدا في درعا تحاول التواصل مع بعض (معارضي الداخل) وتعرض إستضافتهم في حوارات عمانية تضمن موقعا للأردن في سياق حوارات (التسوية السياسية).
حجاب الذي ألمح للتطنيش لم يقف عند هذا الحد بل نقلت عنه مصادر إعلامية مؤخرا القول بأن الأشقاء العرب (خذلوا) الشعب السوري في الوقت الذي تخشى فيه خلايا إسناد جبهة النصرة من السلفيين الأردنيين من أجندة أمنية أردنية توحي مؤشرات بأنها تخطط للإنقلاب على التيار السلفي وعلى الجهاد في سوريا.
هذه الأجندة قفزت إلى سطح الأحداث مع تنامي التسريبات حول تعاون (إستخباري) بين عمان ودمشق منذ شهرين أسس لكل ما يجري حاليا.
بالتوازي يتعرض حلفاء الثورة السورية في الشارع الأردني وعلى رأسهم الأخوان المسلمين لضربات متلاحقة ويخف الإيقاع المناصر للثورة السورية في الشارع الأردني ويحرص السفير السوري في عمان الجنرال بهجت سليمان على البقاء لأطول فترة ممكنة في حفل السفارة الإيرانية في عمان.
الأجواء في المستوى الأردني ملبدة بغيوم التحول في الموقف من زاوية متحالفة مع تكتيكات إسقاط نظام بشار العام الماضي بإسناد سعودي وقطري إلى زاوية حريصة جدا على التواصل مع بشار ومجالسة حليفه الأهم وهو الدب الروسي بل دعم تسوية تقترحها موسكو في وقت إسترخاء السعودية وإبتعادها عن التشنج قليلا وإنحسار موجة العداء القطرية.
لذلك يمكن للقاء الرأسين عبدلله الثاني وبوتين في موسكو خلف الأضواء أن ينتهي بعد مناقشة التعاون الإستثماري والدفاعي بخارطة طريق مستجدة تحدد أدوار لاعبين أساسيين ستبقى عمان منهم عندما يتعلق الأمر دوما بالجار السوري.
لحظتها سيتكرس الإنقلاب في الموقف الأردني علنا وقد يشاهد الأردنيون مجددا الرئيس بوتين او غيره وهم يمارسون الإسترخاء على شواطيء البحر الميت قبل الإغتسال بموقع مغطس السيد المسيح وري الشجيرات بجانب الكنيسة الروسية العملاقة في المكان.
القدس العربي- بسام البدارين
إضافة تعليق جديد