توقعات السيناريو المحتمل على خط واشنطن-دمشق
الجمل: شهدت علاقات خط دمشق- واشنطن فترة طويلة من الاستقرار, أعقبتها فترات متواترة من عدم الاستقرار, تقلبت فيها العلاقات السورية الأميركية, بين مسار التعاون, ومسار الصراع. وما هو واضح الآن يتمثل في أن طابع الصراع أصبح الأكثر حضورا في ملفات علاقات خط دمشق- واشنطن, هذا, وبرغم المساعي الأميركية الجارية حاليا, فإن العديد من الإشارات السالبة ظلت تنطلق من العاصمة الأميركية واشنطن, بشكل يلقي المزيد من الشكوك في أوساط الخبراء والمراقبين إزاء مدى مصداقية دبلوماسية واشنطن إزاء سوريا, وذلك على النحو الذي ظل السؤال الرئيسي لم يبارح مكانه: ما هو السيناريو المحتمل القادم في علاقات خط دمشق- واشنطن؟
الحسابات الاستراتيجية: إشكالية الإدراك الأميركي؟
يقصد بالسياسة الخارجية الأميركية إزاء سوريا, برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون في الإدارة الأميركية, من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة, لجهة التعامل مع سوريا, وصولا إلى تحقيق الأهداف الأميركية المطلوبة, ولما أصبحت السياسة الخارجية الأميركية إزاء سوريا, تنطوي على قدر كبير من الشكوك واللايقين المفضيان إلى عدم المصداقية, فمن الضروري, أن يرتبط هذا الخلل أولا وقبل كل شيء على اختلال الإدراك الأميركي إزاء سوريا, وبإلقاء نظرة سريعة على مكونات هذا الإدراك الأميركي, نلاحظ الآتي:
• استراتيجية السياسة الخارجية الأميركية إزاء سوريا, هي استراتيجية تقوم على أساس محصلة الحسابات الشاملة لصانع قرار السياسة الخارجية الأميركي, بما يتيح موازنة العلاقة الارتباطية بين أهداف واشنطن إزاء دمشق, والوسائل التي تستخدمها واشنطن لتحقيق تلك الأهداف, وتأسيسا على ذلك, نلاحظ أن معاملات واشنطن إزاء دمشق لم تلتزم بهذا التوازن, وبكلمات أخرى, فقد ظلت وسائل الدبلوماسية الأميركية إزاء سوريا تنطوي على قدر كبير من المفارقة وعدم الانسجام, مع أهداف السياسة الخارجية الأميركية المعلنة, والتي ظلت تزعم من خلالها الإدارات الأميركية, بأنها تقف إلى جانب خيار السلام والاستقرار في المنطقة.
• استراتيجية السياسة الخارجية الأميركية إزاء سوريا, هي استراتيجية تعبر بالضرورة عن تصور الإدارة الأميركية الشامل للخطوات الدبلوماسية والسياسية الإجرائية, المطلوب القيام بها لجهة الوضع موضع التنفيذ لأهداف السياسة الخارجية الأميركية إزاء سوريا. وتأسيسا على ذلك نلاحظ أن الخطوات الدبلوماسية والسياسية الإجرائية التي ظلت تنتهجها الإدارات الأميركية, هي خطوات لا تعبر عن وجود أهداف حقيقية ملموسة, بحيث أصبحت تنطوي هذه الخطوات على المزيد من المفارقات ومن أبرزها: أن بعض المسئولين الأميركيين ظلوا يترددون على سوريا من أجل التفاهم مع دمشق وتحسين العلاقات, وبشكل متزامن مع ذلك, تنطلق بعض تصريحات المسئولين الأميركيين المعادية لدمشق!!
عامل الحسابات الاستراتيجية الأميركية المختلة إزاء سوريا, وعامل الخطوات الدبلوماسية والسياسية والإجرائية الأميركية المختلة إزاء سوريا, هما عاملان, أكد اختلالهما, أن جدول أعمال السياسة الخارجية إزاء سوريا, يتميز بقدر كبير من الفوضى وانعدام الاستقرار والانسجام المنطقي, وبكلمات أخرى نشير إلى الاستنتاجات التالية:
• انعدام وجود الأهمية النسبية لأهداف السياسة الخارجية الأميركية إزاء سوريا, وبكلمات أخرى, لا توجد أولويات واضحة في سياسة أميركا إزاء سوريا.
• لا توجد برمجة أو جدولة زمنية تشير إلى أن السياسة الخارجية الأميركية تعتمد على التخطيط والبرمجة العلمية لتوجهات سياستها إزاء سوريا.
• تتميز السياسة الخارجية الأميركية إزاء العالم, باستخدام الأدوات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والمخابراتية والإعلامية, وفي حالة سياسة سوريا, فقد ظلت السياسة الخارجية الأميركية تركز على استخدام الوسائل الأمنية والمخابراتية والإعلامية السلبية, ولما كانت هذه الوسائل تستخدم في معرض التعامل مع الأعداء, فقد ظلت الإدارات الأميركية والمسئولون الأميركيون الذين يزورون دمشق, في حالة تعبير دائم عن مدى أهمية توطيد وبناء علاقات التعاون مع سوريا!!
إن حالة عدم الاستقرار في العلاقات السورية-الأميركية, تعود بشكل أساسي إلى عدم استقرار الإدراك السياسي الخارجي الأميركي إزاء سوريا, وعدم استقرار الإدراك السياسي الخارجي الأميركي إزاء سوريا, هو بالأساس ليس مسئولية أو مشكلة دمشق, وإنما هو مسئولية ومشكلة واشنطن, والتي ظلت تعتمد عملية صنع قرار غير مستقلة, بمعنى أن دوائر صنع قرار السياسة الخارجية الأميركية إزاء سوريا, لا يستخدمون متغير المصالح الأميركية الشرق أوسطية في مقاربة ملف العلاقات السورية-الأميركية, وإنما يستخدمون المقاربات الإسرائيلية حصرا, وهنا تكمن المشكلة!.
السيناريو القادم على خط دمشق- واشنطن؟
عند القيام بوضع السيناريوهات-أي سيناريوهات-تبرز دائما ثلاثة خيارات, تتطرق لتحديد شكل السيناريو المحتمل, من خلال الخيارات الآتية:
• أفضل سيناريو هو بالطبع أن تأخذ علاقات خط دمشق-واشنطن, شكل التعاون المؤدي لتعزيز الروابط وبناء المصالح المشتركة السورية-الأميركية.
• أسوأ سيناريو هو بالطبع أن تأخذ علاقات خط دمشق-واشنطن شكل الصراع المؤدي لانفصام العلاقة, وتزايد الصراع بما يقوض المصالح المشتركة, ويصل إلى حد المواجهة.
• سيناريو الوسط هو بالطبع أن تأخذ علاقات خط دمشق-واشنطن شكل الوضع المعلق, بحيث لا تعاون حقيقي, ولا صراع حقيقي, وبكلمات أخرى, إن كانت واشنطن تتحدث على المستوى المعلن عن ضرورة التعاون الحقيقي, فإنها على المستوى غير المعلن, تنخرط في سلوك الصراع السري وذلك من خلال أساليب الحرب السرية التي ظلت واشنطن تنخرط فيها منذ عقود طويلة, ومن أبرز أمثلتها الدور الذي قامت به واشنطن في الساحة اللبنانية, وعلى وجه الخصوص في الخمس سنوات التي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري!
اختيار واشنطن لأي واحد من السيناريوهات الثلاثة, هو أمر يتعلق بتفضيلات صانع قرار السياسة الخارجية الأميركية, وبالتالي, فإن عملية اتخاذ القرار السيادي الأميركي النهائي سوف ترتبط بالضرورة بالسقف المحدد لها ضمن عملية صنع القرار, وبعيدا عن التدخل في الشأن السيادي الأميركي, يجدر الإشارة إلى أنه مهما كان صانع ومتخذ قرار السياسة الخارجية الأميركية مستقلا في أداء مهامه, فإن هناك عوامل موضوعية لا يمكن, مهما بلغت أميركا من قوة أن تتجاوزها في سياستها الخارجية إزاء سوريا, وهي عوامل حاكمة, لأنها تلعب دورا مؤسساً في سيناريو السياسة الخارجية الأميركية إزاء سوريا, ويمكن الإشارة إلى أبرز هذه العوامل الحاكمة على النحو الآتي:
• ملف استرداد الجولان المحتل: لن تستطيع لا واشنطن ولا غيرها إجبار سوريا على التنازل قسرا عن الجولان لا لصالح إسرائيل ولا لصالح أميركا.
• ملف الاستقلال السيادي: لن تستطيع لا واشنطن ولا غيرها إجبار سوريا قسرا على القيام بدور الوكيل لأجندة السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة, وذلك أولا لأن عصر الاستعمار قد انتهى, وثانيا لأن أساليب الاستعمار الجديد أصبحت مكشوفة وواضحة أمام الجميع وعلى وجه الخصوص دمشق.
وتأسيسا على ذلك, فهل يسعى صانع قرار السياسة الخارجية الأميركية إزاء سوريا, لجهة التقيد بهذه العوامل الحاكمة عند القيام بإعداد وموازنة أجندة السياسة الخارجية الأميركية الشرق أوسطية, أم أن صانع القرار هذا, سوف يسعى إلى التقيد باستخدام أساليب "القسر والإكراه" لجهة التقلب على هذه العوامل الحاكمة, وتطويعها بحسب متطلبات نظرية أمن الحدود الإسرائيلية الشمالية, التي وضعتها جماعة المحافظين الجدد, واعتمدتها الحكومات الإسرائيلية ذات التوجهات الليكودية, وما هو مثير للغرابة, يتمثل في المفارقة القائلة بأن الخبراء الأميركيين مازالوا أكثر اهتماما في تجريب الحلول الخاطئة في تعاملهم مع سوريا, وفي نفس الوقت الاحتفاظ بالحل الصحيح, برغم أنهم يعرفونه جيدا, وأكثر من غيرهم.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد