تونس بعد الثورة: صراع مجتمعي حول لباس المرأة
بدأ المشهد العام في الشارع التونسي يتغير بعد الثورة، إذ يلاحظ المرء في شوارع تونس، وخصوصاً داخل أحيائها الشعبية، أن بعض النساء تركن الألوان الزاهية، وأصبحن يلتحفن السواد، ويلبسن الألوان الرمادية والداكنة.
ويرى العديد من المراقــبين أن المــرأة التونسية أصبحت اليوم تمثل محور التغيير المجتمعي لـ«حركة النهضة» الإسلامية الحاكمة بعد الثورة على نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
وقد نمت بعد الثورة ظــاهرة ارتــداء الموظفات في الإدارات العمومية للحجاب. فــفي عهد الرئيس السابق كان من النادر أن تجد امـرأة محجبة في مكاتب الإدارات، أما اليوم فقد ازدادت أعداد المحجبات في دوائر الدولة ازديادا لافتا.
ويرجح الكثير من المهتمين بالشأن الاجتماعي أن النساء التونسيات وجدن هامشا كبيراً من الحرية في اختيار لباسهن، وأن السلطة الجديدة تشجع على لبس الحجاب وتدافع عن النقاب وتعتبرهما من الحريات الأساسية.
وفي بداية السنة الجامعية الحالية، حاول وزير التعليم العالي والقيادي في «حركة النهضة» المنصف بن سالم تمرير مشاريع ثلاثة قوانين، يمنع أولها ارتداء النقاب في الجامعات منعا تاما ويسمح ثانيها بارتدائه من دون شروط، ويسمح المشروع الثالث بارتدائه بطريقة مقيدة ككشف الوجه عند اجتياز الامتحانات وفي قاعات الدرس.
ولكن المجلس العلمي للجامعات التونسية رفض إصدار أي قانون يتعلق بـ«ارتداء النقاب داخل المؤسسات الجامعية»، مشددا على أن «ارتداء النقاب ظاهرة لا تليق بصورة تونس وجامعتها».
وحذرت المجالس العلمية للجامعات من خطورة الظاهرة على اعتبار أنها تزج بالجامعة في «حالة من الاحتقان الديني» و«تنتهك عملية التواصل التربوي» بين الأستاذ والطالبة المنقبة. وقالت المجالس العلمية إن مسألة ارتداء النقاب من مهامها وصلاحياتها وليس الحكومة أو المجلس التأسيسي.
وأمام الضغط الذي تمارسه «النهضة» وأنصارها على المجتمع عبر الجمعيات الخيرية ذات المرجعيات الدينية التي انتشرت في كل الأحياء واعتمادها خطاباً يعتبر المرأة «قاصرا» و«عورة» يجب حمايتها، ظهرت بوادر ضغط مجتمعي مضاد من قبل مؤسسات الدولة، وإن كان بشكل خجول إلى جانب الجمعيات الحقوقية والنسائية.
وقد شكلت مكونات المجتمع المدني «الضغط المضاد»، فقد حذرت أحلام بلحاج، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات، من أن الشرطة التونسية تقوم بحملات غير معلنة ضد النساء المتحررات بدعوى الحفاظ على الأخلاق الحميدة، مشيرة إلى أن بعض الأطراف السياسية تسعى لفرض سلوك معين على النساء بدعم من مؤسسات الدولة.
ويرى مراقبون أن «النهضة» شرعت في إطلاق حملات منظمة من حين لآخر لتغيير نمط المجتمع التونسي المتحرر وفرض نمطه المحافظ على مستوى السلوك واللباس. وهي تمارس ضغطها على وسائل الإعلام العامة لبث برامج توعية تتماشى وأهدافها.
ويعتبر اللباس اليوم كما كان في عهد بن علي عنواناً للانتماء السياسي وللهوية المجتمعية للفرد، فلكل تيار سياسي في تونس بعد الثورة لباسه، فالمنقبات اللواتي يلتحفن السواد يعبرن عن التزام سياسي بالمنهج «السلفي»، في حين أن بعض المحجبات يعبرن عبر لباسهن عن انتماء سياسي للــتيار الإسلامي، في حــين أن غير المحجبات يعبرن عبر نمط لباسهن عن مشروع مجتمعي عصري وانتماء سياسي علماني.
وتواجه المنقبات والمحجبات اللواتي يرتدين «اللباس الشرعي» رفضا متزايدا من قبل المجتمع، وخصوصا في سوق العمل الذي يعتبر هذا النمط من اللباس دخيلا على المجتمع التونسي وغير ملائم للعمل.
صناعة الذوق العام
وأمام محاولات «التنميط المجتمعي» الذي تمارسه أطراف سياسية عديدة محسوبة على التيار الإسلامي، تبقى صناعة الذوق العام من مهام المعاهد المختصة ومصممي الأزياء. وتواصل معاهد الموضة وتصميم الأزياء بعد الثورة نشاطها بالوتيرة نفسها وبحسب البرامج العصرية نفسها.
«لا شيء تغير في مجال الموضة»، يقول مهنيو معاهد الموضة، إذ تقول السيد فوزية منيرة رصاص، مديرة معهد «أسمود تونس» «نحن نعمل بالروح نفسها وعلى المنوال نفسه كالسنوات الماضية، لا شيء تغير في مهنتنا غير هامش الحرية الأكبر الذي أصبح يتمتع به الطلبة والمصممون الشباب.
وتوافقها سليمة أنجلار، أستاذة التصميم في أن المصممين الشبان استلهموا كثيرا من الثورة، ويقدمون اليوم تصميمات مبتكرة وأعمالاً تتحدى الذوق السائد والمألوف وتنأى بالتصميم عن التعبيرات الرائجة.
(«دويتشه فيلله»)
إضافة تعليق جديد