تونس تغلي على نار أزمة داخلية
غذّت حرب التصريحات الإعلامية اللامسؤولة بين المرشحين لرئاسة تونس، الباجي قائد السبسي ومحمد المنصف المرزوقي، نار الفتنة بين أنصارهما واتسعت رقعتها، فأشعلت فتيل الانقسام بين التونسيين في شمال البلاد وجنوبها.
وكشفت نتائج الجولة الرئاسية الأولى توزيعاً للناخبين بين قائد السبسي والمرزوقي، فالأول يتمركز ثقله الانتخابي في شمال البلاد وسواحلها، بينما يرتكز الثاني انتخابياً في جنوب البلاد ووسطها.
وانزلق المرشحان في حملتهما الانتخابية، وبعد الإعلان عن النتائج استعداداً لبدء الدورة الثانية، إلى تصريحات وخطابات استهدفت ناخبي المتنافسين، وتحولت إلى دعوات للحقد والكراهية بين سكان شمال تونس وجنوبها، بلغت أوجها أمس، بأصوات تطالب بانفصال الجنوبيين.
لم يغفر أهالي الجنوب بعد كلام القيادي في «نداء تونس» محسن مرزوق إثر الانتخابات التشريعية، لاتهامهم بالـ«لاوطنيين»، عندما وصف مساندي حزبه «بالدماء الحمراء» نسبة إلى علم تونس، فيما وصف من صوتوا للإسلاميين «بالدماء السوداء» نسبة الى راية العقاب علم السلفيين، ليزداد الطين بلة بتصريحات زعيم حزبه السبسي.
وفاة متظاهر في الجنوب
وبلغ الاحتقان أوجه وارتسمت بوادر الفتنة الداخلية بوضوح، وبدأت الحرب الإعلامية تتجسد على الميدان في مسيرة حاشدة أمس الأول، في محافظة مدنين في جنوبي شرق البلاد، انتهت بمقتل شخص نتيجة التدافع في تحرك جماهيري وقوده تصريحات السبسي على خلفية اتهامه القاعدة الانتخابية للمرزوقي بالتطرف.
وعلى أثره، توجه المرزوقي أمس، بكلمة مقتضبة إلى الشعب التونسي طالبهم فيها «بوحدة الصف»، مؤكداً أن «وحدة تونس خط أحمر».
وطالب المرزوقي السياسيين بالارتقاء بالخطاب السياسي للتخفيض من حدة الاحتقان وعدم جر البلاد إلى العنف، قائلاً إن «الانتخابات قد نجحت، ويجب إنجاح الدورة الثانية، وعلى الجميع قبولها». وأَضاف «نحن نمر بوضع دقيق وأتفهم أن هناك بعض التونسيين يرغبون في التعبير عن موقفهم بخصوص تصريحات بعض السياسيين، ولكن في إطار التظاهر السلمي»، محذراً من الانزلاق إلى مربع العنف لأن نتائجه ستكون عكسية.
وكان السبسي قد وصف المرزوقي بأنه مرشح الإسلاميين و»السلفيين الجهاديين»، وهو ما أثار حفيظة شريحة واسعة من التونسيين.
وقال السبسي، في حديث مع قناة «أر أم سي» الفرنسية، إن «من صوّتوا للمرزوقي هم الإسلاميون الذين رتبوا ليكونوا معه، أي إطارات حركة النهضة والسلفيون الجهاديون ورابطات حماية الثورة، وكلها جهات عنيفة»، على حدّ وصفه.
من جهة أخرى، لا تقل تصريحات المرزوقي خطورة وتحريضاً على العنف والكراهية وتقسيم التونسيين، فقد أمعن عدد من قيادات الحزب الذي يترأسه «المؤتمر من أجل الجمهورية» في سجالات عقيمة وتصريحات تفرق التونسيين ولا توحدهم.
ويذكر أن المرزوقي قد وصف خلال حملته الانتخابية منافسيه بـ»الطواغيت»، وهو الوصف الذي يُطلقه الإرهابيون على قوات الجيش والأمن الوطني في تونس. وقال في كلمة أمام أنصاره حينها، إن «الحرب الحقيقية هي ضد الطاغوت الذي يريد أن يرجع ليحكم تونس».
الإسلاميون في صف المرزوقي
رئيس الحكومة الأسبق والقيادي في «حركة النهضة» حمادي الجبالي، نشر بياناً مندداً بتصريحات السبسي، قال فيه إن «مرشحاً يفرق بين أبناء شعبه لا يستحق أن يكون رئيساً».
وقال الجبالي إن «تصريح السبسي خطير، ولا يليق بمرشح لرئاسة تونس لأنه يتضمن كلاماً يحرض على التمييز الفئوي والنعرة الجهوية والأخطر منه أنه يقسم مجتمعنا إلى شق إسلامي ومتطرف وسلفي جهادي، وشق آخر يصفه بالديموقراطي»، داعياً السبسي إلى «الاعتذار من الشعب التونسي والالتزام بنص الدستور وروحه».
من جانبه، دعا زعيم «النهضة» راشد الغنوشي التونسيين إلى عدم الانزلاق وراء خطابات التفرقة والانقسام، منبهاً من خطورة خطاب التحريض ورد الفعل وتقسيم التونسيين على أساس انتمائهم الفكري أو السياسي أو الجهوي.
وأكد الغنوشي على ضرورة المضي نحو استكمال المحطة الانتخابية الرئاسية الثانية في إطار الهدوء والمحافظة على الوحدة الوطنية والاجتماعية.
سجال عقيم
وأرجعت جميع قيادات «نداء تونس» مسؤولية ما يحدث على عاتق المرزوقي، حيث قال لزهر العكرمي، المتحدث الرسمي باسم «نداء تونس»، في حديث إلى «السفير»، إن «المرزوقي يقود حملة شحن وتوتير للأجواء في الجنوب التونسي، وسنحاسبه ونحمّله شخصيّا مسؤوليّة أي حادث ينتج عن تأجيج نار الفتنة بين أفراد الشعب التونسي».
ودعا العكرمي أنصار «نداء تونس» إلى «التحلّي بالحكمة وضبط النفس وعدم الانجرار إلى ما يريده أعداء الوطن من إرجاع البلاد إلى مربّع العنف وإجهاض الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسيّة التي سيلفظهم فيها الشعب».
من جهته، استغرب القيادي في حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» طارق الكحلاوي تصريحات قيادات «نداء تونس». وقال لـ»السفير» إنه «عوضاً عن الاعتذار وتحمل المسؤولية في التصريحات التقسيمية والسلبية والمساهمة في التهدئة، ينتقل ممثلو المرشح المنافس إلى التصعيد وتحميلنا بكل عنجهية المسؤولية».
وأضاف الكحلاوي «لا نريد الدخول في هذه اللعبة، دعونا وسندعو إلى التهدئة وندعوهم إلى تحمل المسؤولية والتواضع وتقديم اعتذار للناخبين لعل ذلك يساهم في تهدئة الخواطر. عندما أخطأ الرئيس المرزوقي خطأ أقل من ذلك ولم يستهدف فيه الناخبين سحب كلمته واعتذر. تصرفوا بالمسؤولية ذاتها، وكفوا عن صب الزيت على النار».
على صعيد آخر، عيّن «نداء تونس» أمس، النائب محمد الفاضل بن عمران المنتخب عن محافظة ڨبلّي في جنوب البلاد، رئيساً للكتلة البرلمانية التي تضم 86 نائباً، في رسالة مفادها أن «النداء» لا يفرق بين شمال البلاد وجنوبها.
بن عمران علّق على ما يحدث بالقول إنه «يجب على أهالينا في الجنوب اجتناب محاولات بثّ الفتنة وتقسيم البلاد وجرّها إلى مربّع العنف، بعدما أيقنت قوى التطرّف والظلاميّة من أن خسارتها آتية لا محالة».
من الطرف المقابل، قال القيادي في حزب «المؤتمر» بشير النفزي لـ»السفير» إن «التصريحات المُخزية التي قام بها السبسي للصحافة الدولية تُنذِرُ بتداعيات كارثية على الجالية التونسية في الخارج»، مؤكداً أن «اليمين المتطرف في فرنسا بدأ يستغل هذه التصريحات اللامسؤولة لتأجيج النعرة العنصرية ضد التونسيين في الخارج، وبرز ذلك جلياً من خلال مقالات عدة صادرة في الصحف الفرنسية وفي تصريحات بعض الساسة الفرنسيين والذين عُرفوا بعدائهم للأجانب».
وختم النفزي قائلاً إنه «تقسيم للتونسيين وتعريض مصالحهم في الخارج للخطر... اللهم لا نسألك ردّ القضاّء ولكن نسألك اللطف فيه».
إلى ذلك، وفي ما يتعلق بمسار الانتخابات الرئاسية، قدم المرزوقي أمس، ثمانية طعون بخصوص نتائج الدورة الأولى من الانتخابات، وهو ما يجعل عدم إمكانية إجراء الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في تاريخ 14 كانون الأول المقبل، لذا سيكون إجراؤها محصوراً بين تاريخ 21 أو 28 كانون الأول، بحسب قدرة وسرعة الفصل في الطعون من قبل المحكمة الإدارية.
حسان الفطحلي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد