جبل العرب، يا عالي، جبلنا
التراث الوطني والقومي المختَزَن في سوريا، كنزٌ استراتيجي لحركة التحرر الوطني العربية. في كل زاوية من هذه البلاد الجميلة العظيمة، جذور لا يمكن استئصالها للاستقلال والمجد والتنمية والمقاومة، لا تخضع ولا تكف عن الانطلاق، مهما حلّ الظلام، ومهما كان ظلم الصديق، وجبروت العدوّ.
أكتب، اليوم، عن جبل العرب، مثالاً؛ ثائر منصور الأطرش، حفيد سلطان باشا، زعيم الثورة السورية الكبرى، ينادي، من مضافة جدّه، في القريّا، في السويداء، أهلنا من بني معروف، قائلاً: «لقد تعودتم التضحيات من أجل سورية ووحدتها ومن أجل العروبة (.) عدوّنا إسرائيل (.) ونرفض الحماية الأجنبية (.) وعلى شبابنا الالتحاق بالجيش العربي السوري، لكي يكونوا خير خلف لخير سلف».
حقا؛ ففي هذا النداء، صدىً لنداءٍ جلجل في فضاء القريّا، سنة 1925، حين حمل الباشا بندقيته، مجدداً، وأطلق صيحته: «إلى السلاح أيها الوطنيون، ولنغسل إهانة الأمة بدم النجدة والبطولة. إن حربنا اليوم هي حرب مقدسة. ومطالبنا هي: وحدة البلاد السورية، ساحلها وداخلها (.) واستقلالها (.) إلى السلاح، ولتحيا سوريا العربية، حرة مستقلة».
كل السوريين استجابوا لنداء الزعيم الوطني، غير أن جبل العرب، أعطى من الشهداء، قدر ما ارتقى منهم في سوريا كلها؛ أفلم يعقل وليد بك، أن التاريخ في جبل العرب، لا يموت مهما تكالبت عليه قوى الموت الوهابية ــــ الصهيونية ؟ ألم يرجع حكّام الأردن إلى تجربة المنفى التي حوّلها الباشا، في الكرك والفحيص بالأردن، إلى تجربة قومية نضالية، حرّكت الحس القومي لدى العشائر الأردنية، وسجّلها الشعر الشعبي في قصائد خالدات، ويستذكرها الوطنيون الأردنيون في مواقف قومية، أقلها أنهم مَن أطلقوا على السويداء، هذا الاسم المجيد: جبل العرب؛ فكأنه موقع القلب من حركة الاستقلال والوحدة.
حكّام الأردن، وأساطين غرفة «الموك» في عمّان، لا يقرأون الشعر، ولا يعرفون تاريخ البلد الذي طالما ربى أبناءه على نشيدٍ يهزّ القلوب:
إنتِ سوريا بلادي/ أنت عنوان الفخامهْ/ كلُّ مَن يأتيكِ يوماً/ طامعاً يلقى حِمامَهْ
زعامة الطرشان في جبل العرب، لم يصنعها العثمانيون، ولا الفرنسيون؛ بل هي نشأت، ستينيات القرن التاسع عشر، على الضدّ من الاستعمار العثماني، وتحولت زعامة وطنية وقومية على الضد من الاستعمار الفرنسي. والد سلطان، ذوقان المصطفى، شهيد، أعدمه السفّاحون الأتراك، العام 1911، إلى جانب رفيقه الأردني، الشيخ قدر المجالي؛ فالانتفاضة المسلحة التي أطلقتها السويداء في مواجهة الغازي التركي، سامي باشا الفاروقي، اشتعلت، في السنة نفسها 1910، بين عشائر الكرك ونواحيها؛ فكانت تلك أولى بشائر التحرر العربي من ظلام العثمنة والتتريك. وليست مصادفة، أن سلطان باشا، اختار الكرك بالذات، كمنفى، فنجل شهيد بني معروف، أحب الإقامة في ديار أخيه، نجل الشهيد الكركي.
سذّجٌ ، محض سذّج، أولئك الذين يظنّون أنه يمكن تطييف جبل العرب أو أسرلته، أو يظنّون أن عشائر الأردن، ستقف مع أعداء السويداء، في مواجهة بني معروف؛ فكل الجهود التي بذلها العملاء في الجبل الأشمّ ذهبت أدراج الرياح، وما بقي في الأرض، سنديانات العروبة، ومضافة الأطرش في القريّا، هناك، حيث كان سلطان باشا أوّل مَن رفع العلم العربي في سوريا، العام 1918؛ أفتخون القريّا علمَها؟ وكان فرسان الجبل، أوّلَ مَن هبّ لنجدة قوات يوسف العظمة في ميسلون، وأوّلَ مَن رفض تقسيم سوريا، وأوّل مَن قال لا للعرض الفرنسي بإقامة كيان درزي؛ فهل يخون الترابُ، الدماءَ التي جُبلَتْ به، دفاعا عن وحدة سوريا واستقلالها في الثورة السورية الكبرى، وما تلاها من كفاح لم يعرف سوى العروبة راية؟
بنو معروف في سوريا، عربٌ من صفوة العرب. وما كان لزعامة تنهض بينهم ليست من تنوخ التي صالت وجالت في الهلال الخصيب، قبل الاسلام وبعده، لم تذلّ ولم تركع؛ أفمن كانت تنوخ أجداده، كمن لا أصل له ولا أرومة؟ وهل يقبل مَن كان من سادة العرب، أن يعطي الذلّة لإرهابيين أو صهاينة؟ لطالما أهرق بنو معروف دماءهم دفاعا عن عقيدتهم وحريتهم الدينية وأرضهم وشرفهم؛ فلماذا يبخلون اليوم، ولماذا يحنون الرؤوس، صاغرين، أمام المرتزقة وشذّاذ الآفاق، كما يطلب منهم وليد بك، أو يطلبون حماية إسرائيل، أو ممرا آمنا من غرفة « الموك» في عمان؟
أثبت جبل العرب، وسيثبت، أنه يستحق اسمه، ويستحق نسب الأحفاد إلى الأجداد، ويستحق دموع نصف مليون سوري ودّعوا سلطان باشا إلى مثواه الأخير، العام 1982، على رأسهم الرئيس حافظ الأسد، زعيما وقف أمام جثمان زعيم، يعده بأن سوريا ستظل، كما أرادها الباشا، موحدة حرة عربية مستقلة.
ناهض حتر
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد