جوزيه روبيرتو بريتو.. «السامبا» في كرنفال الحرب السورية

15-09-2016

جوزيه روبيرتو بريتو.. «السامبا» في كرنفال الحرب السورية

استغرق الفنان البرازيلي جوزيه روبيرتو بريتو (1958) سبع سنوات في صوغ رسوماته اللافتة عن الكرنفال البرازيلي؛ فبعد مشاركته في مهرجانات بلاده عكف بريتو على تقديم ما يشبه «سكيتشات» أوّلية عن المشروع الذي قام بتطويره نحو خمس وأربعين لوحة (زيت على قماش - 40 × 70) افتتح لها العرض الأول في غاليري «تجليات» (دمشق - 8 - 22 أيلول) ليكون بذلك أول تشكيلي أجنبي يكسر العزلة المفروضة على صالات العاصمة السورية منذ اندلاع الأحداث هناك في منتصف آذار 2011.
محاولة روبيرتو تأتي بعيداً عن التأثيرات البدائية للتراث، فعلى الرغم من أنها تستقي مادتها الأساسية من حضور القناع الشعبي على وجوه الشخصيات المرسومة، إلا أنها تميل في غالبيتها إلى التقاط العالم الداخلي العميق للكائن الإنساني، بعيداً عن تأطيرها ضمن قالب فولكلوري لهذا البلد أو ذاك. من هنا حاول التشكيلي البرازيلي تصدير هوية جديدة عن القارة اللاتينية تستقي فرادتها من أسلوب نفسي محكم، يلعب على التناقض بين بهجة اللون وجماد الوجه البشري خلف أقنعة عديدة أنتجتها غربة الإنسان المعاصر عن بيئته ومحيطه الاجتماعي بفعل تأثيرات الميديا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي، فاللوحة لدى جوزيه تبدو بنيّة نفسية متكاملة تعكس حساسية فائقة في تمويهها لشخوصها المقنّعة، لتحضر «كاريكاتيرات» من قبيل السجين والفلاحة والراقصة والمهرج والغانية والجنرال والصياد والراهب ومصارع الثيران كأدوار في مسرح «الميم» مع اللعب أكثر فأكثر على درجات متتالية من السطوع.
قرون وسطى
 لوحات المعرض الذي نظمته كل من «وزارة الثقافة والسفارة البرازيلية» (دمشق)، بدت أكثر استلهاماً لأزياء القرون الوسطى، مع لمسات لونية دسمة على الخلفيات، عمل روبيرتو من خلالها على تقزيم شخوصه ذوات الطول والبدانة الموحدة، جاعلاً من وقوف هذه الشخصيات في لوحاته وكأنها تأخذ صورة أمام كاميرا ثابتة بعد ارتدائها الزي المناسب. من هنا يمكن الإطلالة على عالم التشكيلي القادم من بلاد السامبا، حيث تأتي اللوحة عنده ضداً لثقافة الإيقاع، وتحنيطاً مستمراً للحظة والاختفاء في القناع كبديل عن المواجهة المباشرة، فبرغم التركيز على قيم التناظر والتماثل في الوقفات والنظرات الملثمة، إلا أن التنويع يأتي مع الموديلات بين عملٍ وآخر، فكأن الفنان يعوّض عن الإيقاع بشخوص خرساء أو تم إخراسها أكثر منها صامتة ومحايدة.
تجربة كثيفة برغم تكرار الثيمة، تتوسل خصوصيتها من عناء الرسام ورغبته في البحث عن قيم جديدة ضمن كوادر متناسقة ومحفوفة بعوالم سريّة؛ فهي دعوة للتفكير في صرخات أسكتها الفنان في هيئتها التنكرية، مدللاً على جوانياتها الحميمة بابتسامات ملغّزة ونظراتٍ غائرة، وذلك وفق تقنية لونية تحترف الإبقاء على الكتلة نافرة ووحيدة، وتستدعي تمحيصاً مضاعفاً في عيونها، والرغبة في كشف أسرارها الدفينة، لا سيما في تلك الشخصيات النسائية التي صدّرها بريتو كجوقة صامتة تعلو فيها طاقة الرمز عن سجيناتٍ داخل ثيابهن الفضفاضة، أو تزيدنا حيرةً كلما اقتربت من نساء غوغان في أعماله عن نساء تاهيتي.
و قال روبيرتو: «إنه لا يميل إلى أن تصنيف تجربته ضمن المحترف البرازيلي المعاصر، لكنه طيلة سنوات عمله منذ عام 1980 عمل على أن يقدم نفسه كفنان لا كبائع لوحات» وأضاف: «من الصعب أن أحدد موقعي اليوم بين تشكيليي بلادي، لكنني الآن أكثر شجاعة على قول ما أريده، بعيداً عن المدرسية، فلوحاتي ليست برازيلية بقدر ما هي تطمح لتكون ذات أبعاد إنسانية، أريدها صادمة في دمشق كما أرغبها كذلك في أوروبا واليابان وأفريقيا، هذا يجعلني أكثر قرباً من المتلقي دون النظر إلى هويته أو هويتي، فالفن إن لم يكن على هذه السوية من التعبير لا يعنيني».

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...