حلب «مدينة آمنة»
بأسرع مما كان متوقّعاً، حقق الجيش العربي السوري وحلفاؤه الجزء الأكبر من الأهداف العملياتية للعملية العسكرية التي انطلقت في ريفي إدلب وحلب، منذ ما يقارب شهراً. تمكّن الجيش في هذا الوقت القصير من فتح الطريق الدولي حلب ـــ حماة (M5)، والسيطرة الكاملة على كل ما يقع شرقيّه، إضافة إلى توسيع السيطرة غربي الطريق إلى نحو 10 كلم، والسيطرة على ما يؤمن الحماية له من أي هجمات أو محاولات قطع بالنار. كذلك، عمد الجيش السوري وحلفاؤه، بشكل واضح، إلى سدّ كل الثغرات العسكرية التي كانت تشكل خطراً على مدينة حلب وضواحيها القريبة. وفي اليومين الأخيرين، تمكّن الجيش من السيطرة، بسرعة استثنائية، على كامل الخاصرة الغربية، والشمالية الغربية، لمدينة حلب، والتي لطالما شكّلت التهديد الأكبر للمدينة.
وفي استعادة لسياق التطورات التي شكّلت المشهد الحالي، يروي مصدر عسكري رفيع المستوى، في حديث إلى «الأخبار»، أن القيادة التركية «أصابها إرباك شديد قبيل سيطرة الجيش السوري على مدينة سراقب الاستراتيجية»، شرقي مدينة إدلب، حيث يلتقي الطريقان الدوليّان (M5,M4). ويضيف المصدر العسكري أن «أنقرة أدركت أن الفصائل المسلحة لن تستطيع وقف تقدم الجيش وحلفائه، خصوصاً في ظل القدرة النارية التي يؤمنها الجانب الروسي، لذلك قرّرت التدخل». وقامت بنشر نقاط حول مدينة سراقب من الجهات الأربع، ظانّة أن وجود عسكرييها سيثني الجيش عن الدخول إلى المدينة، لكي لا يشتبك معهم. يعلّق المصدر العسكري هنا بالقول إن «تحرّك الجيش في تلك اللحظة كان ذكياً وشجاعاً، حيث التفّ حول سراقب لجهة الغرب، ودخل بلدة النيرب، واقترب من مدينة إدلب أكثر، أي ضاعف التهديد، ثم عاود الدخول إلى سراقب، وعبر من بين النقاط التركية التي استهدفته، فردّ على الاستهداف وأوقع جنوداً أتراكاً قتلى». بعد ذلك، تيقّن الجيش التركي أن وجود عسكرييه في محاور تقدم الجيش السوري لن يشكّل عائقاً جدياً، بل سيكونون أهدافاً سهلة، فانتقل إلى مرحلة أخرى، وهي «زيادة التسليح كمّاً ونوعاً، والتحشيد أكثر، إضافة إلى المشاركة في عمليات القصف الدقيق، والتغطية النارية، والإعداد لخطّ دفاع ثانٍ».
يضرب قائد ميداني شارك في عملية تحرير ريف حلب الجنوبي مثالاً على المساهمة التركية المباشرة في قتال الجيش، قبل الانتقال إلى مرحلة القصف المباشر. فيقول إنه بعدما سيطر الجيش السوري وحلفاؤه على بلدة زيتان جنوبي خان طومان، «هاجمها المسلحون مساءً واستعادوها (...) لكن ما لا لم يُقل حينها، هو أنهم انتقلوا إلى خط التماس على متن الآليات التركية التي كانت متوجّهة إلى نقطة المراقبة في العيس، حيث أنزلهم الجنود في نقطة قريبة ليبدؤوا هجومهم، ثم أكملوا طريقهم نحو العيس». ويؤكد القائد الميداني لـ«الأخبار» أن «مسلّحي الفصائل، من الجنسية السورية، لم يقاتلوا قتالاً جدياً في معارك شرقي الطريق الدولي، بل من قاتل هم المسلّحون الأجانب، وخصوصاً الحزب التركستاني». كذلك، فإن القوات التركية التي عززت انتشارها غربي الطريق الدولي، تشارك باستمرار في عمليات قصف مواقع الجيش السوري، حيث يقول القائد الميداني إن «المدفعية التركية تمرّر رماياتها بين رمايات المسلحين، ولكنها تقصف أهدافاً دقيقة»، كما تدعم هذه القوات المسلحين بأسلحة نوعية «أوّلها قبضات ضد الدروع (تاو)، وليس آخرها راجمات الصواريخ الدقيقة، والدبابات والمدرّعات». وأشارت تقارير روسية إلى أنه في الأيام الأخيرة «وصل عدد الدبابات في إدلب إلى 70، و200 مدرعة، و80 مدفعا تركياً».
وبالنظر إلى الوضعية الميدانية التي أقفل عليها يوم أمس، يظهر واضحاً تمكّن الجيش السوري من دفع خط دفاع المسلّحين إلى عمق محافظة إدلب، بعدما كان لسنوات في الأطراف. وهنا، يشير المصدر الميداني إلى أن «الجيش التركي، أخيراً، وجّه المسلّحين إلى الانسحاب من المناطق المتاخمة لمدينة حلب، كذلك من المناطق القريبة من الطريق الدولي من الجهة الغربية». والدافع وراء هذا التوجيه هو أن «التركي أدرك أن لا إمكانية عسكرية لمقاومة تقدم الجيش في غرب وشمال غرب حلب»، لذلك عمل الأتراك على «إنشاء خط دفاع جديد، عبارة عن مواقع عسكرية تركية وحولها تحصينات ونقاط انتشار للمسلحين، تمتدّ من دارة عزة في ريف حلب الغربي، نزولاً إلى ترمانين في ريف إدلب الشمالي، ثم التوامة وكفركرمين والأتارب، وصولاً إلى معرّة النعسان وتفتناز شرقي مدينة إدلب، ثم أريحا وكفرنبل جنوبي المدينة». وتشير التحركات العسكرية التركية إلى أن أنقرة تتوقع مزيداً من التقدم للجيش السوري، حيث يظهر من توزّع قواتها، وتشكيل خط دفاع جديد، أنها تتوقع تقدماً سورياً نحو دارة عزّة ثم أطمة على الحدود مع تركيا، وبالتالي عزل إدلب عن مناطق سيطرة «درع الفرات» شمالاً. كذلك، تتوقّع القوات التركية أن يتابع الجيش تقدمه نحو مدينة الأتارب ثم نحو معبر باب الهوى، إضافة إلى محور ثالث متوقّع، هو من سراقب نحو أريحا ثم جسر الشغور، وبالتالي السيطرة على طريق حلب ــــ اللاذقية. وإذا تحقّقت التوقعات التركية، فإن الجيش السوري يكون بذلك يحاول عزل المحافظة عن محيطها، وتقسيمها إلى محاور معزول بعضها عن بعض، وبالتالي يسهل قضمها تباعاً.
وبالحديث عن التهديدات التركية، وخصوصاً تلك المتعلّقة بضرورة انسحاب الجيش السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية، أو فليكن تحرّك تركي عسكري، يؤكد ضابط رفيع المستوى في الجيش السوري أن «لا مجال للانسحاب من أي نقطة وصلنا إليها، بل سيتفاجأ العدو التركي بأننا سنتقدم منه أكثر في الأيام المقبلة». ويعيدنا الضابط الرفيع إلى عملية نبع السلام» التركية في شرقي الفرات، حيث «رفع أردوغان سقف تهديداته مراراً، ووضع خططاً وأقام حملات إعلامية، ثم رضي من الروسي بأقل مما كان يطلب بكثير». ويؤكد الضابط أن «من غير المتوقع ــ حالياً ـــ أن يحصل اشتباك واسع مع القوات التركية في إدلب»، مشيراً إلى أن «الجانب الروسي حذر جداً في هذا الخصوص».
مدينة حلب «آمنة تماماً»
حقّق الجيش السوري، أمس، إنجازات كبرى في ريف حلب الشمالي، والشمالي الغربي، إذ استعاد السيطرة على منطقة الليرمون شمالاً، وصولاً إلى بلدة بيانون القريبة من بلدتي نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي الغربي، ما يعني إحكام السيطرة على أوتوستراد غازي عنتاب من دوار الليرمون، وصولاً إلى منطقة تل رفعت ومرعناز. كذلك، تابع الجيش تقدّمه باتجاه مناطق المسلّحين إلى الغرب من حلب، وبسط سيطرته على قرية المنصورة وتلة شويحنة الاستراتيجية.
ودخلت قوات الجيش إلى ساحة النعناعي، ومنطقة دوار المالية، ومبنى الخدمات الفنية والقصر العدلي القديم ومبنى الهلال الأحمر في منطقة جمعية الزهراء، إلى جانب صالات الليرمون المطلّة على ذلك الجزء من الحي، ما يعني تأمين محيط مدينة حلب بالكامل بعد السيطرة على ضهرة عبد ربه شمال المدينة. وخرج أهل مدينة حلب إلى الشوارع احتفالاً بالنصر الذي حقّقه الجيش السوري، حيث أصبحت مدينتهم آمنة تماماً، لأول مرة منذ اندلاع الحرب السورية.
(الأخبار)
إضافة تعليق جديد