خيارات الدبلوماسية الأمريكية منخفضة الشدة
الجمل: بعد مرور حوالي ستة أشهر على دخول إدارة أوباما الديمقراطية البيت الأبيض وخروج إدارة بوش الجمهورية منه بالإضافة إلى سيطرة الديمقراطيين على الكابيتول هيل (الكونغرس)، بدا واضحاً أن الدبلوماسية الأمريكية الشرق أوسطية بدأت تشهد تغيراً وتحولاً باتجاه التفاهم والتعامل مع جميع الأطراف بدلاً عن العزل والتعامل الانتقائي، فهل بدأت واشنطن مرة أخرى العودة إلى الدبلوماسية الناعمة المنخفضة الشدة بدلاً عن الدبلوماسية الخشنة مرتفعة الشدة؟
* خيار الدبلوماسية الناعمة الأمريكية: أبرز المحفزات:
يقول الخبراء أن الدبلوماسية الأمريكية الخشنة مرتفعة الشدة التي انتهجتها إدارة بوش أدت إلى جعل السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية تواجه أزمة الوقوف أمام الأبواب المغلقة والدوران ضمن الحلقات المفرغة التي لا تفضي إلى أي نتيجة حقيقية، وفي هذا الخصوص وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول المحلل السياسي الأمريكي ليونيل بينهار في ورقة بحثية مختصرة نشرها الموقع الإلكتروني الخاص بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكية بأن المسؤولين الأمريكيين سعوا كثيراً خلال فترة إدارة بوش من أجل البحث عن حل لأزمة الملف النووي الإيراني، ووضعوا كل الخيارات على الطاولة، ولكنه في نهاية الأمر بدا واضحاً أن الخيار الدبلوماسي غير ممكن بسبب تعنت طهرن وروابطها القوية مع روسيا وبعض الأطراف الأخرى وبأن الخيار العسكري غير ممكن لأنه لن يؤدي سوى إلى تأجيل البرنامج النووي وما هو أكثر ضرراً يتمثل في أنه سيؤدي إلى تعزيز شعبية نظام الثورة الإسلامية والإضرار بالمصالح الأمريكية في المنطقة إضافة إلى الإضرار بمصالح حلفاء أمريكا وإشعال نزعة العداء لأمريكا وتعريض أمن ووجود إسرائيل إلى الخطر.
تحدث المحلل جون بي ألترمان الخبير بمعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي في تحليله الذي نشره الموقع الإلكتروني الخاص بالمعهد قائلاً أن مفهوم دبلوماسية التفاهم مع إيران توسع وأصبحت له امتدادات شرق أوسطية أكبر تتضمن التفاهم مع سوريا وحزب الله وحركة حماس والسودان، وامتد نطاقه ليشمل التفاهم مع حركة طالبان الأفغانية والباكستانية!
* الخلافات الأمريكية – الأمريكية حول دبلوماسية الشرق الأوسط:
يقولون أن الخلاف حول دبلوماسية الشرق الأوسط هو خلاف جمهوري – ديمقراطي ولكن برغم أن هذا التفسير صحيح وساري إلى حد ما، فإنه يوجد الكثير من الخلافات الفرعية الخاصة بدبلوماسية الشرق الأوسط، فهناك خلاف جمهوري – جمهوري أي بين أجنحة الحزب الجمهوري، وتحديداً بين المحافظين التقليديين الذين يقودهم جورج بوش الأب وجيمس بيكر، والمحافظين الجدد الذين يقودهم ديك تشيني وإبليوت إبراهام، كما يوجد خلاف ديمقراطي – ديمقراطي بين أجنحة الحزب الديمقراطي، فهناك جناح المحافظين الجدد الذي يقوده دنيس روس وجو ليبرمان وجناح يقوده جون كيري وجناج يقوده مارتن إنديك وريتشارد هاس وغيرهم.
برغم أن جميع هذه الأجنحة بشقيها الجمهوري والديمقراطي تهدف إلى شيء واحد هو السيطرة الأمريكية على المنطقة فإنها تختلف حول الكيفية التي يمكن أن تحقق بها واشنطن ذلك وقد برز الخلاف حول الرهانات الآتية:
• المراهنون على دبلوماسية عزل سوريا وإيران وحلفائهما أكدوا على أن الضغوط هي الوسيلة الفاعلة في ردع هذه الأطراف ودفعها إلى القبول والاستجابة.
• المراهنون على دبلوماسية التفهم والتعامل مع سوريا وإيران وحلفائهما أكدوا على أن التعامل والتفاهم يساعد واشنطن في إقناع هذه الأطراف وحثها على التعاون وتليين مواقفها.
الخلاف الدائر حول جدوى دبلوماسية التفاهم والتعامل مع سوريا وإيران ودبلوماسية القطيعة والعزل كان موضعاً لمواجهة سياسة كبيرة داخل الإدارة الأمريكية والكونغرس وداخل الحزبين الأمريكيين الرئيسيين، وقد لعبت أجهزة الإعلام ومراكز الدراسات الأمريكية دوراً بارزاً في هذه المواجهة وقد أدى صعود خيار التفاهم والتعامل مع سوريا وإيران إلى حركة صعود وهبوط داخل أروقة الإدارة الأمريكية، وعلى سبيل المثال لا الحصر لم تكتف الخارجية الأمريكية بإخراج دنيس روس، عراب دبلوماسية العزل، من الإدارة الأمريكية بل من الواضح أنها ستمضي قدماً في تفكيك شبكته التي ما يزال عناصرها يمارسون دوراً فاعلاً في صنع قرار السياسة الخارجية الأمريكية الشرق أوسطية من خلال سيطرتهم على بعض المواقع الرئيسية في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية بالإضافة إلى لجان العلاقات الخارجية التابعة للكونغرس.
* طبيعة الدبلوماسية الأمريكية الناعمة في الشرق الأوسط:
تنقسم الدبلوماسية الأمريكية على أساس اعتبارات الهدف المعلن إلى دبلوماسية علاجية تسعى للقضاء على المشاكل ودبلوماسية وقائية تسعى إلى منع حدوث المشاكل مسبقاً، أما على أساس اعتبارات الوسيلة فتنقسم إلى دبلوماسية خشنة تستخدم الردع والقوة والقسر في التعامل مع الآخرين، ودبلوماسية ناعمة تستخدم التفاهم والترغيب.
وبرغم الخلافات فإن الهدف الأمريكي غير المعلن هو واحد وبكلمات أخرى فإن الدبلوماسيات الأمريكية وإن اختلفت فهي تسعى دائماً لتحقيق الشيء ذاته، وعلى هذه الخلفية تشير التسريبات التي أوردها مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بأن الدبلوماسية الشرق أوسطية الناعمة التي بدأت إدارة أوباما تتحول نحو استخدامها هي دبلوماسية تقوم على أساس اعتماد جدول أعمال دبلوماسي ناعم يتضمن الآتي:
• توسيع الاعتماد على وسائل الإعلام.
• دعم الجماعات والمنظمات المدنية المؤيدة للديمقراطية.
• توسيع نطاق المعاملات الثقافية والتعليمية.
• التركيز على مطالبة الأطراف الشرق أوسطية بإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
• توسيع التعامل والتفاهم مع جميع الأطراف المتشددة لجهة حثها على تقديم التنازلات.
• تعزيز قدرات حلفاء واشنطن في المنطقة.
• استخدام أسلوب تعدد المسارات في التعامل مع أزمات المنطقة.
إضافة لذلك، تقول المعلومات أن مسارات التعامل والتفاهم مع سوريا وإيران وبقية خصوم أمريكا الشرق أوسطيين يقوم لفيف من الخبراء الأمريكيين حالياً بتحديد خطوط بديلة للتعامل معها والتي ستقوم واشنطن باللجوء إليها في حالة فشل الخطط الجاري تطبيقها حالياً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد